قانون أساس القومية اليهودي.. بقلم : د. محمد جبريني

2018/07/26
Updated 2018/07/26 at 8:29 صباحًا


في ضوء سن قانون أساس القومية من قبل الكنيست الإسرائيلي، والذي اعتبر الشعب اليهودي وحده صاحب السيادة في إسرائيل، وأكد على التفوق العرقي لليهود كأفراد وشعب في كل المجالات، وشرعن التمييز ضد العرب في مجالات المواطنة، والممتلكات والأرض، واللغة والثقافة، وسّوغ دونيتهم في كل مجالات الحياة كمقدمة لإقصائهم من المشهد السياسي نورد مقتطفات تتناول أساس وجذر الموضوع، وذلك تحت عنوان إسرائيل وسياسة إنكار وجود الشعب الفلسطيني.
هناك الكثير من التساؤلات المطروحة بشأن سياسة الحركة الصهيونية، إزاء التعامل مع الشعب الفلسطيني. حيث حاولت منذ بدايات الصراع، إنكار وجوده، وفسخ روابطه التاريخية بوطنه، والتعامل معه كمجموعات سكانية لا ترقى لمستوى الشعوب، وتنكرت لحقوقه السياسية، واعتبرته لاحقاً تهديداً وجودياً لجوهر الفكرة الصهيونية. وقد ارتكزت استراتيجية الحركة الصهيونية سابقاً، وقادة إسرائيل بعد ذلك، في إنكار وجود الشعب الفلسطيني، والتنكر لحقوقه المقررة في القانون الدولي، إلى إثبات الأحقية التاريخية، وإثبات الحق الديني الحصري لليهود كشعب الله المختار الذي اصطفى له وورثه دون سواه أرض الميعاد، وحُرم عليه التفريط بأي جزء منها للأغيار.
الأحقية التاريخية والدينية لليهود في فلسطين: استغلت الحركة الصهيونية الروابط التاريخية والدينية القديمة لليهود في فلسطين، في محاولة منها لتحقيق هدفها السياسي المتمثل بإنشاء دولة يهودية في “أرض الميعاد”، وحتى تتمكن من مجابهة الوجود الفلسطيني المعيق لتحقيق هذا الهدف، عمدت الحركة الصهيونية إلى نفي أحقية الفلسطينيين «الأغيار» بتأسيس دولة لهم على تلك الأرض.
واجهت الحركة الصهيونية، في سعيها إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين مشكلة الوجود الفلسطيني. وبهدف الالتفاف على هذه المشكلة، روجت لفكرة “الأرض الخالية”. ليس بمعنى أنها خالية من السكان، وإنما بمعنى أن سكانها من العرب لا يمتلكون أية روابط تاريخية أو قومية، تربطهم بالأرض التي يعيشون عليها، الأمر الذي يجعل من السهل رحيلهم، أو ترحيلهم عنها إذا استدعت الضرورة ذلك. وقد عبرت مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، التي تبناها قادة الحركة الصهيونية منذ عام 1897، عن سياسة الإنكار تلك، وأعلن القائد الصهيوني يسرائيل زانجويل مبكراً عن موقفه بشأن ترحيل الفلسطينيين، كما فعل أجداده،لأن ذلك يشكل شرطاً مسبقاً لتأسيس الدولة اليهودية.
ودعا قادة الحركة الصهيونية إلى انتهاج سياسة القوة لاعتقادهم أن القوة وحدها هي اللغة الوحيدة التي يفهمها العرب لإجبارهم على الرحيل من وطنهم، وأخذوا يعتمدون عليها لتحقيق أهدافهم الاستيطانية. وقد عبَّر “مناحيم أوسيشكين” أحد قادة الاستيطان اليهودي في فلسطين،عن فكرة نفي الوجود الفلسطيني من خلال تشتيته بقوله: من المحتَّم بالدرجة الأُولَى، أن تكون جميع أراضي فلسطين أو معظمها مُلْكاً لشعب إسرائيل، وبدون حق ملكية الأراضي لا تكون فلسطين يهودية أبداً، وجاء على لسان فلاديمير جابوتنسكي أيضاً: “إن العرب يستطيعون التنازل عن فلسطين وشرق الأردن، وتكفيهم الأراضي الأخرى الشاسعة التي يقطنونها، وخصوصاً أن عدد سكانها قليل للغاية بالنسبة لمساحتها. وأكد على وجوب ترحيل العرب بالقوة؛ لأن ترحيلهم-بحسب رأيه-شرط أساسي لتحقيق الصهيونية. فاقترح في رسالة بعث بها إلى السيناتور الأميركي “غراسنبيرغ” قائلاً إن تأسيس أكثرية يهودية في فلسطين يجب أن يتم عنوة عن إرادة الأكثرية العربية الموجودة في البلاد. وسيرعى عملية إنجاز هذه الأكثرية جداراً حديدياً من القوة اليهودية المسلحة لتحرير فلسطين.
وقد تمسك قادة إسرائيل باستراتيجية الإنكار تلك، وفي أحسن الأحوال كانوا ينظرون إلى الشعب الفلسطيني باعتباره جماعات ذات هويات قومية وسياسية مختلفة، أو أفراداً بلا هوية جماعية موزعين في مجموعات متفرقة، وليسوا شعباً ذا حق في تقرير المصير. وليس أدل على ذلك من المقولة الشهيرة لـرئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة “جولدا مائير”: “لم يكن هنالك شيء يُسمى بالفلسطينيين. لم يكن هنالك شعب يُسمي نفسه بالشعب الفلسطيني وقمنا نحن بسلب وطنهم منهم. في الحقيقة لم يكن للفلسطينيين أي وجود”. كما نفى بنيامين نتنياهو في كتابه “مكان بين الأمم”، ادعاء العرب بأن اليهود احتلوا “أرض إسرائيل”، من أيدي شعب عربي عاش عليها مئات السنين، وكان صاحبها الشرعي.
وقال أنه منذ إلغاء الدولة اليهودية في العهد القديم وحتى بداية حكم البريطانيين، لم تكن للمنطقة المعروفة باسم فلسطين أية حدود باستثناء الحدود الإدارية. وكانت جزءاً إدارياً من ضمن كيان أكبر، ولم تكن دولة فلسطين العربية قائمة أبداً، حتى أن اسم فلسطين نفسه لم يكن مستعملاً بين العرب، وأن البريطانيين هم الذين أحيوه، ومنهم صادره العرب لأنفسهم، في القرن الحالي، وأكد نتنياهو بأنه لم يكن هناك شعب فلسطيني ذو وعي قومي أو هوية قومية، أو حتى مصالح قومية مشتركة، ومثلما لم تكن هناك دولة فلسطينية، لم يكن هناك شعب فلسطيني، أو ثقافة فلسطينية.
ومن جانب آخر، يُنكر العديد من المستشرقين الإسرائيليين زعم الفلسطينيين بأنهم سكنوا البلاد منذ آلاف السنين، وبأنهم سبقوا اليهود الذين جاؤوا إليها محتلين.على اعتبار أنهم (الفلسطينيون) نسل الكنعانيين، أو اليبوسيين، أو الفلسطينيين القدماء؛وأنهم أبناء هذه الأرض الأصليون التي اُحتلت آنذاك كما اُحتلت اليوم على أيدي اليهود. كما ويُنكر أولئك المستشرقون محاولة الفلسطينيين اختلاق تاريخ جديد إلى جانب محو التاريخ اليهودي وتزويره إلى حد التناقض المنطقي أحياناً؛ ليصبح الكنعانيّون الذين ذُكِروا في الكتاب المقدس عرباً فجأة.
يُعرِف الباحث رافي يسرائيلي المختص في دراسات الإسلام، الصلة التي يصطنعها الفلسطينيون بالكنعانيين المذكورين في الكتاب المقدس بأنها متناقضة منطقياً: “إن أصل العرب القديم الذين جاءوا إلى البلاد هو شبه الجزيرة العربية، فمن هناك جاء أوائلهم، وهم الآن يقفون على رؤوسهم، فبدل أن يقولوا إنهم عرب هاجروا إلى أرض كنعان وحولوها أرض مسلمة، يجعلون أنفسهم أبناء كنعان”. وينفي “يسرائيلي” وجود أية جذور للفلسطينيين في هذه البلاد، ويُدلل على ذلك بقوله: “توجد حتى في أسماء العائلات العربية آثار سافرة تُبين هجرتهم إلى هنا، ففي أم الفحم توجد أربع عائلات كبيرة أصلها من مصر. وكان في البلدة القديمة في القدس “حي المغاربة” للمسلمين الذين جاءوا من شمال إفريقيا ومن المغرب واستوطنوا (أرض إسرائيل). هذا إلى جانب أن الدولة العثمانية نقلت مجموعات من السكان من مكان إلى مكان كي تُحْسِن سيطرتها عليها. فقد جاءت إلى هنا بالشركس وهم مسلمون من القوقاز وأُسكنوا في هذه البلاد”.
واستخدم المستشرق”نسيم دانه” المتخصص بالصراع الديني بين اليهود والفلسطينيين، بعض نصوص القرآن الكريم لإثبات صلة اليهود بفلسطين وبأن الله عز وجل ورّثها لهم دون سواهم، فيقول: توجد عشرة مواضع في القرآن تقول إن الله أورث شعب إسرائيل هذه البلاد. وقد أُكد فيها جميعًا تقريباً ذلك الحق بل الواجب المفروض على بني إسرائيل أن يرثوها. وفي مقابل ذلك لا يوجد أي ذكر في القرآن يورث المسلمين أو العرب أو الفلسطينيين البلاد أو أية أمة أخرى ليست شعب إسرائيل. وإلى ذلك فإن الزعم الحالي وهو أن الشعوب التي احتل شعب إسرائيل الأرض منهم وهم الكنعانيون واليبوسيون والعمالقة كانوا شعوباً عربية – لا يتساوق مع حقيقة أن بني إسرائيل بحسب الإسلام نفسه قد أمرهم الله باحتلال هذه الأرض من تلك الشعوب بعد أن دنسوها بعبادة الأوثان.
إن نظَر “دانه” في القرآن الكريم من جديد، جعله يستنتج أنه لا يوجد أساس لتعريف الفلسطينيين أنفسهم اليوم بأنهم كنعانيون. لأن أصل المسلمين الذين يعيشون هنا اليوم والذين تحول أجدادهم ليصبحوا مسلمين، هو في شبه الجزيرة العربية، وأن زعمهم أنهم من نسل الكنعانيين مرده هدفاً ذاتياً، لأن الله كما ورد في القرآن الكريم أمر بطرد الكنعانيين من البلاد بعد أن دنسوها.
يقول الباحث “شاؤول بارتال” من قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة “بار ايلان”بأن موجات الهجرة التي جاءت من شبه الجزيرة العربية، وبعد ذلك من شرقي الأردن وسوريا أيضاً، هي التي أدت إلى استيطان العرب في هذه البلاد؛ حتى في رام الله التي هي العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية، فيرجع جذور سكانها العرب إلى عائلات هاجرت إلى هناك من الأردن في نهاية القرن الخامس عشر.
أما “جون بيترز”، مؤلفة كتاب “منذ الأزل”، فقد وجدت:”أن الوضع ليس على الخصوص، وضعاً دُفع فيه أو أُبعد عن أرضه شعباً عربياً كثيفاً كان موجوداً منذ الأزل، بل الوضع عكس ذلك تماماً، وهو أن الوجود اليهودي اجتذب إليه مهاجرين عرباً، وأن أرض اليهود التي كانت مخصصة لتكون وطناً لهم سُلبت منهم مع وصول مهاجرين عرب”.وتُرجع “بيترز” الفضل في وجود العرب في هذه البلاد، إلى الاستيطان اليهودي الذي طور الإمكانات الاقتصادية، ومستوى الصحة والطب فيها. وهكذا نشأ وضع أصبح معه عدد عرب فلسطين الانتدابية عام 1948، نحواً من 1.3 مليون إنسان، في حين كان عدد أفراد الاستيطان اليهودي 600 ألف إنسان فقط برغم أمواج هجرة كثيرة جاءت إلى البلاد.
واستشهدت “بيترز” بقول “فرنكلين روزفلت” رئيس الولايات المتحدة عام 1939، بأن هجرة العرب إلى فلسطين منذ عام 1921، فاقت بقدر كبير هجرة اليهود في تلك الفترة. وكذلك تطرقت لما قاله “ونستون تشرتشل” عام 1939، بشأن الهجرة العربية الجماعية إلى “أرض إسرائيل” في تلك الفترة. حيث تدفقوا جموعاً إلى البلاد وتكاثروا فيها، وفاقوا كل ما كان يستطيع يهود العالم أن يزيدوا السكان اليهود به.وتخلص “بيترز” اعتماداً على نتائج دراستها إلى أنه:”وُجد مع الشعوب التي عُدت عربية فلسطينية من أبناء هذا المكان، شعوب أخرى كاليونانيين، والسوريين، واللاتين، والمصريين، والأتراك، والأرمن، والإيطاليين، والفرس، والأكراد، والألمان، والأفغان،والشركس، والبوسنيين، والسودانيين، والجزائريين، والتتر أيضاً”، مما لا يُعطِي الحق للفلسطينيين بالادعاء أنهم أصحاب هذه البلاد.
مجموعات سكانية لا ترتقِي لمستوى الشعوب: انطلاقاً من سعي الحركة الصهيونية لإنشاء دولة يهودية مستقلة ومنفصلة عن بيئة المشرق العربي، وإلى جانب تركيزها على نفي وجود شعب فلسطيني قائم بذاته وبالتالي عدم جدارته بدولة خاصة به، فقد اتَبَعت استراتيجية ترمي إلى تشويه صورة الفلسطينيين، ووصمهم بأحكام مسبقة لتبرير كراهيتهم، وإثبات عدم ارتقائهم لمستوى الشعوب المتحضرة؛ وبالتالي عدم أهليتهم للتمتع بحقوق سياسية. وقد أسهم ذلك في تشكيل اتجاهات اليهود نحو الفلسطينيين العرب، لا بل اتجاهات غير اليهود في أنحاء العالم والتي كانت في غالبيتها العظمى اتجاهات سلبية.
وقد رسم الأدب العبري الحديث صورة العربي ما قبل عام 1948، انطلاقاً من ثلاثة اتجاهات: اعتبر الاتجاه الأول أن فلسطين أرض خالية من السكان، ولذا فإن المستوطنين اليهود على استعداد لاستيطانها وتعميرها. وقد اعترف الاتجاه الثاني بأن هناك سكاناً يعيشون في فلسطين، ولكنهم يتصفون بالهمجية، والوحشية، ويقطنون الصحراء.أما الاتجاه الأخير فقد افترض أن العرب سيصبحون أقلية في فلسطين لأنها “أرض يهودية”، ولا تعني لأي شعب أيا كان ما تعنيه للشعب اليهودي الذي سيعود إليها حتماً.
وقد بنت الحركة الصهيونية سياساتها الاستيطانية في ذلك الوقت استناداً إلى تلك الأفكار، وجندت في سبيل تنفيذها كل ما توافر لديها من أدوات سياسية وإعلامية وأدبية وتربوية.
وغالباً ما صورت القصص العبرية العلاقة بين “اليهودي” والعربي على نحو يُظهر “اليهودي” مظلوما ومعتدى عليه في حين أن العربي ظالم ومعتدٍ، يمد “اليهودي” كلتا يديه إلى العربي عارضاً السلام والعربي يرفض السلام، ويلجأ العربي إلى السلاح ويستغل ضعف الإنسان ويحترم القوة، وإذا احترم العربي إنساناً فإنه لا يحترمه إلا عن خوف، وبكلمات أخرى، فإن العربي لا يفهم إلا لغة القوة فقط.
وقد ذكر”جرشونشيكيد” المختص في الأدب العبري: “هناك أدباء عبريّون صوروا العربي بصورة نمطية، كساكن صحراء، راعي جِمال تستولي عليه دائماً غريزة الثأر والانتقام، والشعور بالأصالة، وحبا لأُبّهة والاعتزاز والشهرة”.
الأحقية الدينية: استندت الأيديولوجية الصهيونية في إثبات أحقية اليهود دون سواهم في فلسطين، إلى ما ورد في نصوص العهد القديم؛ ومنها: “وأعطيك أرض غربتك لك ولنسلك من بعدك جميع أرض كنعان ملكاً مؤبداً ويكون لهم إله”، وفي نص آخر: “في ذلك اليوم قطع الرب مع أبراهام ميثاقاً، لنسلك أُعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات”.
وباعتبار أن التوراة هي نبراس الديانة اليهودية ودستورها الأسمى، فمن الطبيعي أن يتأثر معتنقو هذه الديانة في سلوكهم لتحديد أُطر علاقاتهم مع بعضهم البعض ومع غيرهم، بما وجدوه مُدوناً في كتابهم المقدس بأنهم “شعب الله المختار”. الأمر الذي شرع لهم كراهية العرب، وبرر تطبيق شرائعهم الدينية رغم ما قد يترتب عليها من انتهاكات.
تشريع كراهية العرب: دأب رواد الفكر الديني اليهودي، وحاخامات إسرائيل على اختلاف أصولهم الطائفية وتنوع مذاهبهم الفقهية، على نفي أي حق للعرب في فلسطين، والتحريض ضدهم، وإذكاء نار الحقد والكراهية تجاههم. وتمثل تصريحات الحاخام اليهودي الشرقي “عوفاديا يوسف” التي أدلى بها في نيسان عام 2001، ووصف فيها العرب بأنهم “أولاد أفاعي”، وأن الله ندم لأنه خلقهم وبالتالي من الواجب قتلهم، نموذجاً من كم هائل من الأدبيات التي رددها رواد الفكر اليهودي الأوائل، ومن بعدهم الكثير من المسؤولين والمثقفين والأدباء اليهود، مستندين في ادعاءاتهم تلك على التوراة والتلمود وسائر النصوص التراثية والدينية التي تشكل العمود الفقري في مناهج الدراسة والتعليم والثقافة اليهودية، ومن أشهر تلك المقولات “العربي الجيد هو العربي الميت”.
يقول “موشيه منوحن”: “علمونا في المدرسة الدينية أن نكره العرب وأن نحتقرهم، وعلمونا كذلك أن نطردهم بقوة السلاح إن تطلب الأمر ذلك، على اعتبار أن فلسطين هي بلادنا لا بلادهم”.أما زئيف جابوتنسكي فيرى أن التربية الصحيحة ليست تعليم القراءة والكتابة، ولكنها التدرب على إطلاق الرصاص والقتل. وقد جمَّلَ”بن غوريون” صورة قتل العرب حين قال:”القتل هو الوسيلة المثلى لتحرير الطاقة الكامنة لدى الجندي، وممارسة القتل هي الشكل الوحيد المقبول للتسامي بالغرائز المكبوتة”،وهذا قريب مما قاله “موشيه ديان”: “قتل العرب هو قدر جيلنا”، فيما قال “مناحيم بيغن”:”من الدموع والنار والدماء والرماد خُلق صنف جديد من البشر لم يعرفه العالم منذ أكثر من 1800 سنة وهو اليهودي المحارب”.
أماالأدباء والكتّاب العبريون فلا يختلفون كثيراً في كتاباتهم ونتاجاتهم الأدبية عنكتابات وشروحات رواد الفكر اليهودي ومن ثم قادة إسرائيل على مرِّ السنين فيما يتعلق بنظرتهم إلى العرب.
يحظر على اليهود بموجب أحكام التوراة تسليم أي جزء من “أرض إسرائيل” إلى “الأغيار”، وجزاء من يفعل ذلك الموت، وهذا ما أكده “إيغال عامير”، الذي اغتال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق “إسحق رابين”، أثناء التحقيق معه في جهاز الأمن العام الإسرائيلي، حيث قال: “إن حكم المطارد، وحكم المُسَلِّم الذي يسلم يهودياً أو (أرض إسرائيل) للأجنبي هو تشريع إلهي، وحينما تكون هناك شريعة إلهية، لا يوجد ما يسمى بالمشكلة الأخلاقية، ولو أنني كنت أقوم باحتلال البلاد في العهد القديم، لقتلت أطفالاً وأولاداً مثلما هو وارد في (سفر يشوع)، كنت سأفعل ذلك دون أن أشعر بأي وزرٍ أخلاقي، رغم أن قتل الأطفال والأولاد يبدو وزراً أخلاقياً لأول وهلة، ولأن الأمر يتعلق بالشرائع، فلا أشعر بأي تأنيب ضمير أخلاقي”.
كما أن المجزرة التي نفذها الطبيب “باروخ غولدشتاين” في الخامس والعشرين من شباط عام 1994، في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل، هدفت للوصول إلى نفس الهدف الذي سعى إليه “إيغال عمير”، باغتياله “رابين”، وهو: تدمير مسيرة السلام التي قد تفضي إلى تسليم أجزاء من “أرض الميعاد” للفلسطينيين، وذلك امتثالاً لأحكام التوراة من وجهة نظر غُلاة التطرف الديني اليهودي.
ولم يَنْجُ “آرائيل شارون” نفسه من الذم والتحقير، والتحريض على قتله، بعد أن أعلن عن نيته إخلاء قطاع غزة، حيث استخدم اليمين المتطرف “سلاح الدين” لإحباط خطة الفصل أُحادي الجانب، ففي 29 حزيران عام 2004، ألقى الحاخام “أفيغدور نبنزال” خطاباً في القدس الشرقية ضد “شارون” لفظ فيه مصطلح “دين روديف” وتعني: حكم المطارد. وهو ذات اللفظ الذي استخدم قبل ذلك ضد “رابين”، ويعني هذا التعبير مشروعية ملاحقة ومطاردة وقتل كل من يتنازل عن جزء من “أرض إسرائيل” لغير اليهود.
وفي 16 أيلول عام 2004، قال الحاخام “يوسف ديان” من مستوطنة “بساغوت”: أنه مستعد لإصدار فتوى بقتل “شارون” كما فعل في حينه مع “رابين”(كان قد أصدر فتوى “طُقس الضرب بسياط من نار”، أو “بولسادينورا ” بلغة التوراة؛ وتعتبر هذه الفتوى عقاباً لكل من يحاول أن يخطو خطوات تتعارض مع النظام الكوني وفق مفاهيم الديانة اليهودية، وموافقة حاخام على إجراء طُقس كهذا لشخص ما، تعني إهداراً لدم ذلك الشخص).
وفي 9 كانون ثاني عام 2005، وصف الحاخام “مردخاي إلياهو” قرار الحكومة الإسرائيلية بالانفصال عن قطاع غزة، بأنه فضيحة وعار بحسب التوراة، واعتبر تنظيم خطة الإخلاء أمراً محظوراً؛ وذلك “لأن (أرض إسرائيل) عطية من الله، ولأنها ستحضر القتلة وتُعرض سكان الدولة للخطر”. ودعا كل يهودي لتقديم العون بجسده وماله وروحه ضد الإخلاء.

Share this Article