تجارب مترجمة… بقلم : خيري منصور

2014/06/01
Updated 2014/06/01 at 10:23 صباحًا

فهرس7879

سادت في خمسينات القرن الماضي وستيناته ظاهرة استنساخ التجارب، سواء في المجال الاقتصادي كتجربة التسيير الذاتي والطريق اللارأسمالي، ونماذج من القطاع العام، أو في المجال الإعلامي حيث تُوجه الأيديولوجيا بُوصلة الإعلام . وكانت الحصيلة فشلاً مزدوجاً، فمن ناحية لم ينجح الاستنساخ أو الترجمة الحرفية ومن ناحية أخرى عانت التجارب الأصيلة والمترجمة الشكوك في جديتها وجدواها .

وإذا كان لكل فرد بصمته الخاصة التي لا تشبه سواها فإن للمجتمعات ما يشبه ذلك إلى حد ما، وهو ليس بصمات بقدر ما هو مُكونات وموروثات إضافة إلى التشكل البُنيوي . فما يصلح لمكان ما قد لا يصلح لآخر، لأنه ما مِن وصفة فكرية مُطلقة، وصالحة لهذا الكوكب بأسره..

وما أشاع تلك الظاهرة بعد الحرب العالمية الثانية ظهور فلسفات وتيارات تُبشر بحتميات منها ما سُميّ الحتمية التاريخية، ثم اتضح أن التاريخ لا يقبل التدجين في أي مسار وأن له كمائنه ومكرُه ومُباغتاته، وأذكر للمثال فقط أن هناك دولاً في العالم الثالث كان إعلامها يُلمع وبشكل درامي حول مفاهيم مثل البروليتاريا والبرجوازية الصغيرة، والكومبرادور، رغم أن أنماط إنتاجها تنتمي إلى سباقات أخرى تماماً، منها الريعي وشبه الرعّوي، فكان القفز إلى الأمام أشبه بالتحليق بجناحين من شمع كما فعل ديدالوس اليوناني في الأسطورة، حيث سرعان ما أذابت الشمس جناحيه وسقط مضرجاً بدمه .

ثقافة الاستنساخ شملت الثقافة أيضاً فأصبح هناك فقهاء في التفكيك على غرار أساتذتهم في أوروبا، ما دفع الراحل هشام شرابي إلى كتابة مقالة ساخرة تساءل فيها: كيف يمكن لما لَمْ يتأسس ويتماسك بعد أن يُفكك؟

وليس معنى ذلك أن العلوم تخلو من قواسم مشتركة بين مختلف البيئات والثقافات لكن هذا المشترك يُخفي تحته تفاصيل لا آخر لها، وقد تكون هي الأهم عندما يتعلق الأمر بالتكوينات النفسية والوجدانية للمجتمعات والأفراد .

ترجمة التجارب حرفياً بها إنكار لكل ما هو خاص، لهذا فإن ما سقط في تلك العملية لم يكن سُقوطه سهواً بل على نحو مُتعمد، خصوصاً أن القوى المُطلعة إلى التمدد والسطو لها استراتيجيتها في إدامة التخلف، لأنه يُضاف إلى المواد الخام التي تستثمرها وتسعى إلى تصنيعها .

وهذا ما يُسمى الآن الاستلاب أو الوعي الزائف الذي يجعل الضحية تتآمر على نفسها وهي لا تعلم، فلو صدق المصريون مثلاً ما قاله اللورد كرومر لما شيدوا مصنعاً واحداً، ولو صدق العرب والمسلمون ما قاله المستشرقون عن تصور العقل لديهم وتصنيفهم بأنهم ينتمون إلى حقبة ما قبل المنطق لما كانوا حتى الآن على قيد الحضارة والوعي .

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً