حكومة دولة فلسطين … تحديات وآمال بقلم: الدكتور ناجى صادق شرّاب

2019/03/13
Updated 2019/03/13 at 10:54 صباحًا


وأخيرا تم تكليف الدكتور محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” بتشكيل الحكومة الـ18. وبعيدا عن خطاب التكليف، فالحكومة الجديدة ستكون برئاسة “فتح”، وهذا أول التحديات، الكامن في كيفية تعبير الحكومة الجديدة عن الكل الفلسطيني في ظل الإنقسام السياسي الحاصل ، ورفض بعص الفصائل المشاركة فيها، بل والنقد والهجوم منذ اليوم ألأول من قبل حركة حماس.

وثانيا لا يمكن اعتبار هذه الحكومة حكومة توافق وطني أو حكومة وحدة وطنية، فالحكومة السابقة ورغم كل مظاهر الضعف والوهن وعدم قدرتها على التمكين السياسي في غزة، كان تعبيرا ولو شكليا عن التوافق الوطني. فالحكومة جاءت بناء على توصية قوية من اللجنة المركزية لحركة “فتح”، وكأنها رسالة صريحه وواضحه كما أن “حماس” هي من تحكم وتسيطر على غزة، فمن حق “فتح” الراعية للمشروع الوطنى الفلسطيني أن تحكم في الضفة ، وفى هذا المعنى دلالات سياسية عميقة وخطيرة. فهو قد يفسر على انه إعلان رسمي عن البدء بمرحلة الانفصال السياسي.

وثانيا تأتي الحكومة مع اقتراب إعلان “صفقة القرن” وما يفرضه ذلك من تحديات، والسؤال هنا هو: كيف ستتعامل الحكومة معها؟ كما تأتي الحكومة الجديدة قبيل الانتخابات الإسرائيلية المقررة في التاسع من نيسان، ومن ثم حكومة جديدة في إسرائيل وسط توقعات ان تكون بقيادة غانتس او ما يسمى تيار الوسط- اليسار، وهو ما يعني اننا قد نكون أمام مرحلة سياسيه جديدة .

وقد تكون هناك وعودات برفع الحصار المالي عن الحكومة ومن ثم تتغلب على المشكلة المالية، وهذا مجرد إحتمال قائم وقوي وربما ايضا عودة محتملة للتفاوض. وتأتي الحكومة الجديدة في ظل إبتعاد غزة خطوات كثيره بما نراه من تحركات سياسيه ترمي لتعميق حالة الإنفصال السياسي.

وفي ضوء ذلك لا يمكن لأي مراقب أن يعتبرها حكومة وحدة، او انها ستكون قادره على إعادة اللحمة الوطنية ، وتهيئة البيئة السياسية الصالحة للإنتخابات، وهو ما يعني في المحصلة النهائية سقوط بعض التكليفات عن الحكومة منذ البداية، مثل الوحده الوطنيه، والانتخابات.

وقد يرى مراقبون للحالة السياسية الفلسطينية ان الحكومة الجديدة تأتي في سياق سياسي آخر، وهو التهيئة لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، وهي المرحلة التي بدأت بخطوات متدرجه أولها تعيين الدكتور صائب عريقات أمينا لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وفي تعيين السيد محمود العالول نائبا لرئيس حركة فتح، وفي سياق بعض التغييرات في القيادات ألأمنية، وفي اعقاب حل المجلس التشريعي والعودة للمجلس الوطني والمجلس المركزي اللذين تسيطر عليهما حركة فتح.

وبتقديم إستقالة حكومة التوافق الوطني تاتي خطوة تشكيل الحكومة برئاسة فتح، وبذلك تكتمل سيطرة فتح على مقاليد ومقابض السلطة الفلسطينية. ومع كل حكومة فلسطينيه جديده يرتفع سلم التوقعات منها بدرجة أعلى من قدرة اي حكومة على الإستجابه والتكيف السريع مما يخلق فجوة كبيره بينها وبين المواطن، كما راينا في حكومة التوافق وغيرها كيف ان سلم توقعاتنا يرتفع بدجة كبيرة.

هذه الحكومة لا تحمل عصا سيدنا موسى عليه السلام، يضرب عصاه فتنفجر ينابيع المياه والرزق والخير ليشرب الجميع. هذه الحكومة تأتي في سياقات فلسطينيه وإسرائيليه وإقليميه ودولية تفوق ليس فقط قدرة الحكومة بل قدرة السلطة ذاتها وقدرة منظمة التحرير. وهنا علينا التقليل من توقعاتنا من هذه الحكومة في ظل هذه الظروف، فهي لن يكون بمقدورها إنهاء الاحتلال، ولا إنهاء الإنقسام السياسي ، ولا إجراء الانتخابات ، ولا تلبية سلم الرواتب مثلا. فهذه قضايا تناقش خارج الحكومة وخارج سلطاتها وصلاحياتها.

الحكومة تأتي في ظل أزمة ماليه واقتصاديه كبيره تفوق الموارد المتاحة، وأنا هنا لا أقدم النصائح، فرئيس الحكومة لديه من الخبرة والكفاءة والمعايشه الكثير. وهي حكومة اقتصاديه ومالية ايضا، وأرى أن تركز الحكومة على هذا الملف بشكل مباشر، وتجرى دراسة معمقه ، وتأخذ قرارات جريئه في التغلب ولو بنسبة عالية على هذه الأزمة ، والقرارات كثيره من أهمها مراجعة سلم الرواتب العالية ، والإنفاق الحكومي والامتيازات التي تمنح، ومراجعة السلك الدبلوماسي وألأمني الذي يستحوذ على نسبة كبيرة من الميزانيه.

هذه خطوات ليست سهله ، لكنها يمكن أن تقلل من أعراض الأزمة المالية وترفع من كفاءة الحكومة.

ومن التحديات المهمة تشكيلة الحكومة فلا نريد حكومات دوارة ، ونفس الأشخاص ووزراء حتى الموت، ووجوها مستوزرة، فالتغيير مطلوب، والاختيار حسب مهام وتحديات الحكومة، وان تبتعد قدر الإمكان عن الهيمنة الأحادية لحركة فتح، وان تعبر قدر الإمكان عن الكل الفلسطيني.

المطلوب حكومة للكل الفلسطيني وليس لحركة فتح فقط. وأتمنى للحكومة الجديدة النجاح في زمن وعصر الصعاب والتحديات. حكومه تمثل كل الشعب وليس الفصائل، نريد حكومة دولة تؤسس لمؤسساتها. ولهذه الأسباب والمعطيات المطلوب حكومة إستثنائيه لظرف إستثنائي، قادرة على التكيف مع كل الإحتمالات السياسية وقادرة على ملء الفراغ السياسي.

واتمنى أن نستخدم مصطلح حكومة دولة فلسطين ورئيس وزراء دولة فلسطين، ورغم ان هناك من سيقول ان هذا حلم ولكن من حقي ومن حق كل مواطن فلسطيني أن يحلم بحكومة دولة فلسطين. واخيرا آمل أن تبدأ الحكومة الجديدة بمبادرة سياسيه قوية،قادرة على الرد على كل التحديات السياسسية الماثلة.

Share this Article