المجلس المركزي .. هل من جديد؟ بقلم :مهند عبد الحميد

2018/10/09
Updated 2018/10/09 at 8:12 صباحًا


“قررت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير دعوة المجلس المركزي للانعقاد يوم 26 تشرين الأول الجاري. والاستمرار في تنفيذ قرارات المجلس الوطني والمركزي ووضع آليات وجداول زمنية لذلك، – وبخاصة – فيما يتعلق بإعادة النظر في العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع سلطة الاحتلال الإسرائيلية”.
ماذا يعني عقد دورة جديدة للمجلس المركزي ولم يمض شهران على انعقاد الدورة السابقة، وتحديدا قبل أن تُنَفذ قرارات اجتماع المجلس السابقة كما يفهم من بيان التنفيذية “الذي دعا الى الاستمرار في تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي”.
إن المبرر المنطقي لانعقاد دورة جديدة هو البحث في عدم الالتزام بالقرارات السابقة، ووضع آليات جديدة لتطبيقها، وتحديد الأسباب التي حالت دون تطبيقها حتى الآن. وما عدا ذلك سيكون من باب التكرار إلا إذا كان في جعبة القيادة مواقف جديدة ومفاجئة أو غير متوقعة.
فلسطين عانت وتعاني من عدم تنفيذ مئات القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة وعانت أكثر من عدم تنفيذ مئات القرارات الصادرة عن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ولا يوجد ما يبرر إضافة معاناة أخرى عنوانها عدم تنفيذ القرارات الفلسطينية، ولا يوجد ما يبرر استعارة الأساليب الدولية والعربية ذاتها، وبخاصة لجهة الافتقاد الى آليات تطبيق القرارات الفلسطينية، وما يترتب على ذلك من عدم اكتراث شعبي بالاجتماعات وقراراتها التي تبقى دون تنفيذ. إن اقتران القرارات بالتنفيذ يعني التدقيق في كل قرار وشروط ومقومات وضعه في حيز التطبيق عند اتخاذه، فضلا عن الاستعداد لتبعاته وتهيئة المجتمع والشعب في مختلف أماكن وجوده للخسائر وللفوائد الناجمة عن القرار. أما ان يتم اتخاذ قرار دعاوى او بوظيفة التهديد والضغط على الخارج فقط، فمن المرجح أن القرار يفقد تلك الوظيفة بمجرد معرفة الأطراف المستهدفة، فقدان أصحابه القدرة على التنفيذ.
قرار إعادة النظر في العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع دولة الاحتلال، قرار يحظى بتأييد ودعم كل القوى السياسية وفئات واسعة من المواطنين، ومن المفترض أن يُطرح على طاولة اجتماع المركزي للتنفيذ، ويتم التوقف عند استعداد المنظمة والسلطة والتنظيمات لردود الفعل عليه، ووضع البدائل وشبكات الدعم، وتقسيم الأعباء، وكل ما من شأنه الانتقال من وضع سيئ الى وضع أحسن أو أقل سواء أكان سياسيا ومعنويا واقتصاديا. مطلوب التوقف عند العقوبات المتوقعة من حصار وعزل، وعند كيفية التغلب عليها. ومن غير المنطقي ان يبقى القرار مجرد موقف غير قابل للتطبيق وغير معمول به.
وقرار المجلس الوطني بالتراجع عن الإجراءات المتخذة ضد قطاع غزة والمستهدف منها سلطة “حماس”، لأن المواطنين هم الأكثر تضررا ويدفعون ثمنا باهظا جراء استمرارها. هذا القرار لم يتم تنفيذه، بالعكس يوجد تهديد معلن بخيار الانفصال الكامل عن قطاع غزة. ثمة غموض وعدم وضوح في قضية الانفصال عن قطاع غزة، غموض يطرح التساؤل، فهل يجوز ان تخضع عملية الوحدة والانفصال للصراع مع حركة حماس؟ صحيح أن الأخيرة بنت سيطرة غير قابلة للتغيير. لكن الوحدة بين أجزاء الشعب الواحد لا تتقرر بناء على واقع السيطرة الراهن لحركة حماس.
مطلوب من المجلس المركزي تحديد موقف صريح، أولا، بعدم جواز الانفصال، أو الاختطاف والتناغم مع صفقة ترامب. وثانيا، بوضع إطار ديمقراطي وطني لحل هذا التناقض نظريا، ووضع آليات التنفيذ عمليا، واحترام إرادة الشعب ومواقفه الوحدوية، والتوقف عند كل إجراء يلحق الضرر والأذى بمليوني فلسطيني في قطاع غزة. ومطلوب الإجابة عما يُطرح من اتهام السلطة والرئاسة بإفشال كل المشاريع التي تحاول إنقاذ قطاع غزة وتستجيب لاحتياجاته الإنسانية، هذا ما تقوله إسرائيل وأميركا والأمم المتحدة وبعض الأوساط العربية، والمترافق مع فشل الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني الرسمي في توضيح ما يجري على أرض القطاع وفي الكواليس، ذلك الفشل الذي تسبب بحدوث بلبلة وأزمة ثقة بين الناس عموما ومركز القرار. المجلس المركزي مسؤول عن إعادة الثقة واللحمة بين جناحي الوطن عبر حلول سياسية واقتصادية وديمقراطية لا تقبل اللبس.
على الجهة الأخرى من المشهد السياسي الفلسطيني، تراوح المعارضة الجديدة القديمة في موقف مقاطعة المؤسسات، وتستخدمه كسلاح ضغط للمشاركة والتأثير في المواقف، غير عابئة بالتهديد الذي تسببه مقاطعتها للشرعية في لحظة الهجوم السياسي الخارجي غير المسبوق. إذا كانت الخيارات بين خيار مقاطعة تؤدي الى إضعاف المؤسسة التمثيلية، وإلى تعزيز الانقسام، ودون ان يكون للمواقف المعارضة صدى او تأثير إيجابي داخلي وخارجي وخيار ثان يتمثل بالنضال من داخل المؤسسة والمشاركة في القرار وفي تنفيذه، وفي إشراك فئات من المواطنين عبر الاتحادات والنقابات والمنظمات الشعبية في الشراكة والرقابة والضغط على صانع القرار، فإن اتخاذ القرارات وتنفيذها يحتاج الى حراكات من داخل المؤسسة ومن خارجها. كذلك الأمر فإن تعديل وتطوير بنية المؤسسات التمثيلية كالمجلس الوطني يحتاج الى نضال ديمقراطي من داخل المؤسسة ومن خارجها. ولا يكتسب النضال من خارج المؤسسات قيمته وأهميته إلا بالنضال من داخلها، حيث لا يمكن الفصل بين النضالين. وهنا ثمة فرق بين تسجيل مواقف واستعراض السلبيات وما أكثرها، وبين ترك بصمات على الموقف الرسمي وعلى عملية التغيير.
بناء على ما تقدم، لماذا لا تشارك حركة حماس والجهاد الإسلامي في المجلس المركزي؟ وتستخدم المشاركة كمنبر تخاطب عبره الشعب الفلسطيني، ولاستعراض مواقفها وإخضاعها للتداول والمساءلة والاستقطاب. هل تخشى إضفاء شرعية على المؤسسة التي تسيطر عليها حركة فتح؟ هل تضعف مشاركتها راهنا في المؤسسة التفاوض على التمثيل وحجمه لاحقا؟ عندما يكون هدف المشاركة هو تصليب الموقف الفلسطيني ضد صفقة القرن وتحريك عملية الإصلاح وإعادة بناء المؤسسة ودفع عجلتها للأمام، فإن من شأن ذلك تصليب حالة الصمود في وجه صفقة القرن. أما إذا خضع موقف المشاركة لاعتبارات المصلحة الفئوية فيما إذا تناقصت او تراجعت أم لا، فإن كفة المقاطعة والاكتفاء بالندب واستعراض كم السلب ومعاظمته ستكون راجحة، وستنعكس سلبا على المصير الوطني. ان الانحياز لاحد الخيارين يكشف مستوى تحمل القوى السياسية المعارضة للمسؤولية إزاء المصير الوطني والمعاناة المتفاقمة التي يعيشها السواد الأعظم من الشعب.
وإذا كان مبرر مقاطعة “حماس” والجهاد الإسلامي لاجتماعات المؤسسات الشرعية غير مقنع ولا يخدم المصلحة الوطنية، فإن مقاطعة تنظيمات من داخل منظمة التحرير في هذا الوقت يعد انزلاقا نحو اللاشرعية وتخليا عن النضال الداخلي. والاستعاضة عن موقف التأثير في القرار والتعديل فيه الى موقف التشهير بالقرار وتشجيع عملية التآكل الداخلي.

Share this Article