تسونامى اليسار الجديد يضرب أوروبا … بقلم: مصطفى السعيد

2015/09/27
Updated 2015/09/27 at 8:49 صباحًا

download (1)

يضرب تسونامي اليسار الجديد شواطيء جنوب أوروبا، ليثير فزع قادة الاتحاد الأوروبي، الذين يخشون أن يكون صعود حزب سيريزا إلى الحكم مجددا في اليونان نذير شؤم على قرب نهاية أنظمتهم العتيقة، خاصة مع الانتقال السريع للحركات المعادية للعولمة والتوحش الرأسمالي، والصعود المذهل لحزب «نستطيع» الأسباني، الذي حقق نتائج مبهرة في الإنتخابات المحلية في مايو الماضي، ولم يكن مضى على مولده ثلاثة أشهر، وهو يتقدم الآن استطلاعات الرأي في الإنتخابات البرلمانية المقررة نهاية العام.

 

هواجس قادة الاتحاد الأوروبي لم تنبع من فراغ، فالدوي الذي أحدثه صعود حزب سيريزا اليوناني يغري باقي شعوب أوروبا المنهكة بأن تسير خلف شعارات الاشتراكيين الجدد، الأكثر صرامة وإصرارا على إسقاط الرأسمالية في معاقلها.

 

كان أحفاد الأغريق يتحسرون وهم يرون شواطئ وجزر بلدهم الجميل تباع في المزادات، بعد أن أذعن اليمين الحاكم لروشتة علاج الاتحاد الأوروبي، وباع العديد من المصانع والبنوك والموانى، ومع ذلك واصل اليونان الغرق تحت وطأة سياسة التقشف، التي زادت من الركود، وأطاحت بنحو 25% من عمال اليونان إلى أرصفة البطالة، المكدسة بنصف شباب اليونان، وبالإضافة إلى الرفع الجنوني للأسعار والضرائب، امتدت أيادي الدائنين إلى أجور باقي العمال والموظفين، ووصلت إلى معاشات المسنين لتحرمهم من الدواء والطعام. جاء هذا الوضع المأساوي في اليونان نتيجة ركود حاد منذ 3 سنوات، أدى إلى تفاقم العجز في الموازنة العامة بلغ 12.7 % من الناتج المحلي، ومديونية تصل إلى أكثر من 320 مليار يورو، تعادل نحو 175 % من الناتج المحلي.

 

وجد اليونانيون ضالتهم في حزب سيريزا، الذي طالما احتج وحذر من هذه السياسات، ويرفض بيع المؤسسات العامة أو التقشف، حتى لو أدى الأمر إلى الخروج من مظلة اليورو، وجحيم الوحدة الأوروبية، التي أجبرتهم على التخصص في بيع الورود، والتخلص من انتاج الزيتون والكثير من السلع، وفقا لروشتة «تخصص الإنتاج» التي أوصلتهم إلى الحضيض. روح جديدة بثها حزب سيريزا في اليونانيين، الذين فضلوا التمرد على على المراكز الاحتكارية الكبرى، التي صدرت لهم نتائج الأزمة الاقتصادية التي تضرب أوروبا منذ عام 2008، وأحاطوا بالزعيم اليساري الشاب «تسيبراس»، مثلما التف شباب وعمل إسبانيا حول قائد حزب «نستطيع» الشاب الصغير بابلو إكلسياس، الذي يصفونه ب«جيفارا أوروبا».

 

وتطاير الشرر اليساري الجديد ليصل إلى دول أوروبا الشرقية، التي بدأت شعوبها تفيق ببطء من أحلام الرغد الرأسمالي، لتجد نفسها في كابوس مرعب، يدفعها إلى حافة الفقر والجوع. وبلغ وهج اليسار مشارف أوروبا القديمة، وظهرت «جبهة اليسار» في فرنسا، بزعامة لوك ميلانشو، وحزب «أوروبا الجديدة في إيطاليا، وحزب «دي لينكي» في ألمانيا، وتحالف «الأحمر- الأخضر» في الدنمارك وهولندا. وكانت المفاجأة الكبرى في حزب العمال البريطاني، الذي فاز بزعامته العجوز كوربين ذو الأصول الماركسية، والمتعاطف مع القضية الفلسطينية، والمتحدي للسياسات الاسرائيلية، والنهج الإصلاحي التقليدي لحزب العمال، الذي لا ينتمي إلى الطبقة العاملة إلا بالاسم فقط. إذا كانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد نجحت في بسط هيمنتها الهادئة على أوروبا، وهو ما عجز عنه هتلر بدباباته وطائراته وجيوشه الجرارة، فإن القادة الإشتراكيين الشبان مثل تسيبراس و إكلسياس يمثلون تهديدا خطيرا لطموحاتها، بل يلوحون بهدم المؤسسات الرأسمالية، وهو ما يفسر دخول ميركل معركة تحطيم إرادات وكسر عظام مع حزب سيريزا اليوناني، لتقمع التمرد في مهده، وتحاصر بؤرة التمرد الوليدة، قبل أن تجد نفسها محاطة بأمواج تسونامي، قد يصل سريعا إلى ألمانيا نفسها، وهو ما توعد به تسيبراس بأن تعود ألمانيا إلى المارك، قبل أن يدمر اليورو كل اقتصاديات جنوب أوروبا، معولا على تضامن شعوب البلدان الأوروبية الكبيرة، واتساع نطاق احتجاجات شباب وعمال أوروبا، لوقف الجنون الرأسمالي، الذي حان التخلص من شروره.

 

ليس اليسار الجديد مجرد حلم يداعب ضحايا الرأسمالية، أو حركات احتجاج عابرة على أزمات تضرب جدران النظم العتيقة، وانما تلاقي روافد حركات منظمة، بعضها خرج من بين جدران الأحزاب الاشتركية القديمة، التي تكلس خطابها، وانعزلت عن الجماهير، واكتفت بالتأفف من الفساد المستشري، والديمقراطية الزائفة، وانكب الشباب الإشتراكي على دراسة جادة لإخفاقات الأحزاب الشيوعية، ولفظوا وسطية وانتهازية الأحزاب الإصلاحية، التي تسعى في الحقيقة إلى مجتمع رأسمالي مهذب، يصعب تحقيقه في الواقع، كما استفادوا من التجارب الجديدة والناجحة في دول أمريكا الجنوبية، والتي أخرجت بلدانها من أزمات أكثر حدة وتعقيدا.

 

تخفف اليسار الجديد من السلفية الماركسية، وما أنتجته فقهاء الإشتراكية من نظريات عجزت عن الاشتباك مع مشكلات الواقع، وقادوا الاحتجاجات ضد العولمة الرأسمالية، وكانوا أول من تنبأوا بالأزمة الحادة التي تمر بها أوروبا، والتي لن تحلها محاولات إلقاء نتائجها المدمرة على دول الأطراف الضعيفة اقتصاديا، لأنها لن تتمكن ببساطة من دفع تلك الفواتير الباهظة للأزمة، الكامنة في جوهر السياسات الاقتصادية التي تفرضها المؤسسات المالية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي، الذي يرفض أن يراجعها، ويمضي قدما لسحق الحركات المتمردة، لكن شرارة الحلم الذي أطلقه حزب سيريزا، أضاءت مسارا جديدا، قد يغير وجه أوروبا القديم.

 

عن الاهرام

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً