ماكرون يتقرب من بوتين ويهجر “الناتو” بسبب “طعنة دولية” لها بعد عربي .. بقلم :وسيم سليمان

2022/02/10
Updated 2022/02/10 at 9:09 صباحًا

أمد/ ترتفع وتيرة وحدة التصريحات تارة، وتنخفض تارة أخرى، على خلفية الأزمة التي تشهدها القارة العجوز بين روسيا وحلف “الناتو”، لكن تحركات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأخيرة كانت “تغرد خارج سرب الناتو”، بالأفعال لا بالأقوال، كما وصفها البعض وتشير إليها التحركات الدولية.

التحركات الكبيرة والفعالة التي قام بها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بهدف تهدئة حدة الصرع بين موسكو وكييف ومن خلفها “الناتو”، أثارت حفيظة البعض، حيث أجرى عدة اتصالات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى اتصالات واسعة مع عدد من زعماء “الناتو” والرئيس الأوكراني.

وفي خضم المزاعم الكثيرة التي خرجت من زعماء حلف شمال الأطلسي التي ادعت فيها، حشد روسيا قواتها “لغزو أوكرانيا”، الأمر الذي نفته موسكو مرارا وتكرارا جملة وتفصيلا، إلا أن ضوءا واحدا وظهر في ظلمة نفق هذه الأزمة منذ اشتعال فتيلها.

قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية، غابرييل أتال، في تصريحات أدلى بها اليوم، إن جهود ماكرون قد أحرزت تقدما كبيرا في الأسابيع الأخيرة “خاصة خلال اجتماع المستشارين السياسيين في باريس بزعماء دول نورماندي الأربعة”، وهم روسيا وأكرانيا وألمانيا وفرنسا.

وعلى الرغم من أن تصريحات قادة حلف “الناتو” كانت تصعيدية، إلا أن أفعال ماكرون، كانت تسير باتجاه آخر، كما بدا في الأيام الأخيرة، حيث صب زعيم الإليزيه كل جهوده لإحراز تهدئة وحل أزمة، لا تحمد عقباها إذا استمرت واشنطن بمساعيها.

ماكرون يدعو إلى تحييد واشنطن… واتهامات بالوقف إلى جانب موسكو

أحدثت تصريحات ماكرون الكثير من التساؤلات بين أعضاء “الناتو”، عندما دعا إلى “حوار خاص بين أوروبا وروسيا بدلا من الاعتماد على واشنطن”، محذرا من احتمال وقوع “أكثر الأمور مأساوية على الإطلاق – الحرب”، مشيرا إلى أن أوروبا بحاجة إلى “إسماع صوتها”، أي بشكل أوضح، أن يكون لها صوت في المجتمع الدولي، بحسب “ذا غارديان”.

التصريحات كانت مفاجئة للبعض أو “مستفزة”، حيث اعتبرها بعض النقاد، مثل المقال المنشور في صحيفة “نيويورك تايمز”، للكاتب روجر كوهين، أنه ينحاز بشكل واضح إلى موسكو، ويغرد بعيدا عن سرب “الناتو” والذي أشار إلى أن ماكرون ” كان واضحا في رفضه للتحالف الغربي والميل نحو موسكو بشكل مذهل”، حيث أكد الكاتب أن ماكرون يحاول جعل نفسه “نقطة ارتكاز دبلوماسية لحل أزمة مستقبل أوروبا” قبيل الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان المقبل.

خط رفيع… لكنه أكثر أمنا بحسب التجارب

اعتبر الكاتب في مقاله أن ماكرون يسير بهذه الخوات على “خط رفيع” جدا، أي غير مضمون، لكن ماكرون، ربما أعاد حساباته، بعد سلسلة “طعنات في الظهر” تلقاها من بعض أعضاء الحلف الذي تنخرط بلاده فيه، بالإضافة إلى دراسته لواقع بلاده الحالي على الخارطة الدولية والأوروبية.

باريس تلقت “طعنات في الظهر” من أعضاء في “الناتو”

قد تكون تصريحات الرئيس الفرنسي، مؤشرا على ما يجول في كنف الدبلوماسية الفرنسية الداخلية من نقاشات، حيث اعتبر ماكرون في تصريحات سابقة أن عددا من القرارات الأمريكية تسببت في “اضطراب استراتيجي”، مشيرا إلى أنه كان هناك “شك في لحظة معينة حول جودة المادة 5″، وهي جزء محوري من معاهدة الناتو التي تنص على أن الهجوم على أي دولة عضو يتم اعتباره “هجوما على جميع الأعضاء”، مشيرا إلى ضرورة صياغة “نظام أمني جديد في أوروبا”.

أزمة الغواصات “جرح لم يلتئم بعد” وخسارة كبيرة لباريس

يمكن القول بأن أزمة الغواصات التي وصفها ماركون بـ”الطعنة في الظهر”، ما تزال دماؤها تنزف في أروقة الإليزيه، حيث تسببت الحادثة بأزمة كبيرة بين عدد من الأقطاب الدولية الكبرى على رأسها أمريكا وفرنسا وأستراليا، وهزَّت مفاصل أكبر تحالف عسكري عالمي “الناتو”.

“شكلت هذه الخسارة المؤلمة لباريس، والتي بلغت قيمتها المالية حوالي (50 مليار دولار)، جرحا بليغا في جسد الاقتصاد الفرنسي الذي عانى في الأعوام الأخيرة من مشكلات جوهرية تسببت بأزمات داخلية عميقة مثل مظاهرات “السترات الصفر”.

أزمة “الأسماك” بين فرنسا وبريطانيا تزيد من الأمعاء الخاوية في باريس

كاد أن يشعل الخلاف بين فرنسا وبريطانيا أزمة طويلة جدا بين البلدين، وصل إلى حد “التلويح بالحرب” بين البلدين الأوربيين، الأمر الذي عمق الخلاف الأوروبي بين الدولتين حول الحدود البحرية في بحر المانش، حيث وجّهت فرنسا رسالة تحذير شديدة إلى بريطانيا خلال أزمة الصيد بين البلدين، مؤكدة أنها ستستخدم القوة إضافة إلى مجموعة من العقوبات يمكن أن تؤثر على إمدادات الطاقة إلى لندن، بينما أمهلت بريطانيا، فرنسا 48 ساعة، للتراجع عن تهديداتها، محذرة من اتخاذ إجراء قانوني بشأن مباحثات النزاع المنصوص عليها في اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي.

أزمات عربية بعيدة عن “الناتو” لكنها حساسة اقتصاديا

اعتبرت باريس نفسها طرفا لاعبا في حقبة “الربيع العربي”، تلك المرحلة التي راهن عليها الكثيرون، لكن النتائج لم تكن كما توقعها اللاعبون العالميون، خصوصا في ليبيا، التي راهنت عليها فرنسا، وسوريا ولبنان، لكن الضربة القاسية كانت من الجزائر.

الجزائر ضربة قاسية لفرنسا وماكرون “كالند للند”

كان رفض الجزائر للوساطة الفرنسية فيما يخص أزمتها معلا المغرب “ضربة قاسية” للسياسة الفرنسية ولماكرون الذي قال في أحد لقاءاته “أنا شخصيا كان لي حوار جيد مع الرئيس (الجزائري عبد المجيد) تبون، لكنني أرى أنه عالق داخل نظام صعب للغاية”.

“لم يتوقع الرئيس الفرنسي عندما شكك بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، أن يستقبل ردا جزائريا حازما، حيث وضع الرئيس عبد المجيد تبون، شرطا أساسيا لعودة العلاقات وهو التعامل على أساس “الند للند”، لتخرج فرنسا خاسرة وتتراجع خطوة إلى الخلف، سياسا واقتصاديا”.

باريس “رأس حربة” بحرب بدأتها في ليبيا وحصدت نتائجها واشنطن وأنقرة

وضعت باريس نفسها في الحرب التي خاضها الناتو كـ”رأس حربة”، حيث كان لها دورا فاعلا في المعركة ضد الرئيس الراحل معمر القذافي، لكن من حصد هذه النتائج كان “المتفرجون”.

وعند النظر إلى خارطة الجهات الفاعلة في ليبيا، سنشهد دورا أمريكيا واضحا في السياسة والنقط، يتمثل بالسفيرة الأمريكية، ستيفاني ويليامز، أما بالنسبة إلى حكومة طرابلس، فعززت علاقاتها بشكل كبير مع أنقرة، لتكون باريس كـ”أضحية” استخدمت فقط عند الحاجة.

سوريا ولبنان… خسارة “قلب العالم العربي ووتره الحساس”

لم تنته أزمات باريس على الجانب الغربي من الوطن العربي، بل الأزمة على الجانب الشرقي، ربما أكثر عمقا، حيث تسبب موقف باريس من الأزمة السورية، بكسر العلاقة الودية القديمة بين دمشق وباريس، حيث تعتبر دمشق من أهم ركائز المنطقة خصوصا بالنسبة للبنان، الدولة التي لطالما رعتها فرنسا.

تسببت السياسة الفرنسية في سوريا ولبنان، بخروج دورها في المنطقة بشكل كامل، خصوصا في بيروت، وعلى الرغم من الصورة الجميلة والعاطفية التي جمعات ماكرون وسيدة الغناء العربي فيروز بعد تفجير مرفأ بيروت، إلا أنها لم تساعد زعيم الإليزيه على تنفيذ بند واحد من خطته لإنقاذ للبنان، حيث لم تلق كلماته وتهديداته آذانا صاغية.

يعمل ماكرون جاهدا على إيجاد دور محوري له بعيدا عن أمريكا والعالم العربي، حيث لم يستطع تحقيق أي تقدم على جميع هذه المحاور المشابكة، الأمر الذي ربما أجبره على إعادة ترتيب “البيت الأوروبي الداخلي”، من جهة، والتقرب من الرئيس الروسي من جهة أخرى، حيث تلوح في الأفق، تحالفات كبيرة، على الجانب الآخر من الكوكب، مع عملاق الاقتصاد الصيني، الأمر الذي قد يفتح لقصر الإليزيه أبوابا أخرى أكثر مصداقية من حلفاء “الناتو”، خصوصا على الصعيد الاقتصادي.

Share this Article