حروب المياه في العالم العربي بقلم: الدكتورة ليلى تكلا

2018/09/26
Updated 2018/09/26 at 8:14 صباحًا


التحديات التي يواجهها العالم العربي متعددة من أهمها الصراع القائم والمتوقع أن تتزايد حول المياه ومصادرها نشير إلى بعضها بإيجاز.
أولاً: نهر الأردن: نهر صغير يشكل الحدود بين فلسطين والأردن، ويمتد على طول 360 كلم ينبع من الحاصباني في لبنان واللدان وبانياس في سوريا. يخترق سهل الحولة ليصب في بحيرة طبرية ثم يجتاز الغور، وتنضم إليه روافد اليرموك والزرقاء وجالود ويصب في البحر الميت. يبلغ إيراده السنوي 1.3 مليار م3 سنويا وهو أكثر أنهار المنطقة إثارة للجدل والنزاع تحتاج لمياهه الدول المشاركة فيه كالأردن وسوريا وفلسطين ولبنان وإسرائيل. وكلها تعاني من نقص المياه. بلغ العجز المائي في الأردن 20% من اجمالي احتياجاته المائية. سوريا تعاني عجزا مائيا بنحو مليار م3 يزداد بسبب المأساة الإنسانية التي تعيشها سوريا اليوم.
يعود اهتمام الصهيونية بمياه هذه المنطقة إلى ما قبل إنشاء الدولة العبرية. أقاموا مجموعة من المشاريع المائية منها تجفيف بحيرة الحولة عام 1934، ومشروع روتنبرغ لاستخدام مياه نهري الأردن واليرموك عام 1927، ومشروع يونيديدس عام 1938 لدراسة المياه في فلسطين، ومشروع لادور ميلك عام 1944 لدراسة الموارد المائية في فلسطين وإمكانية استخدامها، ومشروع هيزر عام 1946 وبعد عام 1948 أعدت دراسات ومشاريع لاقتسام وتنظيم استخدام نهر الأردن وحوضه، أهمها مشروع جونسون عام 1955 وقامت إسرائيل بنقل جزء كبير من مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب. مسألة المياه بين هذه الدول أمر أمني ووطني وأي نقص للمياه بينها سيجعل النزاع دوليا معقدا وخطيرا .
ثانيا: النيل وسد النهضة: المخططات المعادية للأمن المصري بدأت منذ سنوات متعددة. هناك مخطط قديم يقضي بمحاولة تحويل مجرى النيل في إثيوبيا، قام المكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي بالدراسات الخاصة به لم ينفذ، ولكنه يبقى أداة للضغط على مصر. وهناك مشروع بتحويل مصادر المياه في تلك المنطقة لتصب في منطقة البحيرات العظمي. إثيوبيا التي يأتي منها 85% من مياه النيل المستخدمة في مصر ليست في حاجة لمياه النيل أصلا، لأن مواردها المائية أعلى كثيرا من احتياجاتها، ولكن هناك قوى عالمية وإقليمية تسعى لحرمان مصر من حصة كبيرة من المياه بنسبة 20% سنويا أي 7 مليارات م3. بينما تسعى مصر لزيادة حصتها. سد النهضة ظهر منذ عشر سنوات وبدأ التفاوض على أوضاعه وارتفاعه وكمية المياه المخزونة، ثم سنة 2011 استغلت اثيوبيا الظروف المضطربة التي تمر بها مصر وقررت الارتفاع بالسد إلى 145مترا وتخزين مياه أكثر وليس على 7 سنوات إنما على 3ــ 4 سنوات فقط.
حسما للموقف تشكلت سنة 2013 لجنة فنية من خبراء دوليين من مصر وإثيوبيا والسودان وعقد اتفاق سنة 2015 لإعلان مبادئ سد النهضة بارتفاع أقل، واتساع أقل للتخزين. الغريب في ذلك الأمر ما تثبته الدراسات عن خطورة هذا السد وتعرضه للانهيار الذي قد يؤدي إلى غرق السودان. تعاقبت الأحداث وظهر بوضوح تدخل دول محور الشر في هذه القضية وتبين أيضا فساد المكتب القائم على التنفيذ مما جعل رئيس وزراء إثيوبيا يعلن وقف تنفيذ السد، والملف مازال مفتوحاً يمثل واحدة من أسوأ المحاولات انتهاكا للأعراف الدولية المستقرة منذ 300 عام والتي تنظم العلاقات بين من يشاركون في الأنهار ويمنع قيام مشروع يضر بالآخرين. سنة 1997 قدمت الأمم المتحدة مشروعا لتنظيم المشاركة في مياه الأنهار صدر وأصبح ملزماً. طبقا لهذا المشروع المياه ملك من هي على أرضه يستفيد منها بشرط عدم الإضرار بدولة أخرى، وضرورة إخطار مسبق لكل مشروع وموافقة هذه الدول الأخرى. أسلوب مصر وقيادتها في مواجهة هذه القضية محترم لا يفرط في حقوق مصر وشعبها، وفي نفس الوقت يحمي حقوق الشعوب الإفريقية وهذا دور مصر الوطني والإفريقي.
ثالثاً: المياه من أهم العوامل التي نشأت بسببها الحروب بين العرب وإسرائيل، فالعمليات العسكرية الإسرائيلية على الحدود السورية – اللبنانية عامي 1964 و1965 كانت بسبب الأطماع الإسرائيلية في مياه نهر الأردن ونهر بانياس ونهر اليرموك ونهر الحاصباني، كما كان تحويل مجرى نهر الأردن أحد أسباب حرب 1967، وعام 1982 شنت إسرائيل حملة عسكرية على لبنان من أهدافها أطماع إسرائيل في نهر الليطاني، وكذلك الحصول على حصة من مياه نهر النيل عن طريق قناة الإسماعيلية باتجاه النقب وساحل إسرائيل. وهي تسعى لاختراق دول افريقيا للسيطرة على نهر النيل. عام 1921 صرح بلسان هوارس بأن مستقبل فلسطين بأكمله هو بين أيدي الدولة التي تبسط سيطرتها على الليطاني واليرموك ومنابع الأردن. وتسعى إسرائيل للحصول على 8 مليارات م3 من المياه سنويا من النيل.
رابعاً: موقف تركيا لا يقل سوءا عن موقف إسرائيل, حيث ترفض تركيا اعتبار نهري دجلة والفرات نهرين دوليين وتعتبرهما نهرين تركيين. وتقيم تركيا مشروعات كبيرة في جنوب شرق الأناضول سوف تقلص حصة العراق وسوريا من نهر الفرات من 30 مليار م3، سنويا إلى 11 مليار م3 مما سيلحق ضررا كبيرا بهما وقد يودى إلى توترات سياسية وأمنية. وهناك مشروع المياه التركي الإسرائيلي الذي أشار اليه تورجوت أوزال سنة 1991 بقوله المشهور: «مثلما حقق العرب الثراء من بيع البترول للعالم تركيا سوف تحققه من بيع المياه» وهناك دراسة وافية عن هذا المشروع بقلم سعد عبد المجيد. وهناك رأي بأن الصهيونيين أصحاب الاقتراح مثلما قام هرتزل بعرض فكرة إقامة وطن قومي ليهود العالم في فلسطين.
هذه الحقائق الصارخة تتكلم وتدعو العرب إلى التجاوز عن الخلافات والصغائر والتنافس والخصام والاهتمام بالأمور الجوهرية مثل قضية المياه، وعقد قمة عربية حول الأوضاع المائية لمواجهة هذه المخاطر والتنسيق والتعاون وتبادل الخبرات والحكم الرشيد.
… عن «الاهرام» المصرية

Share this Article