حدثان وتجربتان ..بقلم :صادق الشافعي

2017/10/28
Updated 2017/10/28 at 9:13 صباحًا

الحدثان حصلا في روسيا وباستضافة جهات روسية معنية، وفي توقيت زمني واحد تقريباً.
الحدث الأول «مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي» الذي انعقد في مدينة بطرسبيرغ.
أما الثاني فهو «المهرجان العالمي التاسع عشر للشبيبة والطلبة» الذي انعقد في سوتشي.
الحدث الأول، كانت أجواؤه ونتائجه بشكل عام مرضية وأقرب الى صالح القضية الوطنية الفلسطينية وضد دولة الاحتلال وسياساتها وممارساتها.
المشهد الذي طغى على هذا الحدث كان الكلمة القصيرة شديدة التعبير، شديدة الصدق لرئيس مجلس الأمة الكويتي ودعوته، التي استقبلت بالتصفيق الواسع، لممثل برلمان دولة الاحتلال، بمغادرة الاجتماع والقاعة. وقد صغر وخرج فعلا.
استقبل هذا الموقف والكلمة في الشارع العربي عموما بفرح وترحيب كاشارة موقظة على استمرار الرفض الشعبي لدولة الاحتلال والاعتراف بها والتعامل معها.
في الحدث الثاني، كان المشهد الطاغي، عدم رفع العلم الفلسطيني في حفل افتتاح المهرجان، يقابله مشاركة وفد من دولة الاحتلال ورفع علمها، علماً بان اللجنة التحضيرية للمهرجان في آخر اجتماع لها لم توافق على مشاركة دولة الاحتلال.
الوفود العربية احتجت وقاطعت الافتتاح وطالبت بإخراج الوفد الاسرائيلي من المهرجان، ونظم البعض منها اعتصاماً امام مقر اللجنة المسؤولة عن ادارة المهرجان.
ورغم ان اللجنة المذكورة عزت عدم رفع العلم الفلسطيني الى خط أإداري، لكن الامر احتاج الى ثلاثة ايام لتصحيح ذلك الخطأ ورفع العلم، لكنها رفضت اخراج وفد دولة الاحتلال.
الحدث الاول، جاء طبيعياً ومنسجماً مع المساق العام للموقف الروسي المتواصل مع الموقف السوفييتي المناصر للحق الوطني الفلسطيني ونضالات الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال وسياساته وممارساته العنصرية.
الحدث الثاني جاء، في افضل تفسير ايجابي له، قراءة خاطئة من قبل اللجنة المسؤولة للسياسة المتوازنة التي تسعى الدولة الروسية انتهاجها في هذه المرحلة وترجمة عملية شاذة على هدي تلك القراءة، ودون الغاء احتمالات الهوى والميل لدى اللجنة المعنية.
الحدث الثاني بالتحديد يستدعي للذاكرة ويستحضر تجربتين في مهرجانين مماثلين.
التجربة الاولى، في المهرجان العالمي التاسع للشبيبة والطلبة في مدينة صوفيا- بلغاريا صيف 1968. كان الوفد القادم من دولة الاحتلال هو وفد شبيبة راكاح ( الحزب الشيوعي) وكان معظم اعضائه من فلسطينيي منطقة 1948.
في ذلك المهرجان تم لأول مرة اللقاء بين أغلبية من الوفد الفلسطيني الكبير والقادم من مختلف المناطق مع إخوانهم القادمين مع وفد راكاح. حصل اللقاء الأول بين مجموعتين من الوفدين بالمصادفة، كان عفوياً، عاطفياً وحميمياً جداً. وتوالت بعده اللقاءات، وظهر بين أعضاء الوفدين علاقات قربى او معارف مشتركين او انتماء الى أصول واحدة لهذه القرية او البلدة او تلك.
في عضوية وفد راكاح كان العظيم «محمود درويش». كانت تلك ربما، المرة الاولى التي يخرج بها. وكانت شهرته والتعلق به قد بدآ بعد ان عرّف به ونشرت قصائد له الشهيد غسان كنفاني في كتابه البديع «ادب المقاومة في فلسطين المحتلة». كانت اجيال من الشباب الفلسطيني قد بدأت التغني بـ «سجل انا عربي» و»احن الى خبز امي» وغيرها من إبداعاته، مقرونة بالتعلق به وبزملائه وتجربتهم النضالية المتميزة.
الاعتراض جاء هذه المرة، من مجموعة من أعضاء الوفد الفلسطيني نفسه، رفضوا تواصل أي منهم او من أعضاء الوفد الفلسطيني، مع اناس اتوا للمهرجان بموافقة دولة الاحتلال وتحت علمها. كان مثل هذا الفهم الخاطئ والضار موجودا في ذلك الزمن، حول فلسطينيي منطقة 1948، وقد ذهب الى غير رجعة لحسن الحظ.
قيادة الوفد وتجنبا لخلافات واحتمال مشاكل قررت عدم تواصل اي عضو بالوفد الفلسطيني مع اي من اولئك الأخوة الأعزاء.
باستثناء تلك المجموعة لم يلتزم اي من أعضاء الوفد بالقرار بمن فيهم بعض قيادته نفسها.
التجربة الثانية، حصلت في المهرجان العالمي العاشر للشبيبة والطلبة في برلين الشرقية صيف 1973.
كان الوفد الفلسطيني في ذلك المهرجان نوعيا في عضويته ومستواها القيادي والكادري وفي تنوع كفاءاته وقدراته، وفي تجهيزه وتحضيره، وفي نشاطاته الممتدة من الاجتماعات التضامنية الى معارض الرسم الى الحفلات الفنية، ومنها الموسيقية والسيمفونية، الى النشاطات الرياضية…. وبالنتيجة كان نوعيا في تنظيمه ونتائجه.
وزاد في وهج حضور الوفد، الحضور الشخصي للشهيد القائد ابو عمار ومشاركته في بعض فعاليات المهرجان. كل ذلك جعل المهرجان بالمحصلة فلسطينيا بامتياز.
الشهيد ابو عمار كرر في اكثر من مناسبة بعد ذلك، انه في برلين تسلم راية حركة التحرر العالمية من الثورة الفيتنامية التي كانت في ذلك الزمن تستعد لاعلان انتصارها النهائي.
في هذا المهرجان برزت مشكلة رفع علم دولة الاحتلال في مسيرة وحفل الافتتاح وكان هناك رفض لذلك باجماع الوفود العربية وتضامن العديد من الوفود الصديقة الاخرى.
هنا ابدع العقل العملي حلا فريدا: بسبب الضغط على طائرات الشركة الألمانية الشرقية ( الانترفلوج) التي تنقل وفود منطقتنا الى برلين تحدد موعد وصول الوفد القادم من دولة الاحتلال في يوم افتتاح المهرجان، لكن «عطلا؟!» فنياً أصاب الطائرة أخّر وصولها الى ما بعد انتهاء مسيرة وحفل الافتتاح. ولم يرفع علم دولة الاحتلال.
التجربتان حصلتا في زمن الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية. زمن تصاعد نضال حركات التحرر الوطني على امتداد القارات الثلاث. زمن النهوض لنضالات قوى التحرر والاستقلال والديمقراطية وتقرير المصير على امتداد العالم.
وكان أيضا زمن اوج تألق الثورة الفلسطينية، على المستوى الدولي بالذات، وزمن وحدتها وتماسك مكوناتها وتعاظم نضالاتها. وفي اوج الالتفاف العربي حولها دعما واسنادا ومشاركة.
وفي مثل هذه الازمان تتحقق الإنجازات.
الايام

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً