كأنها العنقاء تأبى أن تصاد بقلم :صادق الشافعي

2018/09/08
Updated 2018/09/08 at 8:08 صباحًا

وكأن المصالحة كالعنقاء تأبى التحقق والنوال.
تقلصت كل مشاريع التهدئة ومقترحاتها الى مجرد وقف للأعمال العسكرية، وفتح للمعابر، مع ذلك لم تتقدم المصالحة خطوة واحدة، ولم تنشط اللقاءات والاجتماعات لتحريكها، بل زاد الانقسام تعقيداً وتعمقاً.
ان معالجة قضية الانقسام بالطريقة التي ظلت متبعة طوال السنوات الماضية لم تعد مجدية، وتقلصت قيمة الاتفاقات السابقة الى مجرد مبادئ عامة هادية.
لقد تدفقت مياه كثيرة تحت الجسر على شكل متغيرات وعوامل، ذاتية بالدرجة الأولى، وحقائق امر واقع لم يعد بالإمكان القفز فوقها.
لم يعد مبدأ او شرط «تمكين حكومة الوفاق»، في مقابل مبدأ او شرط «الشراكة التامة على كافة المستويات»، يصلحان لحل مشكلة الانقسام.
فمنذ اليوم الأول للانقلاب الذي قامت به حركة حماس وبدأ به الانقسام، وهو لم يكن رداً على تجاوزات وتمردات على حكومتها الشرعية من بعض الاطراف كما ادعت الحركة، ولكنه حصل بقرار وتخطيط (وغالباً بدعم وتشجيع جهات غير فلسطينية).
منذ ذلك اليوم، فرضت حماس بحكمها المنفرد والمطلق على غزة، حقائق امر واقع كثيرة تبدأ بالسياسة والحكم المنفرد، وتمتد الى القوات والسلاح والامن وكافة اجهزة الحكم الأخرى، وصولاً الى القضاء والتشريع، والى علاقات وتحالفات( وتأمين التمويل) مع قوى ودول عربية وإقليمية. فأسست بكل ذلك حقيقة سياسية واقعية مختلفة.
ولم تعد حماس بعدها مجرد تنظيم بين عدة تنظيمات مهما تميزت بالحجم وبالفاعلية، ولا عاد ممكناً التعامل معها بهذا الشكل.
حالم من يتوهم ان حماس يمكن ان تتخلى عن كل ذلك، وان تقبل حقيقة وفعلاً «تمكين» اي حكومة لتحكم وتسيطر وتقود بمعزل عن نفوذها وتحكّمها ومصالحها.
«حماس» لا يمكن ان تتنازل عن مطلب الاحتفاظ لنفسها بموقع ودور متميزين في اي اتفاق يحصل ان لجهة العدد او لجهة المواقع وحصتها في القرار. ولا يمكن ان تتخلى عن ضمان استمرار وجود مقومات قوتها الخاصة، وعن انفرادها بالتحكم فيها والسيطرة عليها.
وحالم بالمقابل، من يتصور وجود إمكانية حقيقية للتوصل بالتفاهم والرضا وعبر الحوار وبمساعدة وساطات الخير الى اتفاق يقوم على برنامج جامع للنضال الوطني الفلسطيني بكافة أهدافه وأشكاله وأدواته، ويؤمّن «المشاركة التامة على كل المستويات» في منظمة التحرير والسلطة الوطنية وفي كافة مؤسساتها وأجهزتها وحكومتها و… وان يتم احترام هذا الاتفاق واستمرار التقيد به وتطبيقه، إذن:
– لماذا لا يسعى اي طرف لتحقيق رؤيته وفرض دوره مهما كان حجمه بالطريقة الشرعية والديموقراطية الصحيحة.
– لماذا لا يكون ذلك بذهاب الجميع الى الانتخابات العامة حيث تعطي جماهير الناخبين كل ذي حق حقه حسب حجمه ونضاله وتاريخه و.. وأيضاً حسب قوة حضوره وفعله.
– لماذا لا يقبل الجميع بان تكون الانتخابات بقانون التمثيل النسبي الكامل وان تكون نسبة الحسم فيها أدنى ما يمكن حتى تعطى الفرصة لمشاركة الكل تقريبا.
– لماذا لا يتم توفير اكبر الفرص والتشجيع وفتح أوسع الأبواب للمجتمع المدني الفلسطيني بمستقليه وهيئاته المحلية والمجتمعية والنقابية للمشاركة الواسعة في هذه الانتخابات.
– ثم لماذا لا يطلب من الدول العربية وجامعتها- وفي المقدمة منها مصر- ان يكون تدخلها مركزاً باتجاه اجراء هذه الانتخابات وضمان نزاهتها وديموقراطيتها وتقديم الدعم اللازم لإجرائها والإشراف عليها- حتى لو بمشاركة جهات دولية او إقليمية.
وان تتدخل بالضغط على اي طرف يرفض الانتخابات او يعرقل اجراءها، وصولاً الى التدخل بالطرق المناسبة مع من يرفض القبول بنتائجها او الخروج عليها.
نحن قادرون على الذهاب الى الانتخابات العامة فعلاً، ولدينا هيئة عليا للانتخابات تتمتع بالكفاءة والخبرة والثقة، وجاهزة للعمل.
اذا ما ذهبنا الى الانتخابات بهذه الطريقة فلتحكم نتائجها ولتفرض حقائقها وقوانينها على كل المشهد بأي شكل كان: انفراد، او ائتلاف جزئي او كلي او معارضة او..او…
المهم ان يكون الشكل محكوماً الى وحدة النضال الوطني ووحدة أهدافه وأدواته وادائه، وملتزما بالنظام الأساسي الفلسطيني، وبقواعد حرية الرأي والتعبير، وبالسلمية.
لم يخل اي اتفاق سابق من فقرة عن الانتخابات العامة، لكن التعاطي معها باتجاه تطبيقها لم يكن جاداً، بل ظل الاتجاه نحو قاعدة «التوافق» هو الطاغي.
ان الدعوة الى «عقد الاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الذي يتم فيه اتخاذ كافة القرارات المصيرية التي تخص الشعب الفلسطيني» كما يطالب البعض الآن، هو هروب من الانتخابات واستحقاقاتها باتجاه التوافق، خصوصاً وان الاطار المذكور مؤقت، وليس له وجود في ميثاق ونظم منظمة التحرير وهيئاتها.
«التوافق»، ينسجم مع قناعات البعض الفكرية غير المؤمنة حقيقة بالانتخابات ودوريتها.
ويبقى هناك شك وخشية حقيقيتان، الّا تدعو هذه القوى الى إجراء انتخابات عامة مرة أخرى اذا ما قدّر لها ان تحقق في هذه الانتخابات، اذا حصلت، أغلبية تمكنها من التحكم بالقرار.
و»التوافق» يضمن من جهة اخرى استمرار وجود بعض آخر في الهيئات القيادية دون امتلاك مقومات هذا الوجود بالذات لعدم توفر قاعدة جماهيرية تفرضه.
الانتخابات العامة ليست الوصفة السحرية مطلقة القدرة ولا كلية الضمانة، لكنها تبقى المخرج والطريق الأكثر ديموقراطية وجماهيرية، وليس أمامنا من مخرج افضل من الذهاب اليها.
الخطوة الأولى المطلوبة، تشكيل حكومة توافق وطني بأغلبية من الكفاءات الوطنية المجربة والخبيرة.
مدة هذه الحكومة ستة اشهر، ولها مهمتان أساسيتان للإنجاز:
معالجة بعض القضايا الوطنية الضاغطة، في المجال المعاشي والاجتماعي بالذات. والإعداد السريع لانتخابات عامة يعلن عن موعدها مبكراً جداً.

Share this Article