جهاد في مقابل الجهاد: دور لبنان المتحوِّل في الصراع الإقليمي

2015/06/21
Updated 2015/06/21 at 10:02 صباحًا

فهرس
قبالة ساحل مدينة صور اللبنانية الجنوبية الواقعة على مقربة من الحدود مع إسرائيل، ظهرت سفينة حربية في الأفق مؤخراً. وبعد أن خشين بداية أن تكون تلك سفينة إسرائيلية -كرد فعل انعكاسي غريزي- قررت رفيقاتي في السكن في نهاية المطاف أن القارب هو مجرد جزء من الترسانة الهائلة التي تمتلكها قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل). ولم يخطر في بال أحدنا ولو مرة واحدة أن هذه السفينة يمكن أن تنتمي إلى الجيش اللبناني الذي يعاني من سوء التجهيز بشكل مزمن.
كان أحد أسباب هبوط الجيش إلى قوة قتالية من الطبقة الدنيا هو مجاملة الجمود السياسي الداخلي لزعماء الطوائف الذين يكرهون رؤية هذه المؤسسة عبر الطائفية تزدهر. وثمة سبب آخر هو أن الولايات المتحدة والأطراف المعنية الأخرى كانت في التاريخ الحديث حريصة على تزويد الدولة اللبنانية وحدها بالمعدات التي لا تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل –مثل مناظير الرؤية الليلية، على سبيل المثال.
مسموح لإسرائيل، بطبيعة الحال، أن تنخرط في الكثير من السلوك الوجودي فيما يتعلق بجارها الشمالي، بمساعدة من جميع أنواع الآلات المتطورة التي تقدمها لها الولايات المتحدة لها بسرعة. وبالإضافة إلى ذبح المدنيين، استهدف الجيش الاسرائيلي أيضاً بشكل منتظم المنشآت والأفراد الذين ينتمون إلى كل من الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، على الرغم من أن أياً منهما لا يشكل كياناً معروفاً بشكل خاص بأنه يرفع إصبعاً ضد الإسرائيليين، سوى لتجميع الإحصاءات عن انتهاكات الجيش الإسرائيلي للأراضي والأجواء اللبنانية.
ويدخل حزب الله، الذي تتضمن سيرته الذاتية القتالية طرد جيش الاحتلال الإسرائيلي من لبنان في العام 2000، وإحباط انتصار إسرائيلي خلال حرب صيف العام 2006، وكذلك إلحاق الإهانة بالجيش الأقوى في المنطقة.
منذ ذلك الحين وسع حزب الله مجال عملياته، منضماً إلى الجيش السوري في حربه ضد المعارضة التي يهيمن عليها بصورة متزايدة “داعش” والجماعات الجهادية الأخرى -وهي خطوة يدعي حزب الله بأنها تشكل جزءا لا يتجزأ من الحفاظ على قدرات المقاومة ضد إسرائيل. ويطلق عليها اسم، الدفاع الهجومي.
كنتيجة للطفرة الجهادية، أصبحت الولايات المتحدة وشركاؤها أكثر سخاء مع الجيش اللبناني، الذي تمت ترقيته بشكل فعال إلى الخطوط الأمامية من الحرب الأخيرة من أجل الحضارة، وبالتالي أصبح يعتبر متلقياً جديراً “لأسلحة أعلى طراز”، كما وصفه سفير الولايات المتحدة في لبنان، ديفيد هيل، في شباط (فبراير) الماضي.
في هذا الشهر فقط، تفاخر الموقع الرسمي للجيش اللبناني بدورة “إطلاق نار تجريبية” بصواريخ مضادة للدبابات وردت من الولايات المتحدة كجزء من صفقة برعاية سعودية. وشملت أصناف أخرى من المواد الواردة؛ طائرات هليكوبتر ومدفعية ثقيلة وصواريخ هيلفاير المضادة للدروع.
هذه الشحنات من الأسلحة أثارت القلق في زوايا مثل أنباء إسرائيل الوطنية، التي نشرت مؤخراً العنوان المثير للقلق والهواجس بشكل خاص: “لبنان يحصل على المزيد من الأسلحة الأميركية -أم أنه حزب الله؟” ولدى قراءة هذه المقالة، نعلم أن “كثيرين في إسرائيل أعربوا عن خشيتهم من أن المطاف يمكن أن ينتهي بتلك الأسلحة في أيدي كبيرة الجماعات الإرهابية، حزب الله”.
ثمة سؤال أكثر أهمية، مع ذلك، والذي قد يركز على السبب في أن إسرائيل ما تزال تتواطأ مع أمثال كبيرة الجماعات الإرهابية، جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سورية -أو لماذا كان المطاف ينتهي بالأسلحة الأميركية في أيدي مجموعة “الدولة الإسلامية”.
في هذه الأثناء، واصل كل منطق عبارة “عدو عدوي” التحطم في سورية بالنسبة للغرب وحلفائه، بالنظر إلى أن كلا من حزب الله والجهاديين السنة يحتلان مواقع العدو على حد سواء. ويبدو في واقع الأمر أن هناك الآن الكثير من الأعداء، حتى أننا نفقد أثر بعضهم في بعض الأحيان. في 11 حزيران (يونيو)، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن أعضاء معينين في مجلس شيوخ الولايات المتحدة تقدموا بشكوى إلى مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر عن “حذف” مزعوم في تقييم للتهديد في جميع أنحاء العالم، والذي تم تقديمه إلى الكونغرس في شهر شباط (فبراير).
كانت المشكلة باختصار، هي أن “إيران وحزب الله لم يكونا مدرجين على أنهما تهديدات إرهاببية”. وفي الواقع، كانت المرة الوحيدة التي يذكر فيها حزب الله في التقييم قد جاءت في المقطع الذي يفصل “التهديدات المتزايدة من جماعات إرهابية” في لبنان، والتي تشير إلى أن “المتطرفين السنة يحاولون إنشاء شبكات في لبنان، وأنهم زادوا من الهجمات التي يشنونها ضد مواقع الجيش اللبناني وحزب الله على طول الحدود اللبنانية السورية”.
ويبدو هذا التقديم وأنه يعرض حزب الله في دور دفاعي في الأساس. وفي الرد على شكاوى المشرعين، أصدر كلابر رسالة يؤكد فيها أن كلا من إيران وحزب الله ما يزالان يشكلان تهديداً كما كان حالهما في كل وقت.
انسوا أمر عبارة “عدو عدوي”. فكلما كان هناك المزيد من الأعداء هناك قيد التداول، كان ذلك أفضل لصناعة الأسلحة والتركزات الأخرى للنفوذ والقوة التي تستفيد من الفوضى الأبدية.
فيما ينطوي على ما يكفي من الغرابة، فإن لبنان -الدولة التي خصصها المؤرخ ديفيد هيرست بجدارة على أنها “ساحة معركة الشرق الأوسط”- يتمتع في الوقت الحاضر بهدوء نسبي، على الأقل بقدر ما يتعلق الأمر بالمعايير اللبنانية. هذا على الرغم من الفوضى المجاورة، والإصرار المتكرر من المعسكر المناهض لحزب الله على أن الحزب قد تسبب بـ”انسياب” العنف إلى لبنان من سورية.
بينما تحاول مجموعة “داعش” الآن أن تكون مصدر كل عمليات انسياب العنف على طول الحدود اللبنانية الشمالية الشرقية مع سورية، فإن وظيفة حزب الله باعتباره خط الدفاع الأخير أصبحت أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. ومع كل رغبة إسرائيل المعلنة في الاستقرار الإقليمي، فإنه يفترض أن لا يكون الإسرائيليون مستائين جداً إذا ما أجبر حزب الله –الذي اتهم في كثير من الأحيان بأنه “دولة داخل الدولة”- على هدر أمواله على يد خلافة داخل دولة.
وبينما يظل لبنان منذوراً من دون شك لحالة دائمة من الطوارئ، يبقى الأمل بأن لا يعمل جهاد حزب الله ضد الجهاديين على منعه من معالجة أمر تعدد المهام في المواجهة القادمة مع الكيان العسكري المولع بالحرب في الجنوب.
الغد الاردنية
بيلين فرنانديز – (ميدل إيست آي)
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
*بيلين فرنانديز: هي مؤلفة كتاب “الرسول الإمبريالي: توماس فريدمان في العمل”، الذي نشرته فيرسو. وهي محررة مساهمة في مجلة اليعاقبة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Jihad versus jihad: Lebanon’s shifting role in regional conflict
ala.zeineh@alghad.jo
alaeddin1963@

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً