فخ الاضطرابات في الشرق الأوسط … بقلم :خافيير سولانا

2013/07/31
Updated 2013/07/31 at 12:03 مساءً

206471
مدريد يبدو أن حالة عدم الاستقرار تواصل الانتشار في الشرق الأوسط، حيث يأتي الانقلاب العسكري في مصر كحدث أخير يتسبب بهزات سياسية في مختلف أنحاء المنطقة. وتبقى مصر، بكتلتها السكانية الضخمة (85 مليون نَسَمة) وموقعها ذي الأهمية الاستراتيجية البالغة، الدولة الأكثر أهمية على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط. ولذلك، تشكل مواصلة عملية التحول الديمقراطي التي بدأت هناك في العام 2011 ضرورة ملحة.
أثبتت حكومة الإخوان المسلمين الإسلامية بقيادة محمد مرسي بوضوح تام عدم كفاءتها وعجزها عن ضمان انتقال ديمقراطي شامل. ولكن الحل الذي قدمته المؤسسة العسكرية في مصر بعيد عن المثالية. فالانقلابات تميل دوماً إلى تعقيد المشاكل، وليس حلها، وليس هذا الانقلاب استثناء.
كانت النتيجة الأولى هي أن المجتمع المصري أصبح أكثر انقساماً حول مسألة الشرعية السياسية. ويستشهد أنصار مرسي بشرعية فوزه في انتخابات ديمقراطية قبل عام واحد -وعدم شرعية الانقلاب الذي قام به الجيش واحتجاز الرئيس المخلوع- في حين يدافع معارضوه عن شرعية الاحتجاجات الحاشدة التي انطلقت ضده في طول البلاد وعرضها.
لقد حاولت جماعة الإخوان المسلمين الذهاب شوطاً بعيداً للغاية وبسرعة كبيرة، فتسببت بأجندتها الإسلامية في وضع مؤسسات الدولة الحساسة -الجيش والقضاء بالتحديد- تحت ضغوط شديدة، واصطدمت بمطالب التحديث الليبرالية من جانب معارضيها. وقد احتفت حركة تمرد، التي نظمت الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بمرسي، بالقرار الذي اتخذته المؤسسة العسكرية بالتدخل.
وهذه السابقة خطيرة من دون شك بالنسبة لديمقراطية وليدة. ولا بد أن يكون الإسلاميون ممثلين من أجل ضمان عدم تخليهم عن صناديق الاقتراع كوسيلة لتحقيق أهدافهم. ولا يستطيع الإسلاميون ولا القائمون على المؤسسة العسكرية أن يبنوا نظاماً جديداً ضد إرادة جزء كبير من السكان. وعلى الرغم من أداء مرسي الهزيل في المنصب -حيث أشرف على عام كامل من التدهور الاقتصادي الخطير- فإن التوصل إلى حل يخدم قضية الاستقرار الوطني والإقليمي كان يمكن أن يكون أفضل بكثير.
وفي المقابل، فإن الانقلاب الذي أتى بعد عام واحد من تشكيل حكومة منتخبة -وبعد بضعة أشهر من اللقاء الذي تم بين وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون ومرسي لوضع نهاية للأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة- قد يؤدي إلى إحباط عظيم لدى الإسلاميين في مختلف أنحاء المنطقة. والواقع أن الموقف الجيوستراتيجي في المنطقة تغير مرة أخرى منذ اللقاء بين كلينتون ومرسي، وكانت استجابة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي متأخرة وغير مستقرة (برغم ما تشكله منطقة البحر الأبيض المتوسط من أهمية بالغة بالنسبة لهما). وليس من الواضح من هو الحليف ومن هو غير ذلك. ويتعين على الاتحاد الأوروبي بشكل خاص أن يتعامل مع المنطقة بسياسات أشد وضوحاً وأفضل تنسيقاً وأكثر فعالية.
بعيداً عن الوضع الداخلي، تواجه مصر مشكلة ملحة أخرى. فالمصريون يعتمدون على نهر النيل، وقد شرعت أثيوبيا في بناء سد الطاقة الكهرومائية الذي سيكون الأضخم على الإطلاق في أفريقيا عندما يتم. وما تزال أعمال المشروع مستمرة على قدم وساق، على الرغم من الاعتراضات القوية من الجانب المصري -والتهديد بالتدخل العسكري. وإذا تم بناء السد وفقاً للمخطط، فإن حجم المياه التي تتدفق إلى الشمال قد يقل بنسبة 20 %، وهو ما من شأنه أن يعرض الزراعة المصرية وأرزاق الملايين من الناس للخطر.
قد يؤدي الانقلاب الأخير في مصر إلى عواقب إقليمية خطيرة أيضا. فسورية ما تزال غارقة في حرب أهلية دامية حصدت حتى الآن أرواح أكثر من مائة ألف إنسان. وقد احتفل نظام الرئيس السوري بشار الأسد بسقوط حكومة الإخوان المسلمين في مصر، وهو يسعى الآن إلى استخدام فشل مرسي وإزاحته كمبرر لممارساته القمعية في الداخل، الأمر الذي يزيد من صعوبة إيجاد حل سياسي ينهي القتال في سورية. ومن المرجح أن تصبح المعارضة السورية التي تتألف من جماعات وتيارات شديدة الاختلاف -بما في ذلك تنظيم القاعدة- أكثر راديكالية وتطرفاً بعد الإطاحة بمرسي. وبالنسبة لحماس التي تربطها علاقات قوية بجماعة الإخوان المسلمين، فإن الانقلاب يعني خسارة الدعم المصري، وهو ما يعني أيضاً أن تكون إسرائيل واحدة من الدول الأكثر استفادة من الانقلاب.
من جهتها، ظلت قطر، التي كانت الحامية الرئيسية لمرسي (بتزويده بخط ائتماني سخي) والتي تعيش هي نفسها في خضم عملية انتقال سياسي الآن، بعيدة عن الاضطرابات في مصر. وأصبح الصدع بين الأنظمة الملكية في الخليج أكثر وضوحاً، مع مسارعة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تمويل حكومة ما بعد الانقلاب في مصر.
أما تركيا، التي كثيراً ما أعلنت نموذجها الديمقراطي الإسلامي هدفاً للدول الأخرى ذات الأغلبية الإسلامية التي تسعى إلى التغيير الديمقراطي، فخرجت خاسرة هي أيضاً نتيجة للانقلاب في مصر. فقد سعت السياسة الخارجية التركية إلى إنشاء نظام إقليمي، بمشاركة الأنظمة الإسلامية السُنّية الأخرى، بما يتفق مع مصالح البلاد. ومن الواضح أن مصر كانت الجزء الأكثر أهمية في هذه الاستراتيجية، وقد أثار عدم الاستقرار السياسي في مصر تساؤلات عِدة، ليس فقط حول النموذج السياسي التركي، بل وأيضاً حول أمن مصالح تركيا الاقتصادية.
ويشكل مستقبل إيران مسألة أخرى ذات أهمية إقليمية عظيمة ما تزال بلا حل، وتظل معلقة إلى أن يتولى الرئيس الجديد حسن روحاني منصبه. ولم يكن من المشجع على الإطلاق أن لا نرى أي بادرة جادة نحو إيران من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ فوز روحاني بالانتخابات في حزيران (يونيو).
باختصار، يبدو أن الشرق الأوسط يغوص إلى أعماق أبعد في مستنقع الاضطرابات، ونحن الآن أبعد ما نكون عن إيجاد حل في سورية ومصر وغيرهما من المصادر الرئيسية لعدم الاستقرار الإقليمي في المنطقة. والواقع أن هناك الكثير من الإعراب عن الضيق والأسى كثير، وإنما القليل جداً من التفكير الجدي فيما يتصل بكيفية تعزيز أمن المنطقة ودعم اقتصادها ونموذجها الاجتماعي.
*
كان ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى لشؤون السياسة الخارجية والأمن، والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي، ووزير خارجية أسبانيا. ويشغل حالياً منصب رئيس مركز إيساد للاقتصاد العالمي والجغرافيا السياسية، وهو زميل متميز لدى معهد بروكنجز.
*
خاص بـ الغد، بالتعاون مع خدمة “بروجيكت سنديكيت،” 2013.

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً