الخطوة التالية: أعيدوا إحياء المجلس الوطني الفلسطيني

2015/01/27
Updated 2015/01/27 at 10:49 صباحًا

فهرس

كان العنوان الذي عنونت به آخر مقال لي يوم 29 كانون الأول (ديسمبر) الماضي هو “بالنسبة للفلسطينيين المحتلين والمقموعين، الأمم المتحدة تعني الأمم التي بلا فائدة”. وفي اليوم التالي، أكد مجلس الأمن نفسه تحليلي برفضه النظر في قرار قُدم بالنيابة عن الفلسطينيين، والذي دعا إلى وضع نهاية للاحتلال الإسرائيلي في غضون ثلاث سنوات. وفي حينه، أصاب المحامي جون ويتبيك كبد الحقيقة في تصريحه الذي قال فيه إن مجلس الأمن أوضح كونه “أقرب إلى بيت حرب، مثله مثل الكونغرس الأميركي”. وفي هذا المقال، سوف أقترح ما أعتقد بأنه ينبغي أن يحدث، إذا لم يكُن يراد لفلسطين أن تتحول إلى قضية خاسرة.
سأبدأ من حقيقة أن الفلسطينيين لا يمتلكون أي شيء مادي ملموس يمكن أن يكسبوه من مسعى الدفع بقضيتهم من خلال محكمة الجنايات الدولية. وحتى (إذا) قررت المحكمة أن إسرائيل (شأنها شأن حماس، من أجل “الميزان”) لديها قضية لتجيب عنها بشأن الحرب وجرائم أخرى، فإن قادة الدولة الصهيونية سوف يتجاهلون مكتشفات المحكمة، وسوف تحول الولايات المتحدة دون القيام بأي عمل لدعوة إسرائيل وجلبها للمساءلة.
على الرغم من أن للفلسطينيين الحق، حسب القانون الدولي، باللجوء إلى القتال لمقاومة الاحتلال، فإنه ليس لديهم ما يكسبونه من العنف، ولديهم ما هو أكثر بكثير ليخسروه منه. سوف يعطي العنف الفلسطيني بمستوى ملحوظ لقادة إسرائيل الذريعة لتصعيد برنامجهم للتطهير العرقي، بل وربما للذهاب إلى عملية تطهير عرقي نهائية.
وإذن، ما الذي يجب أن يحدث إذا ما أريد تغيير ديناميات الصراع بطريقة تمنح الفلسطينيين أملاً حقيقياً بأن صمودهم فوق البشري تقريباً، ورفضهم الاستسلام حسب الشروط الصهيونية، سوف يقدمان لهم قدراً مقبولاً من العدالة.
الافتراض الذي أبني عليه أطروحتي هو أن قوى العالم الرئيسية فقط تمتلك أدوات الضغط التي يمكن أن تجعل قادة إسرائيل ينهون تجاهلهم وتحديهم للقانون الدولي، وأن يصبحوا جادين إزاء التوصل إلى السلام وفق شروط يمكن أن يقبل بها الفلسطينيون.
لكن المشكلة هي أن تلك الحكومات لن تقوم باستخدام نفوذها وقدرتها على التأثير إلا -وحتى يتم “دفعها” إلى ذلك بضغط الرأي العام –بوجود ممارسة ديمقراطية حقيقة (وجود مواطنين يقلقون ويهتمون) قيد العمل.
في أميركا، على سبيل المثال، وكما وصفت ذلك في كتابي “الصهيونية: العدو الحقيقي لليهود”، لا شيء سوف يتغير إلا –وحتى- يتغلب خوف أعضاء الكونغرس من إغضاب الناخبين، على خوفهم من إغضاب اللوبي الصهيوني وحلفاؤه.
وفقاً لاستطلاع لمعهد بروكنغز الذي نشرت نتائجه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تبين أن الرأي العام الأميركي يتغير. وعندما سألنا الناس عن الحل الذي يفضلونه للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قال 34 % من أولئك الأميركيين المستطلعة آراؤهم إن حكومتهم يجب أن تدفع في اتجاه حل دولة واحدة ومواطنة متساوية. وسجلت نسبة المؤيدين لهذا الرأي ارتفاعاً عن 24 % في السنة السابقة.
من الجدير بالملاحظة أيضاً أنه من بين أولئك الذين يدعمون حل الدولتين، قال
66 % إنهم سيدعمون دولة واحدة إذا لم يكن حل الدولتين ممكناً.
في ضوء هذه المعطيات، فإن السؤال الرئيسي الآن هو التالي: ما الذي يمكن عمله لمنح زخم أكبر ولا يمكن وقفه لعملية الدفع الجارية في أميركا وأوروبا من أجل جعل الحكومات هناك تستخدم النفوذ الذي لديها لإنهاء تحدي إسرائيل للقانون الدولي واضطهاد الفلسطينيين؟
حسب وجهة نظري، فإن ما تمس الحاجة إليه الآن أكثر من أي شيء آخر، هو حل السلطة الفلسطينية، وإعادة تسليم إسرائيل كامل المسؤولية والمساءلة عن الاحتلال.
سوف يعني ذلك وضع ضغوط اقتصادية وأمنية وأعباء أخرى كبيرة على كاهل إسرائيل، وسوف يستجيب قادتها بالطريقة الوحيدة التي يعرفونها –بالمزيد والمزيد من القمع الوحشي للفلسطينيين المحتلين. نعم، سوف يعني ذلك المزيد من المعاناة من كل الأنواع لهم، لكنه سوف يضيف الوقود أيضاً على النار الدولية التي تشتعل ببطء لمعاداة الإسرائيلية.
بكلمات أخرى، كلما أوضحت إسرائيل أكثر غطرسة واعتقاداً بأحقية الذات ازدرائها للقانون الدولي، ورفضها لمطالبة الفلسطينيين بالعدالة، كلما جمّعت العملية كمية الدفع المطلوبة لجعل حكومات القوى الرئيسية تعمل مزيداً من الزخم.
من جانبهم، يمكن أن يساعد الفلسطينيون المحتلون والمضطهدون في دوام هذا الزخم بالتظاهرات السلمية عبر الضفة الغربية وسجن قطاع غزة المفتوح. ولتحقيق الأثر الأقصى للتأثير في أوروبا وأميركا، أعتقد أن التظاهرات يجب أن تكون صامتة، بينما تنقل رسالة المتظاهرين يافطات مرفوعة عالياً. ويجب أن تضم الرسائل شعارات مثل “أنهوا الاحتلال!” و”نريد حريتنا!”
سوف يرسل نشاط من هذا القبيل يتكرر على أسس أسبوعية رسالة قوية إلى العالم الخارجي، وستكون الرسالة أقوى إذا سعى جيش الدفاع الإسرائيلي والمستوطنون اليهود المسلحون غير الشرعيين إلى تفريق التظاهرات الفلسطينية السلمية والصامتة بقنابل الغاز والرصاص.
ثم هناك سؤال القيادة الفلسطينية. بعد حل السلطة الفلسطينية، من هو الطرف الذي يمكن أن يقدم هذه القيادة وأي شكل يجب أن يتخذه؟
في البداية، يمكن أن تتولى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تقديمها، لكن أكثر من ذلك بكثير سيكون مطلوباً إذا ما أراد الفلسطينيون تمكينهم من التحدث إلى السلطة بصوت موثوق واحد.
هناك حاجة إلى أن يصبح فلسطينيو الشتات منخرطين سياسياً، وأن يجمع الشتات نشاطه معاً لغاية إعادة بعث المجلس الوطني الفلسطيني إلى الحياة ثانية.
ذات مرة، كان هذا البرلمان في المنفى الذي أصبح مهمشاً الآن، يمثل الفلسطينيين في كل مكان في العالم تقريباً، وكان الهيئة العليا لاتخاذ القرار في الجانب الفلسطيني. ولم يكن بلا عيوب، لكنه كان ديمقراطياً أكثر من العكس، وهو السبب في أن الأنظمة العربية الاستبدادية كانت تخشاه. وحتى عرفات في أوج قوته كان معرضاً للمساءلة أمام المجلس الوطني الفلسطيني. (وقد استغرقه الأمر، في الحقيقة، ست سنوات طويلة لإقناع أغلبية من مندوبي المجلس الوطني الفلسطيني بتأييد نهجه السياسي والتسوية مع إسرائيل. حدث هذا قرب نهاية العام 1979. وكانت نتيجة تصويت المجلس الوطني الفلسطيني لصالح سياسة عرفات -حل الدولتين- بنسبة 296 صوتاً في مقابل 4 أصوات ضدها فقط. ومنذ ذلك الحين، أصبح الباب الفلسطيني مفتوحاً أمام السلام بشروط كان يمكن أن تقبلها أي حكومة إسرائيلية رشيدة وشعب عاقل في إسرائيل، وبارتياح).
حتى تمكن إعادة المجلس الوطني الفلسطيني إلى الحياة، يجب أن تكون هناك انتخابات من أجل تشكيله، والتي تقام في كل مجتمعات الشتات الفلسطيني، بالإضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
يمكن عرض تكوين الشتات الفلسطيني حسب الدول وأعداد الفلسطينيين المقيمين فيها كما يلي تقريباً. الأردن – 2.900.000؛ إسرائيل – 1.600.000؛ سورية – 800.000؛ تشيلي – 500.000؛ لبنان – 490.000؛ المملكة العربية السعودية – 280.245؛ مصر – 270.245؛ الولايات المتحدة الأميركية – 270.000؛ هندوراس -250.000؛ فنزويلا – 245.120؛ الإمارات العربية المتحدة – 170.000؛ ألمانيا -159.000؛ المكسيك – 158.000؛ قطر – 100.000؛ الكويت – 70.000؛ السلفادور – 70.000؛ البرازيل – 59.000؛ العراق – 57.000؛ اليمن – 55.000؛ كندا – 50.975؛ أستراليا – 45.000؛ ليبيا – 44.000؛ الدنمارك – 32.152؛ المملكة المتحدة – 30.000؛ السويد – 25.500؛ بيرو – 20.000؛ كولومبيا – 20.000؛ اسبانيا – 12.000؛ باكستان – 10.500؛ هولندا – 9.000؛ اليونان – 7.500؛ النرويج – 7.000؛ فرنسا – 5.000؛ غواتيمالا – 3.500؛ النمسا – 3.000؛ سويسرا – 2.000؛ تركيا – 1.000؛ والهند – 300.
ستكون المهمة الرئيسية للمجلس الوطني الفلسطيني معاد البناء والتنشيط، أن يقوم بمناقشة وتحديد السياسة الفلسطينية، ومن ثم تمثيلها عن طريق التحدث إلى السلطة بصوت واحد متمتع بالثقة والمصداقية.
إذا لم يصبح الشتات الفلسطيني منخرطاً سياسياً لإعادة المجلس الوطني الفلسطيني إلى الحياة، فأعتقد أن من أكثر من الممكن أن المؤرخين الصادقين في المستقبل سيقولون، على أساس معطيات الواقع الافتراضية، أن هذا الشتات خذل مواطنيه المحتلين والمقهورهين في كل شيء، تماماً مثلما فعلت الأنظمة العربية.
من دون استراتيجية جديدة على أساس الخطوط العامة المقترحة أعلاه لتغيير ديناميات الصراع وكيف يُنظر إليه في أميركا وأوروبا، فإنني أعتقد في الحقيقة أن فلسطين ستصبح قضية خاسرة.
سوف يكون هناك البعض ممن يقولون (كما قال عدد قليل من اليهود الإسرائيليين) أن الدولة الصهيونية هي في خضم عملية ارتكاب الانتحار، وأن العدالة للفلسطينيين ستكون حتمية ولا مفر منها ذات يوم.
ربما، لكن من الممكن بنفس المقدار، وفي رأيي أكثر من مجرد ممكن، أن السنوات القادمة سوف تشهد هجرة لليهود من إسرائيل، تاركين وراءهم متشددي الفاشية الجديدة، والذين سيكونون على استعداد لتهديد المنطقة وخارجها بالدمار النووي.
وعلى أساس ما قالته لي رئيسة الوزراء غولدا مائير في مقابلة كنت قد أجريتها معها لبرنامج بانوراما في (بي بي سي)، فإن ذلك لن يكون تهديداً فارغاً. وقد طلبت منها أن توضح لي النقطة التي ذكرتها. قلت: “رئيسة الوزراء، أريد أن أتاكد أنني فهمت ما قلتِه للتو. إنك لم تكوني تعنين أنه في حالة قدوم يوم قيامة، فإن إسرائيل ستكون مستعدة لأن تغرق المنطقة والعالم وتجرهما معها إلى أسفل…”؟
من دون لحظة تفكير أجابت بصوتها الحصويّ: “نعم، ذلك بالضبط هو ما قلت!”
الغد الاردنية

* هو مراسل خارجي سابق لبرنامج “بانوراما” لمحطتي (آي. تي. إن) و(بي. بي. سي)، والذي غطى الحروب والصراعات أينما كانت تجري في العالم، وهو متخصص في الشرق الأوسط.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً