المشاركة السياسية في منظمة التحرير على قاعدة الالتزام بالوطنية الفلسطينية ..بقلم: د. إبراهيم أبراش

2013/11/14
Updated 2013/11/14 at 10:56 صباحًا

f8308db15d13c7a0dfcceb82b6ecff86


(استلهام تجربة الولادة الثانية للمنظمة 1968)

بعد سنوات من تهميش وتغييب منظمة التحرير الفلسطينية اتفقت الفصائل والأحزاب على فتح ملف منظمة التحرير والعمل على إعادة بنائها وتفعيلها، وهذا ما أكدت عليه كل التفاهمات وأوراق المصالحة الفلسطينية – إعلان القاهرة يناير 2005، وثيقة الوفاق الوطني مارس 2006،الورقة المصرية للمصالحة ديسمبر 20011 وأخيرا اتفاق الدوحة 2012- . لكن التحولات الداخلية والعربية والدولية ، والاتفاقات السياسية التي وقعتها منظمة التحرير مع إسرائيل والتحولات الكبيرة التي جرت على نخبة منظمة التحرير والقيادة السياسية ،وصدور قرار بدولة فلسطينية بصفة مراقب، الخ ، كل ذلك يضع تحديا كبيرا أمام استنهاض المنظمة سواء من حيث بنيتها وتشكيلاتها أو من حيث أهدافها ووظيفتها.

الاستنجاد بمنظمة التحرير اليوم مرجعه أنها إطار استطاع توحيد الشعب الفلسطيني في فترة سابقة ولأنها تحضا بصفة تمثيلية عربية ودولية،ولكن التغيرات في الجغرافيا والأيديولوجيا والسياسة يجعل منظمة التحرير الأولى بمفرداتها الثلاث: منظمة ، تحرير، وفلسطين، لا تنطبق على واقع حال المنظمة الراهن أو منظمة التحرير المأمولة،حيث لم تعد المنظمة تمارس أو قادرة على ممارسة دورها بتنظيم كل الشعب وتعبئته لا داخل فلسطين ولا خارجها، ولم تعد المنظمة تمارس أو قادرة على ممارسة دورها كحركة تحرر وطني تمارس الكفاح المسلح لتحرير فلسطين ، كما أن فلسطين التي تم التوافق حولها بين الفصائل ليست فلسطين التي يتحدث عنها الميثاق – من البحر إلى النهر – بل فلسطين حسب قرارات الشرعية الدولية وربما حسب ما ستتمخض عنه المفاوضات.

لا يعود افتقاد المنظمة للقدرة على التحكم في الأمور وتوجيهها وفي الحفاظ على قوة الدافعية والتمثيل التي كانت عليه إلى ظهور أحزاب من خارجها تنازعها تمثيل الشعب الفلسطيني ، بل يعود لخلل بنيوي ووظيفي سابق في المنظمة تعزز بعد قيام السلطة 1994 ثم مع الانقسام 2007 ، الأمر الذي يتطلب في بحث الإشكالات الداخلية المنظمة قبل بحث وسائل إدماج حركتي وحماس والجهاد ، وإعادة النظر في التلازم والاشتراط ما بين إعادة بناء وتفعيل المنظمة وإنهاء الانقسام المرتبط بالصراع على السلطة ،كذلك الخروج من اشتراط إعادة بناء وتفعيل المنظمة بإجراء انتخابات مجلس وطني ومجلس تشريعي ورئاسية ،وخصوصا أنه لم يحدث في تاريخ المنظمة أن تم انتخاب أعضاء المجلس الوطني والظروف الفلسطينية والعربية اليوم ليست أفضل حالا من الماضي،أيضا التفكير الجاد إن كان يجب إعطاء الأولوية لإعادة بناء وتفعيل المنظمة أم العمل على تحويل القرار ألأممي بالاعتراف بفلسطين دولة مراقب إلى ممارسة سيادية على الأرض من خلال الاشتباك المباشر مع الاحتلال بدلا من العودة مجددا للمفاوضات. ومع ذلك فإن استنهاض المنظمة لتمثل الكل الفلسطيني وتلملم الحالة الوطنية المنقسمة على ذاتها ،يبقى الممكن الفلسطيني في ظل المتغيرات وموازين القوى الراهنة.

استحضار بدايات تأسيس منظمة التحرير ضروري لأنه سيخفف من حالة اليأس والإحباط التي تنتاب البعض تجاه إمكانية إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني سواء اخذ تسمية منظمة التحرير أو غيرها من التسميات، فالظروف التي عاصرت تأسيس المنظمة وما صاحب ذلك من جدل وما دهم المنطقة من أحداث – حرب حزيران 1967- تتشابه نسبيا مع الظروف التي نعيشها اليوم،فالمنظمة ظهرت عام 1964 وسط خلافات عربية عربية وصراعات حزبية وعقائدية – قومية وشيوعية ووطنية – وكانت كثير من الأحزاب الفلسطينية خارج المنظمة ،أيضا كانت غزة والضفة تحت الاحتلال كما هو الحال اليوم ،ومع ذلك فإن الإرادة بإحياء الوطنية الفلسطينية استطاعت التغلب على كل العقبات وتمكن الوطنيون الفلسطينيون من إخراج الشعب الفلسطيني من حالة التيه والوصاية المفروضة عليه، وتم إعادة بناء المنظمة وتصحيح مسارها في ولادتها الثانية عام 1968 لتستوعب كل القوى الفلسطينية وتتحرر من وصاية الأنظمة والإيديولوجيات العربية الرسمية.

القوى الفلسطينية الجديدة – حماس والجهاد – فرضت حضورها في المشهد السياسي نتيجة ممارستها العمل الجهادي – كما جرى مع حركة فتح والفصائل الفدائية منتصف الستينيات – وهو الأمر الذي يبرر مطالبتها بالمشاركة في القرار الوطني والمشاركة في تمثيل الشعب الفلسطيني ،وهذا من حقهما إن التزمتا بالوطنية الفلسطينية مرجعية وهوية وانتماء . لذا نتمنى أن يتم الاشتغال على إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير دون انتظار أو الخضوع للمتغيرات العربية من حولنا ،ودون ربط ذلك بإجراء انتخابات متزامنة للمجلس الوطني وللمجلس التشريعي وللرئاسة ،فلإنهاء الفصل بين غزة والضفة وإعادة توحيدهما في إطار سلطة وحكومة واحدة استحقاقات وشروط ليس الفلسطينيون وحدهم اللاعب الوحيد فيها، بينما يمكنهم الاشتغال على إعادة بناء وتفعيل المنظمة بتحرر من الشروط والضغوط الخارجية.

المحور الأول : منظمة التحرير إطار وحدوي جبهوي قائم على التوافق والتراضي

1- منظمة التحرير كتعبير عن الوطنية الفلسطينية الجامعة

لم يكن سر قوة منظمة التحرير منذ بداياتها الأولى يكمن في قوتها العسكرية بل في قوتها المعنوية والرمزية حيث شكلت منظمة التحرير إطارَاَ جبهوياَ عريضاَ مثل كل طبقات وشرائح الشعب الاجتماعية والسياسية وعبرت عن طموحاتهم،وحتى الفصائل والقوى التي كانت تعارض نهج المنظمة لم تكن تنكر الصفة التمثيلية لها، فمنذ تأسيسها جسدت التعددية والشراكة السياسية بصورة مبدعة لم تعرفها أية من الدول العربية التي كانت تعيش في ظل أنظمة الحزب الواحد أو أنظمة ملكية لا تعرف التعددية والشراكة السياسية .لم تكن الشراكة السياسية مؤسسة على ما تفرزه صناديق الانتخابات ولم تقم على المصالح والسعي للمنافع، بل كانت مشاركة في التضحية والعطاء ومشاركة في القرار الوطني،ما منح المنظمة قوة الحضور والتمثيل الفلسطيني هو قدرتها على استيعاب أحزاب بمرجعيات أيديولوجية قومية وماركسية دون اشتراط تخلي هذه الأحزاب عن أيديولوجياتها أو علاقاتها الخارجية ،ولكن في المقابل وطنت الأحزاب أيديولوجيتها لتصبح جزءا من المشروع الوطني .

منذ قيام منظمة التحرير عام 1964 فرضت نفسها محليا وعربيا ودوليا كتجسيد للكيانية والهوية الوطنية الفلسطينية وأصبحت المنظمة بمثابة البيت لكل الفلسطينيين ،والنظام الذي يستوعب كل الفصائل والأحزاب والجمعيات بغض النظر عن إيديولوجيتها وسياستها ما دامت تلتزم بالإستراتيجية الوطنية وهي إستراتيجية المقاومة ،وهذا ما نصت عليه المادة 8 من الميثاق الوطني حيث جاء فيها ” المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي مرحلة الكفاح الوطني لتحرير فلسطين ولذلك فإن التناقضات بين القوى الوطنية هي من نوع التناقضات الثانوية التي يجب أن تتوقف لصالح التناقض الأساسي فيما بين الصهيونية والاستعمار من جهة وبين الشعب العربي الفلسطيني من جهة ثانية،وعلى هذا الأساس فإن الجماهير الفلسطينية سواء من كان منها في ارض الوطن أو في المهاجر تشكل منظمات وأفرادا جبهة وطنية واحدة تعمل لاسترداد فلسطين وتحريرها بالكفاح المسلح.”

بالرغم من أن تأسيس المنظمة كان في عام 1964 إلا أنها لم تأخذها صفتها الوطنية إلا في عام 1968 ،قبل ذلك كانت تابعة للدول العربية فقد تم تأسيسها بقرار من جامعة الدول العربية وهذه الأخيرة هي التي عينت السيد احمد الشقيري رئيسا للمنظمة،وكانت ميزانيتها من الدول العربية وجيش التحرير الذي تم تشكيله آنذاك كان تابع للقيادة العربية المشتركة،حتى ميثاق المنظمة كان يسمى (الميثاق القومي الفلسطيني ) ،وكان المجلس الوطني الأول في غالبيته مشكل من شخصيات مستقلة من كل أماكن الشتات الفلسطيني ويمثلون كل شرائح وطبقات الشعب الفلسطيني ،وقد أختارهم احمد الشقيري بما يرضي الحكومات العربية وهو الأمر الذي أثار حفيظة بعض القوى الثورية الفلسطينية .

نظرا لخصوصية تأسيس منظمة تمثل شعبا جزءا منه يعيش تحت الاحتلال وغالبيته يعيش في الشتات، فلم يكن ممكنا اللجوء للانتخابات بهذا الشأن وخصوصا أن الدول العربية نفسها التي رعت تأسيس المنظمة لم تكن ديمقراطية وبالتالي لا تؤمن بالانتخابات ، كما أنه لم يكن هناك إجماع عند الفلسطينيين حول جدوى إنشاء منظمة تحت رعاية عربية ، ومع ذلك لجأ أحمد الشقيري الذي أسندت له جامعة الدول العربية أمر تأسيس منظمة التحرير إلى إجراء اتصالات مكثفة وتشكيل لجان في كل مناطق الشتات لاختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الأول الذي عُقد في مدينة القدس وكان عدد أعضاء المجلس 397 عضوا ،وكانت الطريقة المتبعة أن شكلت في مرحلة أولى لجان تحضيرية من جميع الأقطار العربي المضيفة للفلسطينيين،وبعد ذلك تم تشكيل لجنة للتنسيق – كان عدد أعضائها 35- بين هذه اللجان للتأكد من مراعاة تمثيل الذين تم اختيارهم لمختلف التجمعات والفئات والمهن .

طوال أربع سنوات (1964- 1968) لم يتعامل الشعب الفلسطيني بجدية مع منظمة التحرير وكان الوطنيون الفلسطينيون والمنتسبون للأحزاب القومية ينظرون لها باعتبارها أداة في يد الأنظمة العربية لكبح الوطنية الفلسطينية الصاعدة و المتمثلة في حركة فتح وفي مواجهة التيار الثوري العربي – حزب البعث وحركة القوميين العرب – وخصوصا أن عبد الناصر الذي كان وراء الدعوة لإنشاء منظمة التحرير كان على خلاف مع هذين الحزبين، ففي المؤتمر الفلسطيني الأول المنعقد في القدس يوم 28 مايو 1964 انتقدت حركة القوميين العرب منظمة التحرير ” للممارسات اللامعقولة واللا ثورية التي تمارسها قيادة المنظمة ضد العناصر الحزبية الثورية الفلسطينية،وادعت الحركة أن هناك خطة موضوعة من قبل قيادة المنظمة تهدف لإبعاد العناصر الحزبية عن المنظمة ” . نفس الموقف عبر عنه حزب البعث العربي الاشتراكي الذي اعتبر أن منظمة التحرير ولدت بمرسوم عربي وبالتالي فهي أسيرة هذه الحكومات وان الكيان الذي تمثله ” فاقدا الاستقلال والشخصية التحررية الثورية “. يضاف إلى ذلك أن حركة فتح الوليدة لم تكن مرتاحة لتأسيس المنظمة ليس رفضا لفكرة وجود كيان يمثل الشعب الفلسطيني بل لاختلاف منطلقات حركة فتح عن منطلقات المنظمة وخصوصا من جهة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني وانتهاج طريق الكفاح المسلح لتحرير فلسطين .إلا أنه بعد تأسيس المنظمة تغيرت مواقف الأحزاب القومية والفلسطينية تجاه المنظمة مع العمل على تغيير بنيتها ووظائفها.

لم تكن هزيمة يونيو 1967 مجرد هزيمة للجيوش العربية بل هزيمة لتيار فكري وتوجه سياسي كان يرى أن مصير القضية الفلسطينية مرتبط بتحقيق الوحدة العربية وان تحرير فلسطين سيكون على يد الجيوش العربية (الوحدة طريق التحرير).هزيمة يونيو رفعت من رصيد حركات المقاومة المسلحة وخصوصا حركة فتح ودفعت الشعب الفلسطيني للالتفاف حول التنظيمات الفدائية التي قررت أن تنهي سيطرة أحمد الشقيري والمستقلين على منظمة التحرير إلا أن هذه العملية احتاجت لأكثر من عام من الجدل والحوارات بين الفلسطينيين أنفسهم وبينهم وبين الدول العربية التي ترعى منظمة التحرير .

2- الولادة الثانية لمنظمة التحرير 1968: تجربة تُستلهم وإنجاز يمكن المراكمة عليه

بات وضع قيادة منظمة التحرير وخصوصا احمد الشقيري محرجا بعد هزيمة حزيران لأنه راهن على الجيوش والأنظمة العربية وكان له مواقف متحفظة تجاه الأحزاب والعمل الفدائي، وقد استشعرت قيادة منظمة التحرير بحرج وضعها بعد هزيمة حزيران وحاولت أن تجاري الحالة الشعبية الفلسطينية المطالبة باللجوء للكفاح المسلح لتحرير فلسطين بدلا من المراهنة على الجيوش العربي التي هزمت خلال أيام ،وذلك من خلال إصدار بيانات عن توجه المنظمة نحو ممارسة العمل العسكري ،إلا أن هذه الحيلة لم تنطل على حركة فتح التي وجهت يوم 9-12-1967 مذكرة إلى مؤتمر خارجية الدول العربية مشككة في تصريحات الشقيري ومطالبة الإعلام العربي بعدم التعامل معه،وفي 14 من نفس الشهر رفع سبعة من أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة مذكرة للشقيري يطلبون فيها بتنحيته عن الرئاسة ،كما طالبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان لها يوم 18-12- 1967 بتنحية الشقيري ،كل ذلك دفع الشقيري لتقديم استقالته إلى الشعب الفلسطيني يوم 24 -12 من نفس العام وقبلتها اللجنة التنفيذية في اليوم نفسه ،وفي اليوم الموالي وجهت اللجنة التنفيذية بيانا إلى الشعب تعده بتشكيل مجلس وطني جديد يمثل إرادة الشعب ،وتولى يحيى حمودة رئاسة اللجنة التنفيذية بالوكالة .

استقالة الشقيري لم تؤد تلقائيا إلى عقد مجلس وطني جديد بقيادة جديدة حيث شهد النصف الأول من عام 1968 خلافات بين الأحزاب الوطنية والقومية الفلسطينية وخصوصا بين حركتي فتح والجبهة الشعبية بالإضافة إلى الخلافات بين هذه مجتمعة ومنظمة التحرير،وقد حاولت حركة فتح ومن خلال تميزها بالعمل العسكري أن تقود العمل الوطني بعيدا عن منظمة التحرير حيث دعت لعقد مؤتمر في القاهرة يوم 17-1 1968 ” لتحقيق الوحدة ودعم الكفاح المسلح وتصعيده ” وقد شكل المؤتمر لجان ومؤسسات ووضع له ميثاق ،إلا أن الجبهة الشعبية ومنظمة التحرير امتنعتا عن حضور المؤتمر . في إطار التنافس والتسابق على قيادة المرحلة لجأت منظمات العمل الفدائي لتكثيف عملها العسكري ضد إسرائيل لكسب مزيد من التأييد الشعبي . بعد نقاشات ووساطة أطراف فلسطينية تم عقد مؤتمر في بيروت يوم 17-3 حضرته حركة فتح والجبهة الشعبية تم فيه الاتفاق على تشكيل مجلس وطني من مئة عضو ،وتم عقد اجتماع ثان يوم 4-4 تم فيه الاتفاق على تشكيل لجنة تحضيرية تتولى اختيار أعضاء المجلس الوطني بالتساوي بين المنظمات الثلاثة – فتح والشعبية وجيش التحرير التابع للمنظمة ، إلا أن معركة الكرامة 21 مارس ساهمت في تعزيز موقف حركة فتح وفرضت معادلة جديدة.

في يوليو 1968 عقد المجلس الوطني دورته الرابعة تحت رئاسة حركة فتح و تمت تنحية احمد الشقيري وتنصيب يحيى حمودة رئيسا للمنظمة لعدة أشهر إلى أن تم تنصيب ياسر عرفات رئيس حركة فتح رئيسا للجنة التنفيذية للمنظمة وتم تغيير أسم الميثاق من الميثاق القومي إلى الميثاق الوطني مع تغيير بعض البنود لتعبر عن الوطنية والاستقلالية الفلسطينية بشكل أكثر وضوحا،وقد تمحورت التعديلات على ثلاثة قضايا : اعتبار الكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين ،الانتقال من القومي إلى الوطني كما تجسد في اسم الميثاق الجديد،استقلالية القرار الوطني،كما تمت إعادة تشكيل المجلس الوطني حيث اتفقت التنظيمات الفدائية على تشكيل مجلس وطني من مئة عضو غالبيتهم من المنتسبين للعمل الفدائي وخصوصا من حركة فتح و كان نصيب هؤلاء أربعين عضوا وكان لجيش التحرير عشرين عضوا ووزعت بقية المقاعد على التنظيمات الشعبية والمستقلين.

إذن بالتوافق والتراضي بين الأحزاب الفلسطينية تم اختيار أعضاء المجلس الوطني الجديد وكانت قيادة منظمة التحرير ممثلة بالمجلس الوطني السابق متجاوبة مع الأمر بل مشاركة فيه لأنها شعرت أنه لم يعد ممكنا بقاء الأمور على حالها وخصوصا بعد استقالة الشقيري، وهكذا بقرار من المجلس الوطني تم تعديل المادة (30) من النظام الأساسي وكانت صيغة القرار : ” يحل المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة بتاريخ 10-7-1968 محل المجلس الوطني الانتقالي السابق لمنظمة التحرير ويمارس جميع الصلاحيات المنوطة به بمقتضى هذا النظام ” . كانت قاعدة المجلس الوطني تتوسع مع مرور الأيام بحيث لم تعد منظمة أو حركة فلسطينية أو مؤسسة شعبية إلا ممثلة في منظمة التحرير،فالمنظمة لم تكن علبة مغلقة أو إطارا مقفلا مقتصرا على حزب أو أحزاب بعينها ،فكل حزب جديد أو اتحاد شعبي جديد يظهر على الساحة يصبح تلقائيا جزءا من منظمة التحرير التي هي تحالف لكل القوى المناضلة من اجل تحرير فلسطين وهو ما تم تأكيده في نصوص الميثاق .

بعد 1969 باتت المنظمة تمثل فعلا كل الشعب الفلسطيني بتياراتهم المتعددة – القومية واليسارية والوطنية – أما الفلسطينيون المنضوون في أحزاب دينية وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي فكانوا بعيدين عن الانشغالات الوطنية حيث لهم مشروعهم الإسلامي الخاص بهم ،كما أنهم كانوا رافضين العمل الفدائي بالإضافة إلى خلافهم مع الأنظمة العربية وخصوصا نظام جمال عبد النصر. ومن هذه الصفة التمثيلية لم تغلق المنظمة أبوابها أمام أي فلسطيني أو فصيل فلسطيني يسعى للنضال من اجل التحرير بل ذهب ميثاق المنظمة أبعد من ذلك معتبرا بان أي فلسطيني هو تلقائيا عضو في المنظمة وهو أمر قد يبدو متناقضا مع مبدأ حرية الانتماء ولكن يمكن تفهم هذا الأمر إذا عرفنا بأن المنظمة لم تضع شروطا للانتماء لها حيث نصت المادة 4 من الميثاق على: ” الفلسطينيون جميعاً أعضاء طبيعيون في منظمة التحرير الفلسطينية يؤدون واجبهم في تحرير وطنهم قدر طاقاتهم وكفاءاتهم والشعب الفلسطيني هو القاعدة الكبرى لهذه المنظمة”. وبهذه الصفة التمثيلية الشمولية ليس للأحزاب بل للشعب كله أصبح المجلس الوطني الفلسطيني وكما جاء في النظام الأساسي للمنظمة هو الهيئة التمثيلية التشريعية العليا للشعب الفلسطيني بأسره داخل فلسطين وخارجها والذي يعتبر حسب نص المادة 7-أ من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو السلطة العليا لمنظمة التحرير، وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها… ويختص بكافة المسائل الدستورية والقانونية والسياسية العامة المتعلقة بالقضايا المصيرية للشعب الفلسطيني وكل ما يتعلق بمصالحة الحيوية العليا، وبهذه الصفة التمثيلية تمكنت المنظمة من الحصول علي اعتراف عربي ودولي بها عام 1974 فأصبحت عضوا في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المنظمات الإقليمية وعضوا مراقبا في هيئة الأمم المتحدة وأصبح لها أكثر من مائة سفارة ومكتب تمثيل في العالم ،بل أنه على اثر الصدامات الدموية بين أهلنا في فلسطين المحتلة وقوات الاحتلال في يوم الأرض 30مارس 1976 صدر بيان عن فلسطينيي الخط الأخضر يعلنون فيه أن المنظمة تمثلهم أيضا.

بالرغم من كل ملابسات وتحديات تأسيس المنظمة إلا أنها استطاعت أن تخرج القضية الفلسطينية من تحت الوصاية العربية وان تعبر عن الهوية الفلسطينية الجامعة لكل التيارات ،حتى وإن وجدت خلافات عقائدية أو أيديولوجية بين فصائل المنظمة فإن قيادة المنظمة والحرص الوطني من الجميع كانا كفيلان بتجسير الفجوة بين المواقف أو إدارة الخلافات بطريقة لا تسيء إلى القضية الوطنية .

بالرجوع إلى ملابسات تأسيس المنظمة والأسباب التي صيرتها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني فإن ظهور المنظمة شكل منعطفا مصيرا في التاريخ الحديث للشعب الفلسطيني للأسباب التالية:-

1- إنها عبرت عن الهوية الوطنية الفلسطينية التي كانت معرضة للتبديد، و أخرجت الشعب الفلسطيني من حالة اللجوء والوصاية واليأس والإحباط وجعلت القضية الفلسطينية قضية شعب يناضل من اجل الحرية والاستقلال؟.

2- ممارستها الكفاح المسلح قي مواجهة العدو، فصفتها التمثيلية للشعب واعتراف العالم بها استمدا من حضورها كحركة تحرر وطني وانطلاقا من حق الشعوب بتقرير مصيرها الوطني.كان العمل الفدائي داخل الكيان الصهيوني أو عبر الحدود الأردنية واللبنانية أو خارج فلسطين هو ما جعل الشعب الفلسطيني يلتف حول فصائل المقاومة وخصوصا حركة فتح وبالتالي حول المنظمة عندما سيطرت هذه الفصائل على المنظمة عام 1968،وكان عام 1974 عام الاعتراف بها ممثلا شرعيا ووحيدا هو عام ظهور إستراتيجية جديدة توفق ما بين المقاومة والنضال السياسي والدبلوماسي.

3- كانت قوة المنظمة مستمدة بالإضافة إلى ذلك من حفاظها على استقلالية القرار الوطني في مواجهة كل التحديات الخارجية.ما كانت المنظمة تستحق صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب لو لم تكن تملك قرارا مستقلا بالرغم من التحديات والمعارك التي خاضتها المنظمة للحفاظ على استقلالية هذا القرار والمزالق الناتجة عن التفسير السيئ والممارسة الخاطئة أحيانا لاستقلالية القرار.

4- كونها إطارا جامعا للكل الفلسطيني مفتوحا للفلسطينيين جميعا أفرادا وجماعات بغض النظر عن الأيديولوجيات،ففيها تعايشت مختلف الأطياف السياسية، يسارية وقومية وعلمانية وإسلامية ووطنية،مسلمون ومسيحيون ويهود.

إذن منظمة التحرير التي نتحدث وندافع عنها هي المنظمة الملتزمة بالشروط المشار إليها أو التي لم تفقد الإمكانية لتصحيح نفسها لتكون كذلك،منظمة تحرير تحمل وتحمي المشروع الوطني التحرري الذي لم يُنجز بعد،وبالتالي فإن الحق بقيادة منظمة التحرير ليس حكرا على أحد،لا أشخاص ولا أحزاب ، بل ملك لمن يستطيع أن يكون أمينا لما مثلته المنظمة ولمن يقدر أن يحمل ويحمي هذا المشروع،كما أن مجرد الانتماء للمنظمة أو تبوء مواقع قيادية في ظروف تاريخية سابقة لا يمنح شرعية لأحد.إن أي حزب أو قائد أو حكومة لا يمكنه الزعم بالشرعية لمجرد عمله تحت مظلة المنظمة فالتاريخ لا يمنح شرعية سياسية لأحد وكذا الحال فإن الدين لا يمنح شرعية سياسية لأحد، بل الشرعية تُستمد من الالتزام بروح المنظمة وبرنامجها التحرري بكل مضامينه.

المحور الثاني : حماس والمنظمة: بين الاعتراف المشروط والبديل المنتظر

1- ظهور حماس كمشروع (إسلامي) متعارض مع المشروع الوطني

بقيت منظمة التحرير رائدة النضال الوطني وممثلة الشعب الفلسطيني بلا منازع حتى ظهور حركتي الجهاد الإسلامي وحماس كقوة شعبية جهادية من خارج منظمة التحرير وببرنامج ديني سياسي بمرجعيات وأهداف وتحالفات متعارضة مع البرنامج الوطني ، وقد أثبتت هذه القوى وجودها خلال الانتفاضة الأولى 1987 . .إن كان ظهور هذه القوى عزز من الانتفاضة واستقطب شرائح شعبية داخلية وخارجية داعمة للشعب الفلسطيني،إلا أنها شكلت حالة انقسام

سما

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً