قذاف الدم يتذكر :الإدارة الليبية ضيعت فرصة بناء علاقة استراتيجية مع اشتراكيي أوروبا ( الحلقة التاسعة )

2014/12/07
Updated 2014/12/07 at 10:58 صباحًا

 thumbgen

القاهرة: رغم طرد القواعد الفرنسية من ليبيا والصراع في تشاد، فإن الليبيين في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، مدوا خيوط الود في باريس منذ وقت مبكر، وكانت البداية في أواخر عهد الرئيس جورج بومبيدو (حكم فرنسا من 1969 إلى 1974)، وكانت العلاقة معه «مميزة وممتازة»، كما يقول أحمد قذاف الدم، لـ«الشرق الأوسط» في هذه الحلقة، والتي يتطرق فيها إلى الكثير من الذكريات التي كان من بينها شعور الرئيس المصري الراحل أنور السادات بأنه قد يواجه الموت بسبب سياساته وصلحه مع إسرائيل، وأنه أعرب له عن رغبته في أن يدفن في سيناء، إضافة إلى المواجهات الأميركية – الليبية في الثمانينات في خليج سرت، خاصة أيام حكم الرئيس الأميركي رونالد ريغان، وغيرها.

فيما يتعلق بسنوات المد والجزر في العلاقات الليبية – الفرنسية يقول قذاف الدم إنه بعد انتهاء عهد بومبيدو، جاء الرئيس فاليري جيسكار ديستان (حكم من 1974 حتى 1981)، و.. «كانت بداياته معنا طبيعية، وبدأتُ في هذه المرحلة إقامة علاقة صداقة معه ومع طاقمه الرئاسي، لكن بدأت الصراعات.. كموضوع اتهامنا بعملية مدينة قفصة التونسية، وحصلت مشادات بيننا في أكثر من مكان. أضف إلى ذلك أن روح فرنسا الاستعمارية كانت ما زالت ممتدة في القارة الأفريقية، سواء في أفريقيا الوسطى أو بوركينا فاسو أو توغو والنيجر، وغيرها، لا سيما الدول المحيطة بليبيا.

وقبل الانتخابات الفرنسية بفترة قصيرة، أي في نهاية 1980 وبداية 1981، جاء الرئيس السادات في زيارة خاصة إلى باريس، وكان من المفترض أن نلتقي في لقاءات سرية معه، ويوم وصوله التقى بالرئيس الفرنسي ديستان، وفوجئت بأنه يطالب، وهو يتحدث علانية، بأن تخرج القوات الليبية من تشاد، وكان عنيفا في طرحه هذا في ذلك الوقت، لكنني التقيت به في المساء في القصر. ولاحظت أن السادات يقيم في القصر الرئاسي الفرنسي، على غير العادة في مثل هذا النوع من الزيارات الخاصة، حيث إن المتعارف عليه في هذه الحالة ألا يسكن الرئيس الضيف في القصر، ولكن في الفندق، إلا أن الرئيس ديستان، ومن أجل أن يحصل على دعم الرئيس السادات، أسكنه في القصر لا الفندق، كنوع من التعبير عن المحبة والصداقة.

وعندما زرت السادات في القصر تطرقنا لما يجري، وقلت له يا سيادة الرئيس كيف تتحدث عن خروج القوات الليبية من تشاد، وتطالب بذلك، ولا تدين الوجود الفرنسي في تشاد، هذا غير منصف. فقال لي: مالكم ومال تشاد؟ فأجبته: كيف مالنا؟ إذا كان وجود القوات الفرنسية وجود شرعي في تشاد، فمن حقنا أن نكون نحن في تشاد أيضا، وهي على حدودنا، وعلى تماس مع أرضنا ونريد أن نكون مع المسلمين في الشمال، وبالتالي لا نسمح للقوات الفرنسية أن توجد في تشاد بهذا الشكل.. وأرجو، يا سيادة الرئيس، أن تكون منصفا في هذا الموضوع، وألا تكون منحازا. فقال السادات: أنا قادم لأعمل دعم للرئيس ديستان، في فرنسا، لكي يفوز. فقلت له إنه، أي ديستان، سوف لن ينجح».

ويضيف قذاف الدم أنه يذكر في ذلك الوقت، أن القوات الليبية كانت قد تسللت وجهزت قوات تشادية صديقة للسيطرة على العاصمة أنجمينا.. «كنا نعد العدة للانقضاض على العاصمة التشادية بالتزامن مع فترة الانتخابات في فرنسا، لكي نقسم ظهر ديستان وندعم وصول منافسه الاشتراكي، ميتران، للسلطة». ويتابع موضحا: «قلت للسادات إن الرئيس ديستان سوف لن ينجح، فرد ساخرا وهو يمزح معي: وماذا تفهمون أنتم في السياسة؟ وأخذ يلقي النكات على الليبيين، فقلت له: نتراهن على هذا الموضوع، فقال أراهنك..

وتحدثت معه أيضا، وأنا معه في القصر في باريس، حول علاقته بالعدو الصهيوني (إسرائيل) وأنه يمكن أن يتعرض للقتل من خصومه إذا ما استمر في هذا النهج، وأنه يوجد عداء كبير ضده من كثير من الأطراف بمصر بسبب علاقته بإسرائيل. فقال لي السادات: أنا أعرف أنني أخوض في معركة صعبة، وقد أموت.. وطلبت أن أدفن في سيناء، في مجمع الأديان، في جبل طور سيناء».

وفي تلك اللحظة كان من المفترض أن يدلي السادات بإفادات صحافية للإعلاميين في القصر الرئاسي بباريس، ولأن زيارة قذاف الدم له هنا كانت سرية، حيث كانت العلاقات بين البلدين ليست على ما يرام في ذلك الوقت، فقد اضطر للاختباء في مكتب يقع بابه خلف المقعد الذي يجلس عليه الرئيس في بهو القصر. ويقول قذاف الدم: «قال لهم، وأنا كنت استمع إليه من وراء الباب، إنه طلب أن تخرج القوات الفرنسية والليبية. وقال ذلك بصوت مرتفع حتى سمعته وأنا في المكتب الخلفي». وعندما عدت قال لي مبتسما: نحن متعادلان! فهل أنتم راضون؟ وأضاف مازحا: لكن نحن ما زلنا على رهان الانتخابات الفرنسية.. جيسكار ديستان سيفوز على ميتران.

ويواصل قذاف الدم قائلا: «ودعت الرئيس في ذلك المساء.. وبعد أيام انطلقت قواتنا إلى العاصمة التشادية أنجمينا، وقامت بطرد الرئيس حسين حبري منها، وذلك عشية الانتخابات الفرنسية، مما أدى إلى تراجع مكانة ديستان في أوساط الناخبين الفرنسيين. وبعدها مباشرة اتصل بي مكتب الرئيس السادات وقال لي أحد مسؤولي المكتب بروح الدعابة: الرئيس يقول لك برافو.. لقد لعبتموها صح. وكان قد تأكد للجميع أن الرئيس ديستان لن ينجح بعد عملية أنجمينا، وأن السادات أراد أن يبلغني أنه خسر الرهان قبل أن تعلن نتيجة الانتخابات بفوز ميتران».

وحين جاء الرئيس ميتران للسلطة كان وزير الشؤون الأفريقية اسمه غيبين، وهو طبيب أصلا. ويقول قذاف الدم: «أذكر عندما دخلت إلى مكتب غيبين، الوزير، أنه أراني خزنة القصر الرئاسي وكان قد خرج منها الحزب الحاكم السابق بقيادة ديستان، وأراني قطعة عملة من فئة 500 فرنك فرنسي مقطوعة، وقال لي: تصور.. هذا ما تركوه لنا.. لم يتركوا لنا لا وثائق ولا ملفات». وأضاف أن «جماعة ديستان كانوا مغتاظين لوصول الاشتراكيين للسلطة. وكان جيبين متعاونا ويريد غلق ملف الخلافات الليبية – الفرنسية، وقال إن الرئيس ميتران أخبره بضرورة أن ننهي هذه المشكلة».

وعلى هذا الأساس بدأت اللقاءات، وكان قذاف الدم يبحث الأمر مع الفرنسيين قبل أن ينقل ما تتوصل إليه اللقاءات السرية إلى طرابلس. ويقول: «قدم لنا الفرنسيون عروضا مغرية، بحيث يقبلون، بعد أن دخلنا بقواتنا وقوات التشاديين الموالين لنا للعاصمة أنجمينا، بقيام وحدة بين ليبيا وتشاد، وأن يسحبوا قواتهم من تشاد، مع أنه لم يكن لديهم أي وجود عسكري في تشاد في تلك المرحلة. وعقدنا اجتماعا داخل القصر في باريس وكان من بين الحضور، على ما أذكر، قائد الجيش الفرنسي، والوزير الفرنسي للشؤون الأفريقية، إضافة لاثنين من مستشاري الرئيس ميتران، حيث كان يجري كل شيء بعلمه بطبيعة الحال».

ويتابع موضحا أن الفرنسيين.. «وضعوا خارطة عليها نقاط تضيء وتظهر مواقع الوجود العسكري الليبي والفرنسي في تشاد، وقالوا إنهم مستعدون أن يغضوا الطرف عن تشاد وأن تصبح دولة واحدة مع ليبيا، على أن تنسحب ليبيا من أي وجود عسكري في دول أفريقية أخرى منها بوركينا فاسو والنيجر وغيرهما». ويضيف أن هذا التفاوض كان يجري على خلفية ذعر تبثه وسائل الإعلام الفرنسية.. «كانت هناك صحافة فرنسية تكتب أن القذافي جهز جيشا إسلاميا لغزو أفريقيا وجهز فيلق إسلامي لغزو بلاد أفريقية مثلما حدث في تشاد، وذلك بعد سقوط عاصمتها أنجمينا.. كانت الحملة في الصحافة الفرنسية بهذا الموضوع كبيرة جدا، ويمكن أن تلاحظها بمجرد النظر إلى واجهات الصحف في الفنادق والشوارع».

ويقول قاف الدم: «وبالفعل كانت مسألة الهيمنة على الكثير من الدول الأفريقية مسألة سهلة أمامنا، لأن تلك الأنظمة التي تحكمها كانت أنظمة هشة، وكان التمدد فيها ممكنا، وخاصة أنه كانت لنا علاقات قوية بحركات التحرر في تلك الدول، ودربنا فيها آلاف المقاتلين وهذا ما كانت له نتائجه في المستقبل، حيث أسقطنا الأنظمة التابعة لفرنسا وأصبحت أنظمة مؤيدة لليبيا وبعض الرؤساء الأفارقة الذين ساعدنا على تقلدهم السلطة ما زالوا موجودين حتى هذه الساعة».

وعن العرض الفرنسي بترك تشاد لليبيا مقابل ترك ليبيا لباقي الدول الأفريقية لفرنسا، يواصل قذاف الدم متذكرا وقائع أحد اجتماعات السرية في القصر في باريس: «طبعا أنا اعترضت على هذا العرض، وقلت لهم نخرج مقابل ماذا؟ وطلبت منهم أن نتعاون مع فرنسا في باقي الدول الأفريقية التي يريدها الفرنسيون، وأن يكون هذا التعاون من خلال شركات مشتركة وعمل مشترك ونتفق على الرؤساء الذين يجري تنصيبهم في تلك الدول. وفعلا وافق الفرنسيون في ذلك الاجتماع غير المعلن وغير الرسمي. وعدت بهذا العرض إلى ليبيا وعرضته على الأخ معمر والرائد عبد السلام جلود في ذلك الوقت.. طبعا القيادة في ليبيا، ورغم أن الأخ معمر كان متحمسا بقوله إن هذا قابل للنقاش، فإن الرائد جلود كان معترضا مع بعض القيادات الأخرى والذين قالوا كيف نساوم على قضية الحرية وكيف ندخل في حوار أو نقاش مع هذه الدولة الاستعمارية. وعليه لم نستطع الاستمرار في هذه المفاوضات».

ومع ذلك استمرت علاقة ليبيا بالرئيس ميتران، و.. «كنت أذهب في زيارات سرية لفرنسا لمقابلته.. وربطتني بابنه كريستوفر علاقة طيبة». إلا أن العلاقة على الصعيد السياسي لم تكن تخلو من التوتر ولا من بعض المواقف الإنسانية و«القفشات» أيضا.

واستمرت علاقة قذاف الدم مع الرئيس ميتران لسنوات طويلة بعد ذلك.. ويقول: كان يرسل لي دائما، وبشكل شخصي، ابنه إلى الفندق حين نزور باريس، ويأتي إلينا بطعام فريد تصنعه عائلة ميتران في قريته، وهو نوع يعتمد على «كبد البط»، وكانت عائلته متخصصة في هذه الصنعة. كما أن زوجة ميتران متواضعة وبسيطة.. «وأعتقد أن الاشتراكيين في الغرب، عادة، أناس يتسمون بالبساطة والوضوح.. وأريد أن أشير هنا إلى أن مستشار النمسا، برونو كرايسكي، هو الذي عرفنا بالاشتراكيين الأوروبيين منذ مطلع الثمانينات، لكن للأسف الإدارة الليبية في ذلك الوقت كانت ترى الغرب لونا واحدا ولم يكن لديها استعداد لتوطيد العلاقة معهم، بينما كان يمكن أن نبني علاقة استراتيجية مع أوروبا بشكل أفضل اعتمادا على أولئك الاشتراكيين، سواء في فرنسا أو اليونان أو إسبانيا، لكننا لم ننجح في ذلك».

وفي السنوات الأولى من الثمانينات، التي شهدت صعود رونالد ريغان لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية وتهديده لليبيا، لم تكن المسائل السياسية والعسكرية معقدة في أفريقيا فقط، بل في كثير من بلدان المنطقة، لكن كان أهمها، في العالم العربي، الغزو الإسرائيلي للبنان والمؤيد من ريغان عام 1982. ويقول أحمد قذاف الدم إنه توجه مع عدد من زملائه من المقاتلين الليبيين للبنان لمساندة المقاومة الفلسطينية والقوات السورية. ويضيف موضحا: «دخلنا لبنان ببطاقات هوية على أننا من المقاومة الفلسطينية.. كان عدد الليبيين كبيرا؛ عدة مئات.. وأنت تعلم أن معظم الفصائل الفلسطينية تدربت في ليبيا. واستمر وجود القوات الخاصة الليبية بمخازنها وأسلحتها في منطقة البقاع في لبنان حتى عام 1992، أي حتى بدء الحظر الدولي على ليبيا».

وفي عقد الثمانينات اشتهرت في ليبيا أغنية تقول: «ريغان يا راعي البقر.. الشعب الليبي كله حر» لتعكس درجة كبيرة من الكراهية باتت بين القذافي والرئيس الأميركي الذي كان في شبابه ممثلا في أفلام «الكاوبوي». ويقول قذاف الدم: «أكثر رؤساء أميركا استفزازا للأخ معمر كان ريغان.. كان سيئا، وجرى في عهد هذا الممثل، الهجوم الأميركي على ليبيا وعلى مقر القذافي في باب العزيزية في طرابلس».

وعما إذا كان قد توقع الهجوم على بيت معمر، يجيب قذاف الدم قائلا: «كان لدينا معلومات بأن هناك ضربة على معسكر باب العزيزية، ومعلوم لدينا موعدها. معمر رفض أن يغادر باب العزيزية.. وأنا وقتها كنت في معسكر طبرق. وكان لدي معلومات أيضا.. كنا جاهزين، لكن وسائل التقنية المتقدمة التي كانت لدى أميركا، أبطلت الدفاع الجوي الليبي بالكامل قبيل الهجوم.. استخدموا عشرات الطائرات لضرب بيت معمر ومطارات طرابلس وبنغازي وبعض الأحياء في بنغازي، وغيرها».

وكانت نقطة الخلاف بين ليبيا وأميركا واحدة من نقاط التنافس بين المعسكرين الغربي والشرقي، لكنها كانت أيضا ترتكز أساسا على قضية تعود لعام 1973 حول رفض واشنطن الاعتراف بملكية خليج سرت الغني بالنفط لليبيا والواقع على الساحل الشمالي للبلاد بطول نحو 800 كيلومتر. ويُعتقد أن ريغان، عند وصوله للسلطة، أخذ يبحث عن ذرائع لتحجيم الدور الليبي الخارجي، وعليه قامت الطائرات الأميركية باختراق المجال الجوي لخليج سرت وردت ليبيا بصواريخ الدفاع الجوي. ثم في العام التالي وقعت مواجهات بين الطائرات الحربية الليبية والأميركية فوق الخليج. وبعد كثير من المناوشات التي استهدف فيها كل طرف أهدافا للطرف الآخر، أعلنت ليبيا في عام 1986 أن حدّ مياهها الإقليمية في خليج سرت هو خط عرض 32، وبدأت في تسيير زوارق حربية طائرات مقاتلة، ونصب صواريخ متطورة، وتمكنت من استهداف طائرات أميركية، وإسقاطها. وكان قد حدث بالتزامن مع ذلك اتهام أميركا لليبيا بتفجير مرقص في برلين قُتل فيه جنديان أميركيان. وهنا أي في أبريل (نيسان) من تلك السنة بدأ القصف الأميركي لليبيا.

ويتذكر قذاف الدم تلك السنوات التي شهدت عداء كبيرا بين البلدين، وصل إلى درجة تتبع ما يقال عنها من نكات هنا وهناك. ويقول: «طبعا قبل الهجوم الأميركي في تلك السنة (1986) كانت هناك مواجهات في سرت وفي البحر مع الأسطول السادس الأميركي، وأسقطنا بعض الطائرات الأميركية في مواجهات الثمانينات.. هم أيضا ضربوا بعض الزوارق الليبية وأغرقوها. يعني المواجهة مع الأميركان استمرت تقريبا طوال حقبة الثمانينات. وعرفت وقتها أن ريغان كان لديه أسطوانة موسيقية ويجلس يوم الأحد (إجازة نهاية الأسبوع) ويغني على معمر القذافي، ويقول: سنطاردك حتى النهاية».

وما زال قذاف الدم، بعد مرور كل هذه السنين، يحتفظ بنسخة من الأسطوانة المحببة لريغان حول القذافي، على سبيل الذكرى. وهو يشير هنا أيضا إلى واحدة من النكات التي كانت شائعة بين الأميركيين بسبب انشغال ريغان بالقذافي وتحديه لأميركا في الدفاع عن حق ليبيا في خليج سرت. وتقول النكتة، إن حلاق الرئيس الأميركي كان في كل مرة يجلس فيها معه ليصفف له شعره، يحكي له عن القذافي، فسأله أحد العاملين في مكتب الرئيس: لماذا كلما جئت تحلق للرئيس تتحدث معه عن معمر القذافي؟ فأجاب الحلاق قائلا: لكي يقف شعر رأسه فأعرف أحلق له جيدا.

وفي المقابل، كان معمر يسخر من الديمقراطيات الغربية، ويقول قذاف الدم، إن القذافي كان يتساءل: «كيف لشخص يمتهن التمثيل طوال عمره، أن يصبح فجأة رئيسا لأكبر دولة في العالم، ويتحكم في مصائر الشعوب، دون أن يكون لديه أي خلفية سياسية.. إنه مجنون، ومختل عقليا، ويعتقد أن ما يجري في العالم الحقيقي ما هو إلى فيلم سينمائي يقوم فيه هو بدور البطولة».

لكن ماذا فعل قذاف الدم حين علم بضرب ريغان لباب العزيزية؟ يقول: «نحن كنا قد التحقنا بمعسكراتنا، وفي مثل هذه الحالات نرفع درجة الاستعداد القصوى، ويبقى كل الناس في معسكراتهم، وتواصلت مع القيادة ليلا، وأنا كان عملي في القوات المسلحة في طبرق، وكنا نتابع على الشاشات، إلى أن حصل إبطال لكل شاشات الرادارات في ليبيا بالتقنية الأميركية. وخلال دقائق من الضربة علمت أن القذافي بحالة طيبة ولم يصب بسوء، لأن شبكة القوات المسلحة كانت مرتبطة بعضها بعضا ولدينا شبكة أخرى من التواصل أيضا».

وعن سبب عدم ترك معمر القذافي لمعسكر باب العزيزية الذي كان يقيم فيه مع أسرته رغم وجود معلومات عن أن المعسكر ضمن أهداف الضربة الأميركية، يجيب قذاف الدم موضحا: «حاول الإخوة إقناعه بمغادرة المعسكر، لكنه قال كيف أغادر وأترك العسكريين في المعسكر وحدهم؟ هل لكي يقول الليبيون إنني أخاف من الغارة؟ كما أنني إذا غادرت، فكأنني أهرب من المواجهة». ويقول قذاف الدم: «أنا، في الحقيقة، لم أكن مع هذا الرأي، لكن الأخ معمر أصرَّ على موقفه، وفشل كل الإخوة في إقناعه بمغادرة المعسكر. ولم يغادر أحد البيت. كانت معه العائلة كلها؛ زوجته وكل أولاده».

وعن طريقة تصرف القوات المسلحة الليبية تجاه الهجوم الأميركي، يكشف قذاف الدم عن أنه كانت توجد خطة موضوعة للرد مباشرة.. «أطلقنا صواريخ أرض – أرض، طويلة المدى، في نفس الليلة، من البر، من على الأراضي الليبية، على قاعدة أميركية في جزيرة لامبيدوسا في إيطاليا، وبدأنا في الإعداد لتنفيذ خطط أخرى.. لكن للأسف، وبسبب أن معظم القواعد الأميركية موجودة على الأراضي الأوروبية، وصل إلينا إنذار من معظم الدول الأوروبية ومن حلف الناتو، بأن أي اعتداء على أرض أوروبية سوف نهاجم ليبيا.. ولم نكن نحن على استعداد لمواجهة كهذه، فتوقفنا».

وعن تأثير الهجوم الأميركي على ليبيا في 1986 على شخصية القذافي، وعما إذا كانت قد تغيرت، يجيب قذاف الدم: «بالطبع.. تأكد لديه صحة نظرته للغرب. وقال: هؤلاء همج.. هؤلاء لا أخلاق لهم.. وهجموا علينا دون إعلان حالة حرب، ولا يلتزمون بأي قواعد ولا أي أخلاق للحرب.. نحن لا بد أن نكون حذرين في التعامل معهم». ويضيف قذاف الدم موضحا أن القذافي بدأ منذ تلك اللحظة يرى أنه لا بد من الإسراع بخطوات عملية للتحصن بكيان أكبر، والتفكير في أفريقيا الموحدة، من خلال اتحاد أفريقي تكون له حكومة أفريقية واحدة.

عبد الستار حتيتة – الشرق الاوسط اللندنية

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً