أزمة «غير مسبوقة» في عمق البيروقراطية الأردنية: طبقة كبار الموظفين تمتنع عن «اتخاذ أو توقيع» قرارات بعد التوسع في تحقيقات شبهات الفساد وبسبب استعراضات النواب والإعلام وشغف الحكومة

2017/05/04
Updated 2017/05/04 at 5:47 مساءً


ملف المتاجرة بتأشيرات الحج لهيئة الفساد بعد قصة «وزراء الزراعة» وضوء أخضر من الملقي

عمان ـ «القدس العربي»: يمكن اعتبار قرار وزير الأوقـاف الأردنـي الدكـتور وائل عربيات تحويل إحدى اللجـان الرسـمية التابعة لوزارته إلى هيئة مكافحة الفساد حلقة جديدة في اطـار التداعيات الادارية التي تثير لغطاً كبيراً هذه الايام ليـس في الشارع الأردني فحسـب ولـكن أيضاً ـ وهـذا الأهم ـ في عمق مؤسسات القرار نفسـها والنـخب السـياسـية.
ويتعلق الامر بفساد محتمل وأعضاء لجان في وزارة الاوقاف يشتبه في انهم باعوا تأشيرات حج في السوق السوداء وبأسعار خيالية.
طبعاً لا يمكن الاستنتاج في قضية ستخضع للتحقيق للتوثق من وجبة الاتهامات الجديدة ويمكن بالمقابل توقع ان قراراً من هذا النوع وبالرغم من الضجيج الذي يثيره أو أثاره بمجرد اعلانه امس الاربعاء سياسي بامتياز وحظي على الاقل بضوء اخضر من رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي الذي توعد أكثر من مرة والتزم بإحالة أي شبهات فساد إلى التحقيق والمؤسسات المعنية.
ليس سراً في السياق ان اسم وزير الاوقاف السابق الدكتور هايل داوود ظهر في نهاية كتاب رسمي موجه للقنصل السعودي في الأردن يطالب بتخصيص الف تأشيرة حج لموظفين اداريين ضمن لجان وصناديق ذات اختصاص بالموضوع من دون وجود قرائن وأدلة على الربط المباشر بين هذا الكتاب الرسمي الذي نشرت وكالة عمون الإخبارية صورة له وبين ما جرى لاحقاً في عملية بيع التأشيرات.
الوزير عربيات تحرك بجرأة للمرة الثالثة في هذا الاتجاه بعد اعلانه خطوة رحب بها الراي العام واحتجت عليها وزيرة السياحة عندما قرر تأسيس شركة تتبع الوزارة وتقدم خدمات لمواسم الحج والعمرة، الامر الذي أدى لاعتصامات على باب الوزارة من قبل اصحاب المكاتب السياحية المعنية الذين اتهموا الوزارة بالسعي لاحتكار هذه التجارة ومضايقتهم.
في اللجان الوزارية المختصة تمكن الوزير عربيات من اقناع زملاء له بأن تقدم الوزارة هذه الخدمة من دون مساس بمصالح بقية المكاتب التي اجتهدت وزارة السياحة بدورها للدفاع عنها وعن مصالحها من دون فائدة في الوقت الذي تبين فيه بأن صندوق الزكاة وصندوق الحج التابعين للوزارة يتيح لهما القانون التقدم بمثل هذا الاستثمار الذي مضى قدما بخطوة جريئة من وزير الاوقاف.
مواجهة شبهات فسـاد محـتملة لاكتها ألـسن الشارع وتحديداً في بعض الوزارات مثل الاوقـاف تبدو سياسة مرضية للرأي العام وللرئيس الدكـتور هـاني الملقي لان الأخير وبعدما شارك في موسم الحـج رصد بصورة مباشرة ملاحظات ومفارقات تستفسـر عن الخدمة السيئة التي تقدم للحجاج الأردنيين في الموسـم الرسمي قياسـا ببقية الحجـاج حيث واجه الملـقي مباشرة بعض مشكـلات التنظيم وابتعاد المسـاكن رغـم ان الحاج الأردني يدفـع كلـفة لا تقـل عن بقـية الحـجاج.
«غيرة» الملقي الذي يتميز مرة أخرى بالغرق في التفاصيل بحكم خبراته السابقة في خمس وزارات على الاقل منحت الوزير عربيات هامشاً اضافياً للتحرك والمبادرة تحت شعار مواجهة الخلل والقصور وحتى عمليات التلاعب والفساد المحتملة في مناطق محددة مثل تأشيرات الحج والعمرة وتنظيم للرحلات الدينية.
الحكومة بدورها تستفيد من إجراءات الشفافية من هذا النوع وتضفي صدقية لدى الشارع على خطابها الانشائي تحت عنوان مواجهة ومكافحة الفساد وان كانت الآراء تتصدر بعنوان مواجهات بسيطة للفساد الصغير وتجاهل ملموس للفساد الكبير.
بعيداً عن مسألة وزارة الاوقاف الجديدة تبدو الأجواء مشحونة ومرتبكة في دوائر القرار إلى حد ما فقد برزت قضية الملف الذي احيل من الاوقاف إلى هيئة الفساد بعد ايام قليلة من احالة مجلس النواب لملف يخص وزيرين سابقين للزراعة إلى النيابة، الامر الذي انتهى بإعادة اوراق الملف من قبل النيابة إلى مجلس النواب للمطالبة بشروحات أكثر كما صرح رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة.
موضوع الزراعة تسبب في تجاذبات علنية بين الطراونة ووزير الزراعة الاسبق المهندس سمير الحباشنة الذي انتقد في مؤتمر صحافي ما سمّاه بالمحاولات المسيئة لرموز الوطن من قبل مؤسسات في الدولة كما قال.
العنصر الأكثر اثارة في هذا السياق ينتج عن مستوى الارباك الاداري الذي تشعر به اليوم أوصال المؤسسات بعد القوة الاضافية التي منحت من قبل النواب لتقارير ديوان المحاسبة بخصوص التجاوزات بنوعيها المالي والاداري حيث يتردد عشرات المسؤولين في لجان حكومية وبيروقراطية عن اتخاذ قرارات على قاعدة ان الحكومة يمكنها الاستجابة بتحويل ملفات أي قرار إلى التحقيق تحت غلاف مجاملة مجلس النواب أو حتى تحت ستار مغازلة الرأي العام بالرغم من عدم وجود حراك شعبي أو موجات ربيع تتطلب مثل هذا الارباك.
ويواجه بعض المفاصل البيروقراطية حالة جدل كبيرة حاليا فقد اقر بعض الوزراء والمسؤولين الكبار امام «القدس العربي» بأن أصحاب القرار الموظفين من الدرجة الثانية والثالثة بعد الوزير يواجهون اليوم مشكلة كبيرة في توقيع القرارات لان احتمالات النبش برلمانيا او اعلاميا واردة في كل الأحوال.
ولان العديد من المسؤولين يريدون اليوم تجنب الشبهات فيما يسعى بيروقراطيون كثر في الهرم الاداري لمراوغة عملية اتخاذ القرار والافلات منها قدر الامكان وفقاً لقناعة بأن أي موظف رفيع في الدرجة الأولى أو رئيس لجنة يمكن ان يتحول ببساطة ولأسباب سياسية او اعلامية ودعائية إلى هدف شخصي للنبش وبالنتيجة إلى مشتبه به مفترض أو كبش فداء محتمل وفقاً للسيناريو الذي حصل عند انطلاق الحراك الشعبي عام 2011.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً