إلزام إسرائيل بالحفاظ على الوضع القائم في القدس ضرورة للسلام الدولي بقلم: عبدالله كنعان

2019/08/22
Updated 2019/08/22 at 11:32 صباحًا


في ضوء متابعة اللجنة الملكية لشؤون القدس ورصدها لما يجري في مدينة القدس من أحداث واعتداءات يومية تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة، بات واضحا للمهتم والمتابع لأحوال القدس أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة حكومتها اليمينية المتطرفة لم تعد تخفي اعتداءاتها وانتهاكاتها وأعمالها الاستفزازية المختلفة في الأراضي الفلسطينية عامة، وفي القدس الشرقية على وجه الخصوص، تلك الاعتداءات التي شملت هدم المنازل والأحياء العربية ومصادرة وتجريف آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية، وطرد السكان، والتوسع في بناء البؤر والمستعمرات واعتقال وقتل الكبار والصغار.

ومن اخطر تلك الاعتداءات ما تقوم به سلطات الاحتلال من انتهاكات للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وعلى رأس هذه المقدسات المسجد الأقصى المبارك، تلك الاعتداءات التي تنفذ وفق خطة ممنهجة تؤكد عنصرية الدولة، وتخالف قرارات الشرعية الدولية في محاولة من سلطات الاحتلال لفرض وقائع جديدة على الأرض.

ولم تكتف تلك السلطات بما قامت به من حريق للمسجد الأقصى العام 1969م والذي نعيش هذه الأيام الذكرى الخمسين لارتكاب تلك الجريمة، بل حاولت بعدها تنفيذ ذلك مرارا وعبثت بمحتويات المسجد ومنعت القائمين على إدارته وصيانته من العمل، واعتقلت وابعدت عددا من المرابطين والمرابطات وحراس المسجد عن القدس أو عن المسجد الأقصى لمدد متفاوتة، وعملت بوسائل شتى على افراغه من المصلين، بينما سمحت لمستوطنيها ولغلاة المتطرفين والمسؤولين والجنود بتدنيس المسجد والدخول إليه بأحذيتهم والتجول في باحاته واقامة طقوسهم الدينية في داخله، كما تعمل على السيطرة التامة على أبوابه كما حدث في باب المغاربة ويحدث حاليا في باب الرحمة. وقد دأبت سلطات الاحتلال في الآونة الأخيرة على استهداف المسجد الأقصى المبارك وبشكل مباشر من خلال تكثيف الاقتحامات اليومية الصباحية والمسائية لأعداد كبيرة من المتطرفين اليهود الذين يقودهم في معظم الأحيان حاخامات وأعضاء كنيست ومسؤولون متطرفون تحرسهم قوات الاحتلال، ويطالب عدد منهم برفع الوصاية الهاشمية عن المسجد الأقصى ليتمكنوا من فرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى من دون حق أو مراعاة لمشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم.


فبينما يتفنن الاحتلال في وضع العراقيل أمام المصلين المسلمين في الدخول الى المسجد الأقصى والكنائس وخاصة في المناسبات الدينية الاسلامية والمسيحية كما حدث مؤخرا يوم عيد الأضحى المبارك، وكما يحدث في شهر رمضان المبارك من كل عام وفي أعياد الميلاد المباركة، تكثف المنظمات اليهودية المتطرفة دعواتها إلى المزيد من الاقتحامات للمسجد واقامة نشاطات تعيق الاحتفالات الإسلامية والمسيحية بدعوى احياء مناسباتهم وأعيادهم الدينية الكثيرة، وتحاول سلطات الاحتلال الاسرائيلي تعريض المسجد الأقصى للهدم من خلال الحفريات المتعددة التي جرت وتجري أسفل المسجد وحوله بزعم البحث عن آثار تعود للهيكل المزعوم، رغم أن علماء آثار ومنهم يهود وغربيون استمرت ابحاثهم ودراساتهم لسنوات طويلة وخلصت بأنه لا يوجد أي أثر سواء للهيكل المزعوم أو لغيره مما له علاقة باليهود تحت الأقصى أو بجواره أو حوله، هذا التأكيد الذي تدعمه قرارات لجنة التراث العالمي في اليونسكو التي تضم كبار علماء وخبراء الآثار في العالم، وتستشير في تقاريرها وقراراتها عددا من المنظمات الدولية ذات الاختصاص بالثقافة والتراث العالمي ومنها المجلس الدولي للمعالم والمواقع (ICOMOS) وغيره، وبالتالي فليست هناك أي مبررات للاقتحامات والتعديات اليومية التي تتم في مختلف المناسبات الدينية اليهودية تحت ذريعة الحق الديني الباطل بينما الحقيقة هي فرض الوجود اليهودي في المسجد الأقصى المبارك.


لقد شجع الصمت الدولي على الممارسات الإسرائيلية على تمادي سلطات الاحتلال في اعتداءاتها حتى غدت تلك الاعتداءات على المسجد الأقصى من خلال تصريحات رئيس حكومة الاحتلال وبعض المسؤولين في حكومته المتطرفة بشكل علني متزامن مع تكثيف الاقتحامات للمسجد الأقصى – وهي أساليب لمحاولة كسب أصوت الناخبين لديهم – متجاوزين بذلك قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والتي تعدت الـ (800) قرار صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة ومنها منظمة اليونسكو والتي تدين جميعها الممارسات الإسرائيلية وتحظر عليها القيام بأي عمل يغير من واقع الأرض المحتلة.

وقد أكدت العديد من هذه القرارات على عدم جواز قيام إسرائيل “السلطة القائمة بالاحتلال” بأي اجراء من شأنه أن يتناقض مع حقيقة ملكية الشعب الفلسطيني لأراضيه التاريخية. ومن هذه القرارات قرار الجمعية العامة رقم (98/70) الصادر بتاريخ 9 كانون الأول 2015م والذي يشجب سياسة توسيع المستوطنات والاستمرار في تشييد جدار العزل العنصري، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2334) الصادر بتاريخ 23 كانون الأول 2016م والذي كرر مطالبة إسرائيل بأن توقف فوراً وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسيطنية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. فها هو وزير الأمن الداخلي الاسرائيلي “جلعاد أردان” يتجاهل قرارات الشرعية الدولية ويطالب في تصريحه الأخير قبل يومين بتغيير الوضع القائم في القدس ليتمكن المستعمرون “المستوطنون” اليهود من أداء طقوسهم التلمودية في ما يسميه “جبل الهيكل” بحرية حسب زعمه، متخذاً من الخرافات والأكاذيب والتزوير أساساً لتنفيذ سياسات إسرائيل العنصرية، التي تضرب بعرض الحائط قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد على ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس والمعروف باسم “الاستاتيكو” الذي ينص على أن الملكية الكاملة للمسجد الأقصى البالغة مساحته (144) دونما هي للمسلمين وحدهم.

وقد جدد القرار الصادر بتاريخ 18/تشرين الاول/2016م في بنوده الستة عشر التأكيد على أن المسجد الأقصى من المقدسات الاسلامية الخالصة وأنه لا علاقة لليهود به، وطالب إسرائيل بالعودة الى الوضع التاريخي الذي كان قائما عام 2000م، وأكد أن دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية هي السلطة الوحيدة المشرفة على شؤون المسجد الأقصى المبارك.


وقد جاء هذا القرار مساندا للدور الأردني في رعاية وحماية المسجد الأقصى المبارك بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله، صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وهو الذي يدعو في كافة المحافل الدولية الى ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي القائم في القدس، ويعلن تمسكه بالمبادرة العربية الداعية الى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وأن حل الدولتين الذي تجمع عليه قرارات الشرعية الدولية هو الحل الوحيد للصراع العربي الاسرائيلي، والذي تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي بممارساتها العدوانية المختلفة الى تقويض فرص الوصول الى هذا الحل.


وإذ تؤكد اللجنة الملكية لشؤون القدس على خطورة الاستمرار في الانتهاكات والتصريحات الإسرائيلية المعادية فإنها تقف خلف القيادة الهاشمية وترفض ومعها الشعب الأردني والعربي والإسلامي والدولي سياسة حكومة نتنياهو وتصريحات مسؤولي حكومته القائمة على نظريات مزيفة ومزورة للتاريخ، وتؤكد دعمها الكامل لصاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وضرورة الحفاظ على الوضع القائم فيها، وتؤكد أحقية وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية التاريخية والقانونية في الاشراف على المقدسات في القدس وادارتها استناداً الى قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات الدولية بما فيها اعلان واشنطن واتفاقية وادي عربة الموقعة مع إسرائيل العام 1994م والتي أكدت الحق والدور الأردني التاريخي تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

وفي الوقت نفسه فإن اللجنة الملكية لشؤون القدس تدعو الدول الكبرى في العالم وفي مقدمتها أميركا التي تعد راعية للسلام وتؤمن بالحرية وفق مبادئ “ويسلون” والثورة الأميركية والتي يزيد دعمها إسرائيل عنجهية وتطرفاً وتجاوزاً للشرعية الدولية، للقيام لدعوة إسرائيل الالتزام فورا بتطبيق قرارات الشرعية الدولية وحماية المنطقة والعالم من الانزلاق نحو المجهول، وتخليها عن شريعة الغاب وضرورة رضوخها للشرعية الدولية الضامنة للسلام العالمي والداعمة للكرامة الانسانية وحرية المعتقد والعبادة واحترام ارادة الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والاسلامية، كما تدعو معها جميع المنظمات والهيئات الدولية للتحرك فورا لالزام إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية محذرة بأن إسرائيل تريدها حرباً دينية لن يقف أمامها مليار و (800) ألف مسلم، ومعهم أكثر من (340) مليون عربي مسلم ومسيحي مكتوفي الأيدي وهم يعانون من تكرار اعتداء سلطات الاحتلال الاسرائيلي على مقدساتهم ومشاعرهم، وهم يعتبرون المسجد الأقصى جزءا من تاريخهم وعقيدتهم لأن كثرة الضغط تولد الانفجار، فالخشية من أن استمرار الاعتداءات على المقدسات سيقود إلى حرب دينية حتمية لا يمكن تقع نتائجها.


وتؤكد اللجنة الملكية لشؤون القدس بأن ما يجري في المسجد الأقصى هو ممارسات احتلالية غير شرعية من شأنها ان تضعف ثقة العالم بالأمم المتحدة، وتقود المنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار تضفي على ممارسات إسرائيل شرعية جديدة تقوم على القوة وعدم احترام القانون والكرامة الانسانية وحرية المعتقد التي تكلفها الشرائع والأعراف والقوانين الدولية.

وتتساءل اللجنة الملكية لشؤون القدس: ماذا سيفعل العالم وأمريكا لو كان الاقتحام والاعتداء ضد كنيس اسرائيلي في فلسطين والقدس؟ والى متى ستبقي إسرائيل تتحدى الشرعية الدولية والعالم؟ ولماذا لا تقوم المنظمات الدولية بفرض العقوبات الرادعة لإسرائيل؟ ولماذا لا تتوقف إسرائيل عن اقتحامها للمسجد الأقصى المبارك وتترك للمسلمين حرية اقامة شعائرهم اذا كانت تدعي وتروج زيفاً أنها دولة ديموقراطية تحترم حقوق الأنسان؟


لذلك لا بد من الزام إسرائيل بالحفاظ على الوضع القائم في القدس لتثبت دول العالم بأنها لا تنظر الى القضايا العالمية بمنظارين مختلفتين وانها تريد تحقيق سلام وأمن حقيقيين في العالم والمنطقة.

*أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس – عن “الغد” الأردنية

Share this Article