السلطة الفلسطينية.. التكوين والوظيفة… بقلم :بول بيلار

2013/04/30
Updated 2013/04/30 at 4:51 مساءً


  196914

مثل سلام فياض كل شيء يمكن أن تأمله الإدارات الأميركية تقريباً في رئيس وزراء فلسطيني. كان هذا الخبير الاقتصادي الذي تلقى تعليمه في أميركا نزيهاً معتدلاً وكفؤاً. واستطاع أن يحرز في السنوات الست التي قضاها رئيساً للوزراء في السلطة الفلسطينية تقدماً مثيراً للإعجاب في سياق غرس النظام في البيروقراطية التي قادها.
لذلك، فإنه ليس من المستغرب أن تكون إدارة أوباما ووزير الخارجية جون كيري قد حاولا جاهدين، بدون جدوى في النهاية، من أجل إبقائه في منصبه. وكان الإسرائيليون بدورهم سعيدين لوجوده في الجوار لأسباب مماثلة.
السلطة الفلسطينية كيان الغريب، والذي كان وجوده منطقياً مع ذلك -في الوقت الذي تم إنشاؤها فيه وفق اتفاقات أوسلو التي وقعها كل من إسحق رابين وياسر عرفات قبل 20 عاماً. وكان يفترض فيها أن تكون آلية انتقالية تهدف إلى تسهيل إحداث التغيير في القيادة الفلسطينية والبنية السياسية، لتتحول من حركة مقاومة (كان عرفات قد وقع الاتفاقيات بوصفه رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية) إلى الحكومة.
لكن رابين، الذي اغتاله متطرف إسرائيلي بسبب صنع السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية، ذهب منذ زمن طويل. ولسنوات عديدة الآن، عمل الكيان الغريب الذي تمثله السلطة كأداة تعمل لصالح نوع مختلف من القيادة الإسرائيلية، قيادة يتلخص هدفها في تأخير إنشاء دولة فلسطينية إلى أجل غير مسمى، والتشبث الدائم بالأرض التي أسرتها في أعقاب غزو عسكري قبل 46 عاماً.
والآن، أصبح من المضلل النظر إلى السلطة الفلسطينية على أنها ما تزال تشكل آلية انتقالية كما كان التصوّر المرتبط بها أصلاً، بالنظر إلى أن عديد السنوات الكثيرة التي مرت منذ ذلك الحين. ووفقاً للجدول الزمني في اتفاقات أوسلو، كان ينبغي أن تكون هناك دولة فلسطينية قد أنشئت بالفعل. لكن السلطة الفلسطينية، بغض النظر عن ماهية المهارات والنوايا الحسنة التي توفرت لبعض الذين قادوها، أصبحت أشبه بقرية زائفة -مجرد دعامة تدعم قصة إسرائيلية خادعة عن السلام، والأرض، والقوة السياسية- وخصوصا، النوايا الحسنة للحكومة الإسرائيلية.
بغض النظر عن القدر الذي يمكن للمرء أن يرى به -بشكل مفهوم- اتفاقات أوسلو على أنها ماتت، ظل وجود السلطة الفلسطينية قائمة يخدم عدة أغراض لحكومة بنيامين نتنياهو. وبشكل أساسي، حافظ وجود السلطة على الفكرة الخيالية القائلة إن الحكومة الإسرائيلية تدعم فعلياً حل الدولتين. كما يبدو أنها خففت كاهل إسرائيل أيضاً من مساءلتها عن الارتقاء إلى مستوى مسؤولياتها بموجب القانون الدولي، باعتبارها قوة الاحتلال في مناطق تم احتلالها بواسطة الحرب. وبطبيعة الحال، تظل إسرائيل هي التي تمسك بالسلطة الحقيقية في كل الضفة الغربية. لكنها تستطيع القول، من خلال قدرتها على الإشارة إلى كيان آخر يفترض أنه يتحمل المسؤوليات الإدارية، إن كل المشاكل والعيوب هي من خطأ طرف آخر.
لقد عملت السلطة الفلسطينية، وخصوصا مع وجود قادة يحظون بالاحترام مثل فياض، لصالح إسرائيل باعتبار أنها تمثل الفلسطينيين “الجيدين” في مقابل الفلسطينيين “السيئين” الذين تمثلهم حركة حماس، وبحيث مكنت الإسرائيليين من مواصلة التظاهر بأنها تريد تحقيق السلام مع الفلسطينيين، حتى مع أنها ترفض التعامل مع قادة فلسطينيين منتخبين بشكل نزيه وعادل، عندما يحدث أن يكون هؤلاء القادة من حركة حماس.
وفي الوقت نفسه، تتم خدمة غرض تأجيل إقامة دولة فلسطينية إلى أجل غير مسمى عن طريق الإشارة إلى حركة فلسطينية لا تبدو قادرة على تنسيق عملها معاً، في حين تقوم إسرائيل بالتزامن بفعل كل ما هو ممكن لمنع قيام المصالحة بين حماس وفتح، الحزب المهيمن في السلطة الفلسطينية، وبالتالي الإبقاء على الحركة الفلسطينية منقسمة. تجسد السلطة الفلسطينية المفهوم ذلك الذي عبر عنه المدافعون الأميركيون عن الحكومة الإسرائيلية؛ مثل إليوت أبرامز، والقائل إنه يجب على الفلسطينيين “بناء” دولة بدلاً من “منحهم” واحدة. لكن طور “البناء” يظل يتواصل إلى أجل غير مسمى، مع بقاء قيام دولة حقيقية أمراً بعيد المنال دائماً وليس في المتناول. وفي حال بدا أن السلطة الفلسطينية أصبحت قريبة جداً من الحصول على دولة، فإن الإسرائيليين يستطيعون، بل يقومون بركلها بسهولة لتعود إلى الوراء مرة أخرى. وبعد تحرك السلطة الفلسطينية من أجل ترقية وضعها في الأمم المتحدة، قامت إسرائيل بمعاقبتها بحجب عائدات الضرائب التي تعود للفلسطينيين. وقد عمل ذلك على مفاقمة الأزمة المالية التي كانت واحدة من أكبر التحديات التي واجهتها إدارة فياض.
بطبيعة الحال أيضاً، يستطيع الإسرائيليون استخدام أداتهم السياسية التي تشكل الخيار الأول -القوة العسكرية- كما فعلوا في العام 2002 عندما قاموا بتدمير العديد من المكاتب التابعة للسلطة الفلسطينية، وكذلك عناصر البنية التحتية الإدارية الأخرى مثل مراكز الشرطة. وقد جعل ذلك الإجراء من الأكثر صعوبة على الفلسطينيين أن يعملوا بطريقة تبيّن أنهم يقومون “ببناء” دولة.
وحتى من دون استخدام إسرائيل لشيء صارخ مثل الذي فعلته في العام 2002، فإن العديد من القيود اليومية التي تضعها إسرائيل على النقل والتنقل وغيرها من جوانب الحياة الفلسطينية، تجعل من المستحيل على السلطة الفلسطينية أن تعمل بطريقة من شأنها أن تجبر إسرائيل على الاعتراف بأن ثمة دولة كانت قيد “البناء”.
كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد تحدث في بعض الأحيان عن إنهاء السلطة الفلسطينية إذا لم تتخذ حكومة نتنياهو خطوات حقيقية نحو تحقيق تسوية سلمية. وسيكون من شأن ذلك الإنهاء أن ينهي مهزلة، لكنه ربما سيأتي أيضاً بتكلفة على الفلسطينيين، معظمها في شكل تسليم الإسرائيليين حجة، ليتم استخدامها إلى الأبد، بأن الفلسطينيين هم الذين دمروا اتفاق أوسلو وتخلوا عن السلام. وهكذا تكون المسرحية الهزلية فخاً أيضاً.
يستطيع المرء أن يتخيل فقط أعمق أفكار فياض في الوقت الراهن. ويقال إن استقالته تضمنت خلافات مع عباس، وكذلك وجود معارضة كبيرة لفياض في داخل حركة فتح. لكنه يجب أن يكون بالتأكيد شعوراً ببعض الراحة الشخصية. إنه شخص أذكى كثيراً وأصدق كثيراً من أن لا يفهم نوعية “الألعوبة” التي تمثلها المؤسسة التي كان متورطاً فيها. كما أنه لا ينبغي لأحد أن يشكو لو أنه اعتزل الحياة العامة وانتقل إلى موقع أكاديمي مريح في مكان ما.

(ذا ناشيونال إنترست)  ترجمة: علاء الدين أبو زينة

*ارتقى في السنوات الثماني والعشرين التي خدمها في وكالة الاستخبارات المركزية، ليكون واحدا من كبار المحللين في الوكالة. وهو يعمل حالياً أستاذا زائراً في جامعة جورج تاون للدراسات الأمنية.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: The ‘Stooge-Like’ PalestinianAuthority

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً