سوريا قبل فلسطين!! بقلم: الدكتور ناجي صادق شراب

2018/06/12
Updated 2018/06/12 at 9:18 صباحًا

لم تعد القضية الفلسطينية لها نفس الحضور العربي والدولي الذي كانت عليه عند نشأتها، وليس القصد ان القضية الفلسطينية ليست قضية عربية، ولها ابعادها ومحدداتها الدولية، لكن المقصود بذلك أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية التي تحدد أولويات الدول العربية أو دولياً، وهذا هو جوهر التراجع.
قضية قائمة وموجودة والكل يعترف بها، لكنها لم تعد القضية التي تصيغ سياسات الدول المعنية، وهذا يعني تقزيم القضية الفلسطينية وإختزالها في مكونها الفلسطيني والاسرائيلي فقط، فبدأ ينظر اليها على أنها نزاع ثنائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والسؤال لماذا هذا التراجع؟ من منظور المنهاج البنائي الوظيفي الأسباب كثيرة، تتعلق كلها بالمتغيرات والتبدلات التي حثت لمكونات ومحددات القضية، والعلاقة بين هذه المحددات.
وهنا لدينا متغيران: الفلسطيني والاسرائيلي، والتحولات والتغيرات التي حدثت عملت لصالح المتغير الاسرائيلي في عملية إدارة وحل الصراع. ولعل أهم هذه المتغيرات أو التحولات على المستوى العربي، وخصوصاً بعد ثورة التحولات التي شهدتها اكثر من دولة عربية، بعضها نجح في احتواء تداعياتها السلبية كمصر وتونس، أما اكثر الدول العربية التي تأثرت بها فهي سوريا، ولم تعد الأزمة السورية أزمة داخلية بل انعكست وستنعكس تداعياتها بشكل كبير ليس فقط على مستقبل القضية الفلسطينية، بل على مستقبل الخارطة السياسية للمنطقة.
ثورة التحولات العربية أدت الى تراجع واضح في القضية الفلسطينية ولتحل محلها أولاً القضايا العربية الداخلية/ وهذا أمر منطقي، فلا يمكن ربط التطورات السياسية العربية الداخلية بالقضية، فالدول العربية تواجه مخاطر تهدد أمنها وبقائها بسبب بروز تهديدات لم تكن قائمة، مثل التهديدات التي تشكلها الحركات الإسلامية المتشددة كداعش والقاعدة، وبروز خطر حركة الأخوان، وعلى جانب هذه الحركات بروز تهديدات الدول الإقليمية الصاعدة والتي بدأت تتغلغل في قلب المنطقة ، مستغلة حالة الضعف العربي العامة.
هذه التحولات كان من الطبيعي أن تلقي بظلالها على القضية الفلسطينية، وأخطر ما فيها التحولات في التصورات والمدركات لمصادر الخطر الخارجي، ولعل القضية الفلسطينية كانت الخاسر الأكبر من هذه الثورات والتحولات، ومما زاد الأمور تعقيداً وتراجعاً في أولويات القضية الفلسطينية التحولات التي لحقت بالنظام الدولي، وبنمط توزيع القوة، ولا يمكن التغاضي عن هذه التحولات في قضية تلعب المتغيرات الدولية المتغير الرئيس في التحكم بتفاعلاتها.
ولمزيد من التوضيح المتغيرات التي تحكم القضية: المتغيرات الداخلية فلسطينياً واسرائيليا وهما متغيران مرتبطان بالعلاقة بالمتغير الدولي، المتغير الإقليمي تراجع واضح لصالح تأثير المتغير الدولي، لذلك المتغير الدولي يتحكم في مسيرة القضية ومستقبلها الآن.
ومنذ نشوء القضية الفلسطينية والمتغير الدولي بكل تناقضاته يعمل لصالح المتغير الاسرائيلي، وصولاً للمرحلة الحالية التي نرى فيها تراجعاً لدور القوى الرئيسة كروسيا وبروز دور المتغير الاميركي، وخصوصاً في عهد ادارة الرئىس ترامب التي عملت على احداث تغيرات غير متوقعة في موقف الادارة الاميركية من القضية الفلسطينية اولاً.
ورأينا ان القضية لم تعد أولوية كبرى بجانب اهتمامات الادارة الاميركية في القضايا الأخرى كالملف النووي الايراني، والتطورات السياسية في سوريا، وما يتعلق بقضايا الارهاب ولقد نجحت هذه الادارة على حساب القضية الفلسطينية باستغلال التراجع في المنظومة العربية، وانشغالها بقضاياها الداخلية لتحاول لتمرير ما يسمى بالسلام الأقليمي بين اسرائيل والدول العربية والتحول هنا واضح، فقديماً كانت القضية الفلسطينية هي المدخل للعلاقات مع الدول العربية، اليوم إنقلبت القاعدة ليصبح المنهاج الإقليمي هو المدخل لتسوية القضية الفلسطينية.
ولم يقتصر الموقف على موقف الإدارة الأميركية، فروسيا الصاعدة لتعويض دورها العالمي في عهد ادارة الرئيس بوتين وهي الحليف التقليدي الداعم للقضية الفلسطينية باتت لها أولوياتها العالمية والإقليمية /فإنغماسها بقضايا المنطقة كما في سوريا وتواجدها المباشر الذي تريد ان تحافظ عليه وبناء علاقات جديدة مع الدول العربية، وعلاقاتها التحالفية مع اسرائيل.
هذا التحول ايضاً إنعكس سلباً على مستقبل القضية الفلسطينية ودورها لن يتجاوز الدول الأميركي.
هذه التحولات في بينية وتوازنات القوة الإقليمية والدولية والمتحكمة في القضية الفلسطينية بإعتبارها قضية إقليمية ودولية في محدداتها أكثر من كونها قضية بين طرفي الصراع الرئيسيين الفلسطيني والاسرائيلي، تفسر لنا التراجع في القضية والتخوف أن يفرض هذا التراجع نفسه على فرض تسوية سياسية لا تعمل لصالح الفلسطينيين.
وعليه، فان هذه التحولات السلبية تحتاج لإعادة العلاقة بين المتغيرات المتحكمة في القضية لإحتواء الضغوطات من المتغيرات الأخرى بقدر الحفاظ على القضية الفلسطينية كقضية لها أولوياتها الدولية.

Share this Article