عن الارتهان الأميركي لدولة الاحتلال …صادق الشافعي

2018/03/06
Updated 2018/03/06 at 9:25 صباحًا


يبدو، وكأنّ دولة الاحتلال غير واثقة من قدرة الرئيس ترامب على الاستمرار في منصبه:
لا في إمكانية إكمال دورته الرئاسية الأولى بكل ما يحصل فيها من اضطراب وإقالة واستقالة وتبديل في شخوص ومواقع طاقم الحكم في البيت الأبيض وصراعات واتهامات بينهم، ولا في إمكانية النجاح في الانتخابات لدورة رئاسية ثانية.
يترافق مع ذلك ويلازمه قناعة يقينية لديها بأنه لم تصل الى البيت الأبيض في مدى السنوات التي يمكن للذهن العادي تتبعها وقراءة مجرياتها، رئاسة على هذه الدرجة من الارتهان لدولة الاحتلال والتجاوب مع طموحاتها ورغباتها وسياساتها وممارساتها وتوجهاتها، وحتى لنزواتها. ومع هذه القناعة اليقينية، شك عميق جدا بإمكانية ان تتكرر تجربة الرئيس ترامب في رئيس قادم.
وهذا ما يلغي لديها نهائياً اي مجال للتريث والانتظار، او للمجازفة والمراهنة.
لذلك هي تتصرف بطريقة من يريد اقتناص فرصة الارتهان هذه وحلبها حتى آخر قطرة بسرعة تسابق الزمن، وقبل حصول اي تغيير.
تبدو دولة الاحتلال كمن “فلت عياره” فهي تضرب في كل الاتجاهات والمجالات الحاسمة والأساسية في صياغة شكل ومحتوى وحقائق المستقبل القريب للوضع على الأرض الفلسطينية، وبالدرجة الثانية لوضع المناطق الإقليمية المجاورة وذات الصلة. يشمل ذلك ويمتد من الاستيطان الى الاستيلاء على الأراضي الى سن التشريعات الضرورية في كل المجالات مهما كانت درجة عنصريتها الى هجومها على “الأونروا” كمدخل لإلغاء قضية اللاجئين الى تواصل القمع والاعتقال والإعدامات الميدانية المتكررة لأتفه الأسباب او بدونها أصلاً، الى.. الى آخر التفانين كانت المحاولة الجادة لفرض ضريبة البلدية (الأرنونا) على أملاك الكنائس. لكن الموقف الصلب والموحد للكنائس وقياداتها الدينية وقرارها إغلاق كنيسة القيامة في إجراء نادرا جدا جدا ما حصل في تاريخها، والتفاف كل أهل الوطن حول هذا الموقف في تعبير رائع عن مقاومة شعبية عظيمة متعددة الأشكال والوسائل تذكر بمجد التصدي وإفشال العدوان على الأقصى. هذا الموقف هو ما فرض على دولة الاحتلال تجميد قرارها وليس إلغاءه، ما يبقي الموضوع مفتوحاً والنية والتهديد مستمرين.
في كل ما تقدم ذكره وغيره، فان دولة الاحتلال تضع كل رهانها وكل اعتمادها على الرئيس الأميركي ترامب وإدارته، ولا تلقي بالاً أبداً الى كل الكلام الصحيح الذي يصدر عن معظم دول العالم وعن الهيئات والمنظمات الدولية المعنية وعن أهل فلسطين وأصحابها وهيئاتها الوطنية حول خروجها على الشرعية الدولية والقوانين الدولية وحقائق التاريخ والجغرافيا، وحول قتلها لكل فرص وإمكانيات الحل السياسي.
ودولة الاحتلال، تجد التجاوب التام والدعم المطلق والأعمى من الإدارة الأميركية القائمة، معبراً عن نفسه في قرارات شديدة العدوانية والشذوذ، وأهمها القرارات حول مدينة القدس. يغذي التجاوب الأميركي الموصوف، ان دولة الاحتلال لعبت دوراً فاعلاً في وصول الرئيس ترامب الى كرسي الرئاسة، عن طريق الدعم السخي الذي قدمه المتمولون اليهود الأميركيون لحملته الانتخابية بدفع وتشجيع منها.
الموقف الرسمي الفلسطيني يبدو على درجة عالية من التوافق مع الموقف الشعبي العارم والحازم في رفضه وإدانته وإصراره على التصدي ومواجهة هذه الحالة من التجاوب والانسجام التامين والمواقف والقرارات التي تنتج عنها وبالذات القرارات المتعلقة بالقدس ومشروع “صفقة العصر” المتوقع الإعلان عنه في الفترة القادمة.
هذا الموقف المتوافق هو ما يلعب دور المفتاح في توحيد الموقف الرسمي العربي المعلن وتوافقه مع الموقف الفلسطيني، وبما يشكل اطاراً طبيعياً داعماً وفاعلاً للحركة السياسية الفلسطينية وعلى قاعدة التمسك بالمطالب والثوابت الوطنية المعروفة والمعلنة.
وكما تحقق حركة الجماهير الفلسطينية فعلها النشط الحاسم على ارض الوطن وفي كافة مناطقه وتجمعاته وتفرض وجودها وموقفها وتأثيرها وتقدم التضحيات، فان الحركة السياسية الفلسطينية في اطارها العربي المطالبة بالحل القائم على أساس المرجعية الدولية ذات الآلية المحددة الملتزمة بقرارات الشرعية الدولية، تحقق إنجازات كثيرة ومتراكمة وتكسب مؤيدين في كل يوم وفي مختلف البلدان والتجمعات الدولية.
لكن الحركة الدولية المتجاوبة مع الحركة السياسية الفلسطينية ومع مطالبها العادلة لا تزال لم تبلور حتى الآن اي مقترح بمبادرة حل جديدة بآلية محددة تلتقي مع المطالب الفلسطينية التي تعلن، منفردة، تجاوبها معها، وغير قادرة على الفكاك من الإسار الأميركي.
الغريب انه في هذه الأوضاع والظروف فان دينامكية المصالحة الوطنية الفلسطينية تشهد تراجعا متزايدا ومتسارعا لا تنفع في وقفه الضرورات الوطنية والنضالية الملحّة ولا المناشدات ولا الوساطة المخلصة للأخوة المصرين.
إعلان الأخ احمد بحر القيادي في حماس باسم أعضاء المجلس التشريعي في قطاع غزة يعيد مساعي المصالحة الى المربع الأول.
ويبدو ان مفاعيل انقلاب الانقسام وتجذر دينامياتها وحقائقها على امتداد أكثر من عشر سنوات، وشبكة المصالح التنظيمية والشخصية التي بناها الانقلاب والروابط فوق الوطنية التي حافظ عليها والعلاقات الإقليمية التي نسجها، كلها كانت أعمق وأقوى من كل النوايا الطيبة وأقوى من المراهنة على متغيرات واقعية حصلت كان الافتراض ان تفعل فعلها لصالح إنهائه.

Share this Article