قطاع غزة….خيارات وأولويات بقلم: الدكتور ناجي صادق شراب

2018/10/24
Updated 2018/10/24 at 8:14 صباحًا


التساؤلات كثيرة وأحيانا متناقضة في الوقوف على الخيارات السياسية للإشكالية أو المسألة الغزية، هل لغزة خياراتها الخاصة؟ وهل لحماس خياراتها؟ وما العلاقة بينهما؟ وفي ضوء الفواعل المؤثرة والمحددة للخيارات في غزة، وفي ضوء بيئة الخيارات ومحدداتها يمكن القول أولا أننا امام مجموعة من الخيارات غير المترابطة، بعضها عقلاني، وبعضها غير عقلاني، وبعض هذه الخيارات البعد الفصائلي التنظيمي واضح.
وهنا في الحديث عن الخيارات ينبغي أن ننطلق من مسلمة وحقيقة أساسية أن غزة جزء لا يتجزأ من الجسد السياسي الفلسطيني، ولا خيارت لغزة بعيدا عن هذه العلاقة العضوية، وفي الوقت ذاته قد تفرض الحالة الخاصة لغزة خيارات طارئة ملحة، لها بعدها الإنساني، لكن في النهاية غزة حالة سياسية كاملة لا يمكن فصل البعد الإنساني عن البعد السياسي، ولا عن الأهداف والأولويات التي تحكم حركة حماس، وليس بعيدا عن حالة الانقسام السياسي التي تأصلت لحالة من الانفصال.
فالمنطلق القائم في هذه الخيارات حالة الانقسام السياسي، وسيطرة حركة حماس. ويفترض أن أي خيار عقلاني يقوم على إنهاء حالة الانقسام السياسي وصولا لحالة من المصالحة السياسية التي تتيح التمكين السياسي لنظام سياسي تشاركي توافقي ديموقراطي منوط به معالجة كافة مشاكل غزة، وهنا ينبغي التذكير ان مشاكل غزه تنقسم إلى قسمين عريضين، مشاكل تتعلق بمستقبل غزه السياسي ووجودها في المنظومة السياسية الفلسطينية، ومشاكلها مع إسرائيل، وطبيعة العلاقة مع الدولة الجارة الحاضنة مصر.
والقسم الثاني يتعلق بالمشاكل الخاصة بحركة حماس، ومعالجة التداعيات والنتائج التي ترتبت على سيطرتها على غزه وحالة الانقسام السياسي، حماس يفترض أنها مثلها مثل أي فصيل فلسطيني شرعيته من شرعية النظام، ومشاكلها الخاصة تحل على مستوى الحركة، وما تعلق منها بالوضع العام يتم حله على المستوى العام.
والإشكالية هنا التي تحتاج لحل هي ان حركة «حماس» تريد ان تحل كل مشاكلها الخاصة على المستوى العام وليس العكس، وهذه الإشكالية في حاجة للتوازن والتوافق، وقدر من التنازلات المرنة بين المستويين. في ضوء ذلك يمكن تصور الخيارات التالية وتصنيفها لمجموعات تعكس أهداف الفواعل المؤثرة، والمحددات الخاصة بغزة كحالة إستثنائية، ويمكن تصنيفها لخيارات عقلانية وأخرى غير عقلانية، او خيارات ممكنة أو خيارات مستحيلة.
الأساس في هذه الخيارات الطبيعة الخاصة بغزة، ومن هذا المنظور يمكن القول أن خيارات غزة ليست خيارات حرب او عنف وتشدد، غزة ومن منظور تركيبتها السكانية وخصائصها الجغرافية وإنفتاحها على البحر، خيارها الرئيس أن تتحول لنموذج تنموي حضاري، ونموذج ثقافي منفتح معتدل، والحرب ليست من خياراتها إطلاقا، وليست حاضنه للفكر المتشدد والجماعات المتشددة، ويمكن أن تتحول غزة بعقلية شبابها وقدراتهم العقلية والتعليمية لنموذج لصناعة المعلومات وتتخصص فيه مثلا.
ومن هذا النموذج يمكن ان تتحول لنموذج ديموقراطي. هذا الخيار يمكن تصوره على كافة المستويات، سواء في إطار عام أو خاص. وما يؤكد مصداقية هذه الرؤية البعد التاريخي الذي حكم غزة على مدار تاريخها الطويل، هذا الخيار هو الخيار المثالي، لكن إحتمالات تحقيقه ليست مستحيلة، فهو خيار مثالي ممكن. أما المجموعة الأخرى من الخيارات الخيارات الطارئة الإنسانية وهي التي لا تحتمل التأخير بصرف النظر عن حالة الانقسام السياسي، وهنا يمكن لهذا الخيار ان يتم في إطار اممي إقليمي وتشارك فيه السلطة.
هذا الخيار يقوم على تفادي خيار الانفجار والعنف والنزاع والصراع الداخلي والخاسر الأكبر فيه اكثر من مليوني نسمة، وأيضا حركة «حماس» وبقية الفواعل الأخرى. هذا الخيار يأخذ شكل قيام إسرائيل بالسماح بتدفق المساعدات الإنسانية، وقيام حماس بتخفيض المسيرات وكل ما يصاحبها من وسائل تزيد من درجة المواجهة العسكرية والحرب.
هذه هي الخيارات الثلاث الطارئة، ويمكن أن يتم ذلك بضمانات دولية لأن حركة حماس لن توقع على إتفاق مكتوب تكون فيه طرفا مقابل إسرائيل، ومن هذا الخيار لخيار التهدئة الشاملة بما فيها خيار صفقة الأسرى، وهذا الخيار لا شك له أثمان سياسية لأنه لا شيء بدون ثمن سياسي، والثمن السياسي هنا على مستوى السلطة الشروع في خيار المصالحة السياسية، وإفساح المجال امام الخيارات الأولى المثالية والممكنة. والمجموعة الثالثة من الخيارات وهي مستبعدة رغم أنها ممكنه تقوم على مقايضة الحصار بالتهدئة والهدنة الطويلة، وهنا يكون الثمن السياسي كبير من قبل حركة «حماس» ويتعلق بالاعتراف بإسرائيل وتحييد «حماس»، ولكنها في الوقت ذاته وإن إستفادت لا يمكن لها أن تقيم حكما ذاتيا بدون الإعتراف الكامل بإسرائيل وهذا يجعلها صورة أخرى مما قامت به حركة «فتح»، وبالتالي الخيار هنا غير مبرر من قبل الحركة، لكنه خيار بديل لخيار الأمر الواقع غير المحتمل، فهذا الخيار الأخير من شأنه أن يقود للحرب والانفجار الداخلي، وبالتالي بات خيارا مستبعدا. ويبقى الخيار الشامل والذي يعكس خصائص الحالة السياسية الفلسطينية الكاملة لكنه مقابل خصوصية غزة، أيضا لدينا الحالة الفلسطينية بكل خصائصها من إحتلال، وعدم قيام دولة كاملة ووحدانية الشعب الفلسطيني وقضيته، وهذه الحالة تطلب خيارا يمكن تسميته بالخيار المنقذ وهو خيار المصالحة الشاملة وإجراء الانتخابات بهدف بناء نظام سياسي ديموقراطي تعددي، وإعادة بناء الشرعية السياسية الشاملة لكل المؤسسات أو المنظومة السياسية الفلسطينية واساسها مؤسسات منظمة التحرير والتي من خلالها يمكن إعادة صياغة المشروع الوطني، ووضع دستور فلسطيني يحكم مسار العلاقات الفلسطينية.
هذا الخيار غير قائم وهو سبب للصراعات والخلافات الفلسطينية، وهذا الخيار هو الخيار الأفضل والواقعي، ولكنه يواجه الكثير من التحديات.
والحلول الوسط يمكن التفكير في اطارها بالحلول الفيدرالية والكونفدرالية، لكن هذه الحلول يمكن التفكير بها أو طرحها بعد إنهاء الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية، ويؤخذ عليها الآن أن مثل هذه الخيارات يمكن ان تمتد لمناطق أخرى داخل أراضي الدولة الفلسطينية.
ويبقى أننا بحاجة لخيار عملي يحافظ على وحدانية القضية والشعب الفلسطيني، وبين خصوصية غزة، وهنا يمكن الجمع ما بين خيار التمكين الإداري والتمكين السياسي، مع الشروع في إتخاذ خطوات نحو المصالحة السياسية الشاملة.
والمقصود بالتمكين الإداري تمكين الحكومة من أداء مهامها وإيجاد حلول للمشاكل التي تعاني منها غزة ليس فقط على مستوى ما يتعلق منها بحركة حماس بل على مستوى المليوني نسمة.
وينبغي إدراك أن أي خيار لا يمكن أن يستجيب لكافة المشاكل مرة واحدة، ونحتاج إلى تبني الخيارات الوظيفية المتدرجة ومراعاة أن هناك خيارات تحت الاحتلال وخيارات ما بعد الاحتلال، الأولى تفرض الوحدة، والثانية خياراتها يمكن أن تكون مفتوحة لأشكال عديدة..
وأخيراً فإن بقاء غزة بدون حل في إطار فلسطيني شامل يشكل عبئا لا تقوى عليه أي سلطة في غزة، ومراعاة أن غزة مكون وطني فلسطيني، والمنطلق لأي خيار هو من خلال الوطنية الفلسطينية الشاملة التي من خلالها يمكن لكل القوى السياسية أن تساهم وتشارك في القرار السياسي، وهذا لن يتحقق إلا من خلال خيار الانتخابات والنظام السياسي الديموقراطي وهذا هو الخيار الذي يجسد المصلحة الوطنية الفلسطينية ويواكب المتغيرات والتطورات التي تحيط بالقضية الفلسطينية.
وليكن معلوما أخيرا أن لا تحرير من غزة، ولا دولة من الضفة الغربية. والخيارات منظومة متكاملة مترابطة كل منها يقود للآخر, وبدون ذلك فإن كل خيار سيكون على حساب الخيار الآخر

Share this Article