الدعم الكندي الخطير للوحشية الإسرائيلية

2015/05/21
Updated 2015/05/21 at 9:27 صباحًا

فهرس
لم أكن أبداً شخصاً مغرماً بفكرة المقاطعة. المقاطعة ضد غزو إيطاليا للحبشة لم تعمل. وكذلك لم يفعل حظر الأسلحة على إسبانيا. ولست متأكداً بعد مما إذا كانت مقاطعة جنوب أفريقيا هي التي أفضت حقاً إلى الإطاحة بنظام الفصل العنصري هناك، وأميل إلى الاعتقاد بأن العنصريين القدامى أدركوا ببساطة حقيقة أنهم أقل عدداً إلى حد ميؤوس منه من السود في جنوب أفريقيا، وأن اللعبة وصلت إلى نهايتها.
وما أزال غير مقتنع بأن المقاطعة ضد إسرائيل، حتى مع أنها تخيف مجانين الجناح اليميني في حكومة بنيامين نتنياهو، سوف تحقق حل دولتين، وتجلب الحقوق الإنسانية للفلسطينيين، وما إلى ذلك. إنني حر في رفض شراء منتجات من المستعمرات اليهودية في الأراضي العربية المحتلة (أنا لا أشتري هذه المنتجات). لكنني عندما أزور إسرائيل، فإنني أقيم في فندق الملك داود في القدس الشرقية، وأزور معرض الفنون في تل أبيب، وأشتري الكتب المنشورة الإسرائيلية. وهناك بعض الأكاديميين الذين يدعمون مقاطعة بلدهم الخاص. وربما يكونون محقين في قيامهم بذلك.
ولكن في كندا -ويجب علي، حرفياً، أن أفرك عيني عندما أقرأ ذلك- تنوي حكومة ستيفن هاربر المحافظة الداعمة لإسرائيل تماماً أن تصنف مقاطعة إسرائيل باعتبارها “جريمة كراهية”. وليس هذا شأناً جديراً بالازدراء، وغبياً وعنصرياً ولا طائل تحته لأنه يفترض أن أي شخص يعارض سياسات إسرائيل الوحشية والظالمة للاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية، وحسب، وإنما هو عمل مناهض للديمقراطية أيضاً. فلطالما تبنى المنادون باللاعنف دائماً حركات المقاطعة، على أساس أن الضغط الاقتصادي بدلاً من القنابل يشكل وسيلة أخلاقية لإحداث تأثير ضاغط على بلد ينتهك القانون الدولي.
ومع ذلك، فإن هاربر -الذي سيُنتخب بالتأكيد لعضوية الكنيست لو أنه كان إسرائيلياً- ذهب في زيارة قام بها إلى القدس مؤخراً إلى حد اقتراح أن مجرد انتقاد إسرائيل يمكن أن يكون شكلاً من أشكال معاداة السامية. كما أن وزير الخارجية الكندي المتقاعد حديثاً، جون بيرد (والذي عادة ما يكون رجلاً عاقلاً إلى حد ما)، وصف الحركة الكندية لمقاطعة إسرائيل بأنها “الوجه الجديد لمعاداة السامية”. وفي كانون الثاني (يناير)، وقع بيرد فعلياً على اتفاق رسمي مع إسرائيل لمحاربة منظمة “قاطعوا إسرائيل”، المعروفة محلياً باسم مجموعة “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات”. ويقول ستيفن بلاني، الذي يبتهج بلقب “وزير السلامة العامة” في كندا، أنه لا يمكن فصل حملات مقاطعة إسرائيل عن خطاب الكراهية المعادي للسامية، وعن الهجمات الأخيرة ضد اليهود في فرنسا.
لكن هذا كله مناف للعقل. إنني إذا ما امتنعت عن شراء برتقال من إنتاج إسرائيل في سوق بريطاني، فإن ذلك لا يجعل مني قاتلاً نازياً. كما أن انتقاد إسرائيل لا يحول الكنديين إلى كارهين لليهود. وقد احتجَّت مجموعات ليبرالية يهودية عدة ضد قانون هاربر الجديد المقترح -وأشادت به منظمات يهودية أكثر- على أساس افتراضه أن اليهود كافة في العالم يؤيدون إسرائيل ويوافقون على تصرفاتها. وبما أن هناك أيضاً يهوداً أعضاء في جماعات مقاطعة إسرائيل، فإن قانون هاربر الهزلي الجديد سوف يجلب يهوداً أمام المحكمة في كندا، بتهمة المعاداة للسامية.
محزوماً كالعادة بذلك النوع من الكليشيهات “البليرية” و”الكاميرونية” القديمة التي يتبناها كل ساسة “القانون والنظام”، يقال للكنديين إن حكومتهم سوف تظهر “عدم تهاون” تجاه الجماعات التي تروج لمقاطعة إسرائيل. وبطبيعة الحال، فإننا “لا نتهاون” في الشوارع مع السرقة، والسطو والبلطجة والعصابات. ولكن، ماذا عن “عدم التهاون” مع أولئك الذين يريدون مقاطعة دولة ذبح جيشها أكثر من 2.000 فلسطيني في غزة في الصيف الماضي، أكثر من نصفهم من المدنيين؟ حقاً؟ كان من المهم، كما أعتقد، ملاحظة ما فعله هاربر بعد مقتل جندي كندي خارج البرلمان في أوتاوا على يد مسلم في العام الماضي، ووقوع هجوم قاتل على موظف مدني كندي، حين قام بترويج رسالة تعزية تلقاها من نتنياهو، كما لو أن مواساة رجل أمر بقصف غزة كانت شيئاً يمكن المفاخرة به.
كانت المقدمة القاتمة هي قيام كندا في العام الماضي بتغيير تعريفها لخطاب الكراهية، ليشمل العبارات التي تقال ضد “الأصل الوطني”، وليس ضد العرق والدين فقط. وبذلك، فإن العبارات والخطابات المنتقدة لإسرائيل -مثل عدد من المحاضرات العامة التي كنت قد ألقيتها في كندا- ربما يتم تصنيفها الآن كعبارات ضد اليهود (حتى مع أن اليهود كثيراً ما يكونون من بين منظمي المناظرات والمحاضرات التي ألقيها في أميركا). وفي الوقت المناسب، سيمكن اعتبار الافتتاحيات في الصحف مثل صحيفة “تورنتو ستار”، معادية للسامية، وبذلك حرية بالتنديد باعتبارها “جريمة كراهية”.
إذا كان البرلمان الكندي غبياً بما يكفي لتمرير هذا القانون الجديد، فإنه سيضع الكثير من جماعات المجتمع المدني تحت الهراوة. ويمكن أن تجد “كنيسة كندا المتحدة” و”كويكرز كندا” نفسيهما في المحكمة. وسيكون على القضاة، بغض النظر عن مقدار اشمئزازهم الشخصي من انتهاكات إسرائيل ضد الفلسطينيين، أن يلتزموا بهذه المادة من التشريع، وأن يعرضوا “عدم التهاون” إزاء حرية التعبير لأولئك الذين يدينون جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في الشرق الأوسط.
من الجدير تذكر أن عشرات الآلاف من اليهود في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أميركا وبولندا، كانوا قد دعوا إلى مقاطعة ألمانيا النازية في العام 1933 بسبب الأعمال نفسها المعادية للسامية التي أفضت مباشرة إلى الهولوكوست. وكان الدبلوماسيون الأميركيون منتقدين لهذه المقاطعة، خشية أن تستفز هتلر وتدفعه إلى ارتكاب أفعال أكثر قسوة. لكنهم لم يهددوا المتظاهرين بـ”عدم التهاون” تجاه “جرائم الكراهية” بسبب “الأصل الوطني” للألمان الذين اقترح المتظاهرون مقاطعتهم.
في نهاية المطاف، سيكون الأمر بسيطاً جداً بطبيعة الحال. إن مقاطعة دولة بسبب جرائمها هي وسيلة لاعنفية، لكنها ربما تكون قوية، للتعبير عن الغضب الأخلاقي في وقت تفشل فيه العبارات السياسية -أو الحكومات الجبانة مثل حكومة ستيفن هاربر- في تمثيل غضب الناخبين، أو في أن يكون لها أي تأثير على دولة تتجاهل القانون الدولي. وإذا ما سلب الناس الحق في هذا، فإن مفجر بوسطن، الذي يواجه الآن غرفة الإعدام، يستطيع أن يقول إن طريقته كانت الطريقة الوحيدة المتاحة.
الغد الاردنية
روبرت فيسك* –
(الإندبندنت)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Canada’s plan to make boycotting Israel a ‘hate crime’ is stupid and counterproductive

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً