“التشكيلية” السعودية جواهر السيد في “تضامن”: الغوص في أحلام النساء ..بقلم :تحسين يقين

2018/01/24
Updated 2018/01/24 at 8:44 صباحًا


التواصل بين النساء والاطفال، وتعبير الألوان عن المشاعر بذكاء واحتراف..تفاوت الألوان مع تباين المشاعر، ذلك هو أحد مفاتيح الفنانة جواهر السيد.
باستثناء لوحة في هذه المجموعة، فإن باقي اللوحات تنحو منحى تضامنيا قويا، عبر وجود النساء معا متلاصقات، حيث يعبر احتكاكهن هنا طلبا للحرارة وهروبا من برد الوحدة.
كان اللقاء عبر التواصل الاجتماعي، حين لفتت لوحاتها، واحدة إثر أخرى، مشاعرنا الإنسانية من جهة، وإعجابنا بمصداقية التعبير من جهة أخرى.
هو معرض حقيقي للفنانة جواهر السيد من المملكة العربية السعودية، يكتسب بعدا اتصاليا وإنسانيا عن بعد، من خلال ما تثيرها لوحاتها من أسئلة مدمجة إنسانيا وفنيا.
هناك على شاطئ جدة الجميلة، أطالت الفنانة تأملاتها النفسية والاجتماعية، لتعبر عن ذلك خطوطا وألوانا، تتجاوز بها مكانها، لتعبر عن حال الإنسان اليوم في هذا العالم ذي النزعة الفردية، والذي راح يعيش الناس عزلتهم رغم ما يحيون وسطه من ضجيج.
هي الوحدة إذن التي لا تقف عند حدود التعبير عنها، بقدر ما تبحث عن القلوب الرحيمة لتكون لها سكنا، كذلك لتكون هي لتلك القلوب ايضا سكنا؛ فالمشاركة والتضامن معا، يعني تحقيقا لوجودنا السامي في هذا الكون.
ورغم احتمالية التعبير الذاتي هنا، لدى الفنانة جواهر، فإننا لو تعمقنا قليلا لوجدنا أننا إزاء تعبير موضوعي، عن حياة آخرين لا يملكون الشجاعة للبوح عن وحدتهم هم أيضا.
لقد نوعت جواهر على النغم الرئيس، لكنها بذكائها الفني لم تكرر لوحاتها، فجعلت كل لوحة تمثل وضعا خاصا.
صحيح أنها رسمت نساءها واقفات أو جالسات، في عدة لوحات، لكن لم يكن الوقوف واحدا ولا الجلوس، دلل على ذلك الشكل نفسه، وما به من مضمون وبوح.
إنهن أي نساء، (وبشر) الفنانة التشكيلية السعودية، يلذن بأنفسهن، فيصرن أقوى وأكثر ثقة، بل ويجترحن معا مشروعية الوجود الإبداعي للمرأة، بما يحقق أدوارهن المتنوعة، بما فيها من أدوار فنية أيضا.
لذلك، فثمة بديل إنساني لدى الفنانة-المفكرة هنا، يؤكد أن التضامن في القضايا يعني الكثير، ولعل تلك هي رسالة فنانتنا الأسمى.
إنهن متضامنات من أعمار وأجيال مختلفة، كما يبدو في لوحة رشفة ساخنة، حيث نراهن طفلات وفتيات وأمهات، أريد للإنجاب لديهن أن يمثل وسيلة ترسيخ لدور اجتماعي محدد، لكنها جعلت من دورته دورة حياة لا دورة موت الإرادة، فبالرغم من ملامح الحزن والمعاناة، إلا أن وقوفهن معا يمثل التحدي، حيث تمد الحركة الدائرية في حمل الطفلات، حيوية وأملا في غد أفضل. كما يمثل تضامن الأخوات والأمهات في رعاية الصغار، فتطاولت الأذرع هنا وتمازجت واتصلت، فصارت ذراعين معا تضمان الأطفال، وتضمان أنفسهن. هل هي الرشفة الساخنة قهوة ورمزا أنثويا إنسانيا!
أما في لوحة قمر 14، فقد تضامنّ في الغضب والتحدي والتمرد، تتقدمنهن ثلاث، وتساندهن ثلاث أخرى من عمر أصغر، وقد جعلن الوقوف أمامنا، أمام المجتمع مباشرة، بأعين مفتوحة غير مستكينة، فيها لوم وعتاب جارح بل وثورة أو التهديد بها، فلا يجد الرائي هنا بدا من الإصغاء لمشروعية أفكارهن ومشاعرهن الواثقات بحقهن بها. ولا يبعد اسم اللوحة عن نقد ما هو سائد من تفكير نمطي تجاه النساء والفتيات.
ولعل اللون الأحمر في اللوحتين خصوصا في الأولى يعكس جدية القضية وصاحباتها.
في لوحة سهرة حجازية، ثمة تضامن في الحلم، وقد اختارت الفنانة شكل ضمة الورد لهن وهن مستلقيات، فكأن الحلم يشكل أملا جميلا يمنحن الراحة، إنه حلم البريئات، وهكذا تعزف على مشروعية الوجود عبر الحلم. لكننا بتركيز النظر في المشاعر وجدنا أنها لا تخلو من حزن. دلل على ذلك وعمقه اختيار الألوان الأبيض والاسود والرمادي. لعل تداعيات العنوان تأخذنا الى عالم الحجاز قديما وحديثا، لما كان له من غنى وجمال وأحلام.
أما لوحة في الطريق، فأزعم أنها مميزة شكلا ومضمونا وتحليلا نفسيا واجتماعيا؛ حيث اختارت الفنانة تضامنا على مستويين عمريين، اربع نساء بجانبهن أربع طفلات، مالت فيها الفنانة جواهر الى التجريد التام، وجعلت اللون هو الناطق، حيث كانت النساء باللون الأحمر، بما يحملن من همّ وأمل بما ينسجم مع وعيهن وإرادتهن بالتغيير، في حين ظهرت الطفلات بالبياض المشوب بحمة خفيفة، بما يلائم عمرهن البريء، حيث لم يدخلن بعد حدود المسموح من الأدوار. ولكن ذلك لم يمنع من تضامن الصغيرات مع الكبيرات، حيث ظهر ذلك من خلال نظرتهن تجاههن. كأنهن يرسمن طريق المستقبل.
في لوحة حديث النوافذ، زادت الفنانة من التجريد، فبالكاد ظهرت النسوة، داخل غرفة، بل ثمة إيحاء باستنطاق إنسان ما لسيدة هنا كي تبوح، أو كأنه يصغي لصوتها الداخلي. ويمكن النظر لهذه اللوحة كسرّ يصعب البوح به خارج الغرفة..ربما.
أما قضية التضامن بالحق في التعبير الفني، فقد ضمّ 4 لوحات هي في غاية الجمال والحيوية، بما ينسجم مع روح المرأة وروح الفن نفسه؛ ففي لوحة جدتي، بدون كراقصات الفلامنكو بمراوحهن، ومعروف أن رقص الفلامنكو بالذات يعبر عن قوة التضامن على مستوى الحركة القوية الضاربة بقوة على الأرض، يخفف من وقع التحدي هنا جماليات المراوح الملونة. ولعلنا نتساءل هنا عن أحلام الماضي متمثلا بالجدة التي أورثت بناتها أحلامها!
في لوحة نغم، كانتا معا كراقصتين حالمتين لكن رشاقتهن تثير الحيوية، كأنه حوارهما، وتعبيرهما معا، فحتى لو كانتا اثنتين فقط، فإنهن يمكنهن صنع التغيير من خلال جمال الفن. وقد زاد اللون الحار هنا كوسيلة تأكيد على الاهتمام. هو النغم هنا لون، وخطوط، ورقص، وأحلام.
وعادت الفنانة في لوحة فرح صامت للتجريد في الملامح معوضة باللون البنفسجي عما يعتمل في روح الراقصات الحالمات، لعله أقرب لرقص الباليه. ومعروف لما في هذا النوع من شفافية.
أما في لوحة كيد ناعم، وهي الرابعة في مشروعية الفن والتضامن عليه، فهي لوحة العازفات، وقد اختارت لهن آلة التشيلو، التي توضع أثناء العزف بين ركبتي العازف ويستند إلى الأرض عن طريق سيخ معدني مثبت في قاعدته. وهو يشبه الكمنجة في عمقه. وقد استغرق العمق ملامح الثلاث عازفات هنا. فهل ثمة رمزية هنا في استخدام الفن كحامل رسالة توحي بالتغيير!
وأخيرا، يمكننا العودة إلى ما استثين في البداية، وهي لوحة نغم متفرد، بورتريه التأمل والقلق البادي في شبك اليدين معا كتضامن الإنسانة مع نفسها. كأنها تقرأ ما قرأنا، أو تحلم بما تريد لنفسها وللنساء والبشر. وتلك هي المسؤولية الوجودية الملتزمة لدى الفنانة جواهر السيد.
لعلنا هنا نشير سريعا إلى خبرة الفنانة في اختيار خامة الالكليريك على الكانفس، والكانسون، مزودة بخطوطها التعبيرية، التي كشفت عن شفافية المشاعر هنا من جهة، وشفافية الفنانة من جهة أخرى.
وأخير لعلنا لا نعزل التضامن هنا عن التضامن على أكثر من مستوى سياسي وثقافي ووطني وقومي وإنساني، كوننا نعيش في عالم عصف بنا وبنفسه أيضا.
جدير بالذكر أن الفنانة جواهر السيد هي خريجه بكالوريوس اداب، عملت في التعليم ثم تفرغت بعد ذلك للفن بصقل الموهبة. طورت موهبتها بمجهود شخصي، حيث دخلت حالة تحدي لنفسها، حين وجدت أن هناك مشاعر وافكار تستلزم الخطوط والأوان لا الكلمات والجمل. لقد أثبتت نفسها كفنانة ناقدة، فشاركت في عدة معارض: إتيلية جده وجمعيه الثقافة وجاليري العالمية ومعرض مشترك مع فنانين في داما ارت، كما شاركت في معارض مؤخرا في كل من بيروت وشرم الشيخ وفينا.
عن صحيفة الايام

Share this Article