عن التهالك «الداعشي .. بقلمك :معتز حيسو

2017/08/17
Updated 2017/08/17 at 9:38 صباحًا


تساؤلات كثيرة يثيرها تسارع انهيار قدرات تنظيم «داعش» العسكرية، وانحسار حدود «دولته» الجيو سياسية، ومنها: هل كنا أمام مشروع حقيقي هدفه بناء دولة الخلافة الإسلامية «الداعشية»؟ أم انَّ مصالح غير دولة وجهة استخباراتية تقاطعت على تمكين «داعش» وظيفياً؟ هل يمكن للأطراف المشاركة في الحرب المعلنة على إرهاب التنظيم أن تكون جادة في القضاء على داعش؟ وإذا كان ذلك ممكناً، هل يمكنها الاستغناء عن دوره الوظيفي، أم ستتم إعادة إنتاجه وظيفياً في مناطق أخرى وبأشكال مختلفة؟
أخيراً، هل سيكون لتحولات الأزمة الخليجية وتناقضاتها دور في إعادة إنتاج أشكال «داعشية» جديدة؟ علماً بأنَّ سياق تصعيد وتيرة المعارك ضد «داعش» في العراق وسوريا، يكشف عن صراعات دولية وإقليمية هدفها تقاسم النفوذ والمصالح والسيطرة على الحدود، والهيمنة على تركة «داعش»، وأيضاً إعادة ترسيم حدود الدولة السورية الجيو سياسية، وإعادة توضيب شكل الحكم وطبيعته.
نشير بدايةً إلى أن «داعش» وأخواته من المجموعات المصنفة إرهابية لا تعبِّر عن جوهر الإسلام، وتتعارض مع الإسلام الشعبي الذي يميل بشكل عام إلى الاعتدال. فآليات اشتغال «داعش» تشكل ذروة التطرف الديني، وأكثرها دموية وفظاعة وانتهاكاً لحقوق الإنسان، لكنِّها في اللحظة نفسها ليست منفصلة عن السياق العام للحركات الجهادية. وما نشهده من صراعات دينية في الظاهر، ووظيفية في الجوهر، ليسا طارئاً أيضاً على مجتمعاتنا الإسلامية. ونشير إلى أن اختلاف تجليات ومستوى التطرف والعنف الراهن، لا ينفي ارتباطها بجذور التطرف الديني ومقدماته التاريخية والموضوعية. وجميعها يعتمد في بنائه الأيديولوجي النمطي على توظيف نصوص قرآنية لتبرير أعماله العدائية بحق المخالفين لهم في الدين والمذهب والطائفة.
في السياق ذاته، فإن تراجع المدّ الشيوعي وتمدد النموذج الرأسمالي النيوليبرالي بنسخته الأميركية، واعتماد مبدأ الهوية الثقافية كشكل جديد للصراع، وتلازمه مع تحولات أخرى راهنة، تشير إلى عودة الاستعمار المباشر كوسيلة للهيمنة. ويتم في سياق ذلك توظيف فصائل جهادية إسلامية لتشويه صورة الإسلام المعتدل، وإعادة إنتاج مظاهره الأكثر تطرفاً لهدم غير دولة عربية وإسلامية، وتعميق ما تعانيه مجتمعاتنا من إشكاليات أيديولوجية وثقافية مرتبطة بأوضاع سياسية لها دور رئيسي في تفكّك وتناقض مجتمعاتنا من الداخل. هذا كله يسهم في تحويلنا إلى موضوع للهيمنة الخارجية التي باتت عنواناً لصراع المحاور الدولية والإقليمية. وضمن السياق المذكور للصراع، يتم تغييب التناقضات الأساسية والمحددة له.
ونشير في ضوء ما تقدَّم إلى أن «داعش» ومجموعات أخرى جهادية، لا تعدو كونها أدوات استخباراتية، تمت صناعتها لأسباب متعددة ومختلفة؛ بمعنى أنه تم الاشتغال على صناعتها كأدوات وظيفية تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنية والأطر الثقافية. ودلالات ذلك يكشفها خضوع أوضاعنا الراهنة لمزيد من التحولات والميول الاحتلالية الدولية والإقليمية.
إن تمكين «داعش» من السيطرة على موارد بشرية واقتصادية ومالية وأيضاً عسكرية ولوجستية سهَّل من تمدّده على الجغرافيا السياسية لغير دولة. وذلك يحمل تأويلات مختلفة وأحياناً متناقضة؛ فقدرة «داعش» على تحطيم الحدود وتجاوزها في سياق تأسيس دولته الوظيفية، وامتلاكه القدرة على مقارعة جيوش غير دولة، أثارا التباسات عميقة. في المقابل، فإن تسارع وتيرة انهياره يثير مزيداً من الشكوك والتساؤلات. هذا الأمر يشير إلى أن ثمة قضايا كثيرة يجري الاشتغال عليها في مراكز صناعة القرار، ما يدفعنا إلى طرح التساؤل الآتي: هل أنجز «داعش» مهماته الوظيفية مثل تحطيم البنى التحتية لغير دولة، وتمكين أوضاع احتلالية، وتحويل غير دولة عربية إلى مناطق نفوذ غربية وإقليمية، وإدخال مجتمعاتنا في صراعات هوياتية غير منتهية، وهدم الإرث الحضاري والثقافي التاريخي لمجتمعاتنا، والقضاء على الكيانات «الوطنية» تمهيداً لفرض مشاريع كانتونية طائفية إثنية وعشائرية تفتح المجال لإعلان الدولة اليهودية، إضافة إلى توافق الدول المتصارعة على تقاسم مواردنا الوطنية، وعلى آليات تُعيد فرض أشكال أشد عمقاً من التبعية الكولونيالية والارتهان السياسي.
إن مقاربة أوضاع «داعش» الراهنة، وأدواره الوظيفية، يمكن مقاطعتها بأوضاع تنظيم «القاعدة» الذي فرَّخ وما زال تنظيمات ومجموعات كثيرة، منها حركة طالبان وجبهة النصرة، ما يعني إمكانية تجدد «داعش» بمسميات أخرى مختلفة. ويسهِّل من ذلك التضخم العقائدي، واستمرار التباين البراغماتي بين دول تشتغل حتى اللحظة على إدارة وتوظيف التطرف والعنف.
أخيراً، إذا كان ممكناً القضاء على «داعش» وغيره من التنظيمات الجهادية عسكرياً، فإن مخاطر وإشكاليات أخرى تتحدد في كيفية تجاوز ما خلّفته تلك التنظيمات من تداعيات ثقافية واجتماعية. وذلك يدلل على حاجتنا إلى آليات سياسية وثقافية مختلفة في الشكل والمضمون عن آليات التفكير الطائفية والتسلطية والأمنية.
الاخبار اللبنانية

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً