الصحافة التي يمولها القارئ.. الصحافة الحقيقية … بقلم :غلين غرينوالد

2013/06/19
Updated 2013/06/19 at 11:23 صباحًا

201185

 تناضل العديد من منافذ الأخبار في جميع أنحاء العالم، في عصر الإنترنت، من أجل العثور على نموذج مستدام اقتصادياً لدعم الصحافة الحقيقية. وكانت النتائج، بما في ذلك للبعض من كبرى هذه المؤسسات، التسريح الكبير للعاملين، وإغلاق المكاتب، والاعتماد المتزايد على طفرات يومية من المواضيع القصيرة التافهة التي تصنع حركة على مواقعها -والأسوأ من ذلك كله، انخفاض حاد في رغبتها وقدرتها على دعم استمرار صحافة استقصائية مستدامة. والآن، تقوم جميع أنواع المواقع الصحفية الأصغر حجماً -من الصحف المحلية إلى مواقع المداخلات السياسية المستقلة- بتكريس جزء كبير من طاقاتها من أجل البقاء واقفة على قدميها، أكثر مما تبذل من الجهد لإنتاج صحافة -بل إنها في كثير من الحالات، لم تعد موجودة، ببساطة.
وفي واقع الأمر، تأثرت جميع جوانب الصحافة سلباً من هذه الصعوبات. وبطبيعة الحال، تصيب المعاناة الاقتصادية عدداً لا نهاية له من العوالم الأخرى التي تمتد فيما وراء الصحافة. لكن هناك مخاطر خاصة وجدية عندما لا تستطيع الصحافة الحقيقية العثور على وسيلة لتمويل نفسها.
فيما تصبح مراكز القوة المالية الحكومية والخاصة أكبر حجماً، وأكثر سرية، وأقل عرضة للمساءلة، فإن واحدة من الآليات القليلة المتبقية للتدقيق والتحقيق في هذه المراكز ومقاومتها -الصحافة الناقدة- تستمر في الذهاب إلى مزيد من الضعف. وفي واقع الأمر، يُلاحَظ العديد من هذه المنافذ الكبيرة من وسائل الإعلام التي تناضل من أجل البقاء، لم تعد تنتج صحافة ناقدة جديرة بالاهتمام، ولم تعد مهتمة حتى بإنتاجها، ولو أن البعض منها ما تزال تقوم بذلك. وبالنسبة لكيان واسع مثل الحكومة الأميركية والطغمة المالية الحاكمة التي تتحكم في هذه المنافذ -بمنصاتها الدعائية القوية وقوتها المالية التي لا حدود لها- فإنه لا يمكن سوى لصحافة قوية، صحية وممولة تمويلاً جيداً، أن توفر معارضة ذات معنى.
لعدة سنوات، كنت مقتنعاً تماماً أن هناك حلاً واحداً يتسم بالقوة على نحو فريد لهذا كله: صحافة مدعومة من القارئ. وينتج هذا النموذج العديد من الفوائد المهمة. إنه يحرر الصحفيين الجيدين من القيود التي يفرضها واقع الاعتماد الحصري على المعلنين من الشركات والمؤسسات الإعلامية. وهو يمكن الصحافة التي تعمل حقاً من أجل المصلحة العامة -والتي تشارك قراءها وتزودهم بالمعرفة وتلهمهم فعلياً- من أن تكون مسؤولة أمام أولئك القراء في المقام الأول.
بالإضافة إلى ذلك، تقوم الصحافة المدعومة من القارئ بدمقرطة الخطاب السياسي، وبإدراج وجهات النظر التي كانت ستستبعد بخلاف ذلك؛ وهي تفعل ذلك من خلال تمويل منبر لأولئك الذين يرغبون في تغطية القضايا والترويج لوجهات النظر التي لا تلقى الترحيب من معظم شركات التكتلات الكبيرة. وهي توفر بديلاً حاسماً للمسار المهني الأسهل المتوفر للصحفيين لكسب لقمة العيش: العمل لدى، وخدمة أقوى وأغنى الشركات. وبموجب هذا النموذج، يكون الصحفيون الذين ينظر الناس إليهم على أنهم يقدمون قيمة عامة حقيقية، هم الذين يحصلون على الدعم.
ربما يكون الأهم من ذلك كله، هو أن هذا النموذج يرتقي بالعمل الصحفي إلى مشروع جماعي، حيث يتم استثمار القراء في استعادة النقد الذي توفره الصحافة الجيدة ضد المؤسسات القوية. ويصبح القراء جزءاً من هذه الصحافة ومن القضايا التي تدافع عنها، بدل أن يكونوا مجرد متلقين سلبيين لمونولوج يذهب في اتجاه واحد. وخلاصة القول، من المهم أن يتم تمويل الصحافة، ليس من جهة مصالح الشركات الكبيرة ذات الأجندات المتجانسة فقط، وإنما أيضاً من جهة المواطنين المتكاتفين كذلك.
وليس هذا النموذج جديداً تماماً. كان الصحفي المستقل العظيم آي. إف ستون قادراً على إنتاج نشرته التي تخطف الأنفاس في الخمسينيات والستينيات، فقط نتيجة لدعم القارئ. وكان الدافع وراء ظهور مواقع المداخلات السياسية في بداية العقد الماضي، والتي أنتجت فعلياً عدة أصوات فريدة من نوعها وكان لها بعض التأثير الحقيقي والأصيل على الخطاب السياسي، يعود في جزء منه إلى بعض الإعلانات، وإنما كان يعود في كثير من الحالات إلى تبرعات القراء السنوية في المقام الأول؛ وهي ما تزال كذلك في حالات كثيرة أيضاً. وقد اعتمدت أشكال مختلفة من محطات الإذاعة والتلفزة العامة طويلاً على التبرعات الطوعية، وما تزال المجلات السياسية من “موذر جونز” إلى “ناشيونال ريفيو” تفعل ذلك.
حققت صحيفة نيويورك تايمز نجاحاً كبيراً في الاعتماد على التبرعات الطوعية للقراء. ويلاحظ أن الاشتراك في “المحتوى مدفوع الثمن” لديها قابل تماماً، بالتصميم، للاختراق بسهولة من قبل أي شخص يبذل الحد الأدنى من الجهد، لأن هذا النموذج هو في الحقيقة وسيلة لتطلب الصحيفة من قرائها دعم صحافتها طوعاً بالتبرعات. وقد أسفرت جهود أندرو سوليفان هذا العام للاعتماد حصراً على دعم قارئ عن هذا الاهتمام الإعلامي الكثيف على وجه التحديد، لأن الجميع يعرفون أن الصحافة المدعومة من القارئ هي النموذج الوحيد الواعد لتمكين أنواع مختلفة من الصحافة من الوجود.
منذ أن بدأت الكتابة السياسية، اعتمدت على التبرعات السنوية لتمكيني من ممارسة الصحافة التي أريدها: أولاً عندما كتبت في صفحتي الخاصة “بلوغسبوت” ثم في موقع “صالون”. والآن وفي كل الأوقات، كان ذلك هو العامل الأساسي الذي يمكنني من البقاء مستقلاً -أن لا أكون مقيداً فيما يمكن أن أقوله وأفعله- لأنه يعني أنني مسؤول في نهاية المطاف أمام قرائي الذين ليست لديهم أي أجندة أخرى سوى مطالبتي بأن أكتب ما أعتقده حقاً، وبأن لا يكون العمل الذي أنتجه مقيداً بالمعتقدات التقليدية المؤسسية المتزمتة، وبدون الخوف من أي رد فعل سلبي من أي شخص. كان دعم القارئ أيضاً هو الذي موّل الكثير من العمل الذي أقوم به مباشرة، من توفير القدرة على استخدام مساعدي البحوث والموارد الأخرى اللازمة لتجنب الاضطرار إلى القيام بذلك النوع من العمل غير المتساوق، الذي يصرف الانتباه عن العمل الذي أعتقد بأنه الأكثر ضرورة وقيمة.
لهذا السبب، عندما نقلت موقع مداخلاتي من “صالون” إلى صحيفة الغارديان، اتفقنا أنا والغارديان على أن أستمر في الاعتماد جزئياً على دعم القارئ. وكان هذا الجزء من الترتيب، بدلاً من الاعتماد حصراً على الغارديان في الدفع لنشر عمودي، أمراً حيوياً وحاسماً بالنسبة لي. إنه النموذج الذي أؤمن به حقاً.
إنه عنصر لا غنى عنه في استقلالي. وهو يتيح لي العمل على نحو أكثر فعالية بكثير عن طريق تحصيل الموارد التي أحتاجها، وصرف وقتي فقط على العمل الذي أعتقد فعلاً بأنه يمكن أن يكون له تأثير. وهو ترتيب يبقي قرائي مُستَثمَرين في العمل الذي أقوم به، ويبقيني مسؤولاً أمامهم. وهذا هو ما يتيح لي معرفة أنني سأكون قادراً على مواصلة التركيز على القضايا وتطوير وجهات النظر التي أعتقد أنها حيوية، بغض النظر عن الطرف الذي يمكن أن يقلقه ذلك. وكنت قد قضيت كل هذا الأسبوع وأنا أتنقل وأعمل بكثافة وبشكل مستمر على ما سيكون قصة كبيرة: وهو شيء أصبح ممكناً من خلال كوني أعمل في صحيفة الغارديان أولاً، وإنما أيضاً من خلال قدرتي على تكريس كل وقتي وجهودي لمشاريع من هذا القبيل.
في الوقت الحالي، ليست هذه هي الطريقة التقليدية التي يتم بها تمويل الصحافة في دوائر المؤسسات الراسخة، لكنني مقتنع بأنها الطريقة الأفضل. وبالنسبة لحقل يناضل بشدة، وسواء كان المتشغلون به يريدون ذلك أم لا، فإن هذا هو الطريق إلى المستقبل: المستقبل على المدى القصير، وهو ما أعتقد بأنه تطور إيجابي للغاية. إنني ممتنّ حقاً لجميع القراء الذين يقضون وقتهم في زيارة موقعي هنا، كما يغمرني الامتنان لأولئك الذين دعموا العمل الذي أقوم به في الماضي. أما أولئك الذين يرغبون في القيام بذلك هذا العام، فيمكنهم أن يفعلوا ذلك هنا.

(الغارديان) ترجمة: علاء الدين أبو زينة الغد الاردنية.
*
نشر هذا الموضوع تحت عنوان:
Reader-funded journalism

ala.zeineh@alghad.jo

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً