قراءة سياسية لما وراء الانتفاضة … بقلم: ناجي صادق شراب

2015/10/20
Updated 2015/10/20 at 8:54 صباحًا

hqdefault

بعيدا عن إشكاليات التوصيف والجدل الفكري العقيم الذي يعكس حالة من الإختلاف والضبابية لدى النخب الفكرية التي يبدو انها قد تفاجأت بإنبعاث الروح الفلسطينية من جديد، وبعيداً عن المقارنة بين الإنتفاضتين الأولى والثانية، وبعيداً عن النظريات المفسرة لهذه الروح المتجددة في شبابها، فإن ما يجري لا يمكن فهمه اولاً الا من خلال رؤية شاملة للشخصية الفلسطينية ومكوناتها ، والحالة السياسية الفلسطينية التي يعيش فيها المواطن الفلسطيني. فالشخصية الفلسطينية شخصية أبرز سماتها النضال ورفض الإذلال، والإهانة الوطنية التي يعاني منها المواطن الفلسطيني ، فهي شخصية رافضة لكل أشكال الظلم والقهر والإستبداد والفساد، وسمة النضالية سمة أساسية في هذه الشخصية ، والتاريخ الفلسطيني لا يخرج عن هذه السمة ، تاريخ ثورات وهبات وإحتجاجات نضالية ، قد تقوى أحيانا، وقد تخبو أحيانا أخرى ، وقد تهدأ لفترة طويلة ، لكنها تستدعي في اي لحظة زمانية تستوجبها الظروف السياسية الشاملة التي يعيش فيها هذا المواطن. والجانب الآخر الذي يقف وراء تجدد هذه الروح، من ناحية إستمرار الإحتلال الإسرائيلي ، وسياسات الإستيطان والتهويد والسياسات القمعية والأمنية المتطرفة ، وهي سياسات نقيضة للشخصية الفلسطينية ،او بعبارة أخرى تشكل تهديداً لبقاء وإستمرارية هذه الشخصية ، وهذا ما لم تدركه إسرائيل،ان هناك شعباً ، وهذا الشعب له هويته، وحقوقه الوطنية ، وان الإحتلال يتعارض وديمومة هذه الشخصية ، لذلك ما يجري نتاج طبيعي لحالة الإنسداد السياسي في اي حل، فمن ناحية الشخصية الفلسطينية ليست شخصية عنفية كما يعتقد ويتصور، بل هي شخصية مسالمة ومتعايشة ، ولديها إستعداد كبير للتعايش مع الشعب الإسرائيلي ،ـ بل هناك الكثير من مظاهر التعايش هذه، لكن المشكلة هي ان إسرائيل لم توظف هذا الإستعداد، وتتيح الفرصة له بشكل اكبر، وكان هو الداء الناجح ضد اي تطرف وتشدد، وبدلا من ذلك إنتهجت إسرائيل سياسات تبعد هذا التعايش ، وتخلق حالة من النفور، والكراهية والحقد، بسبب السياسات الأمنية والقمعية وتمادي المستوطنين في الإعتداءات على السكان الفلسطينيين، وبسبب الفتاوي الدينية التي تعمق من هذا التباعد، هذا الجانب لا يمكن إغفاله، والجانب الآخر الذي أيضا لا يمكن إغفاله الحالة السياسية الفلسطينية ذاتها ، والتي قد شكلت بكل أبعادها بيئة إحباط وخصوصا للجيل الشاب الذي وجد كل الأبواب تغلق في وجهه، وتفتح وتحتكر من قبل الجيل القديم ، هذه الفجوة كانت سببا رئيسا، بيئة حرم فيها على هذا الشباب من المشاركة والمساهمة في القرار السياسي الذي يمسه، ناهيك عن الإنقسام السياسي الذي يقف دون تطور وتجدد هذه الروح في إنتفاضة شاملة ، وهذا الإنقسام اوجد حالة من عدم الثقة والتشتت والتشرذم المجتمعي ، ويضاف إلى ذلك التراجع فى الأداء الإقتصادي ، وإنتشار مظاهر الفساد، وتكدس الثروة في يد فئة قليلة ، وهذا من شأنه ان يحدث فجوة كبيرة بين سلم التوقعات وهو بطبيعته مرتفع لدى هؤلاء الشباب ، وبين القدرة على الإستجابة للمطالب المتنامية والمتزايدة لدى هذه الشريحة ، وهنا اود أن أشير إلى نقطة ضعف سياسية ،ان هذه الفجوة هي نتاج عملية طويلة من أداء السلطة ، ولها إمتداد طويل، لكن الإشكالية التجاهل لها من قبل صانعي القرار السياسي ،إلى ان وصلت إلى ذروتها لتندلع وتنفجر معبرة عن نفسها. وهنا اقف عند نقطة هامة أخرى وأحذر منها ان السلطة وهي جزء لا يتجزأ من الحالة السياسية ، لا يفترض ان تكون هدفاً مباشراً ، بل ينبغي العمل وبشكل سريع لخلق حالة من التنسيق المشترك، فأخشى ما اخشاه ان تكون السلطة هدفاً مشتركا لأكثر من قوة تريد التخلص منها، وخلق حالة من الفوضى الشاملة التي قد تجد فيها بعض القوى ما تريد، وهذا هو الذي يميز هذه الإنتفاضة عن سابقاتها، فهذه المرة تحدث في ظل بيئة سياسية تعاني الإنقسام ، ولا يمكن تجاهل تداعيات هذا الإنقسام الذي يمكن ان يساهم في تحول الإنتفاضة من الضغط على إسرائيل لوضع حد لسياساتها القمعية والإستيطانية ، وعدم المساس بالأقصى الذي يشكل مكونا رئيسا في تحديد مكونات الشخصية الفلسطينية . وتبقى مسألة تتعلق بالقضية الفلسطينية ذاتها ـ والصراع العربي الإسرائيلي ، فهذه الإنتفاضة تأتي في ظل بيئة سياسية إقليمية ودولية غير مواتية، وغير مشجعة ، بل ومجهضة، فالبيئة العربية تعاني من الإنشغال بقضايا داخلية ، ويتهددها العنف والإرهاب، والتشدد والتطرف، وخطر التفكك، لذلك هي غير مستعدة للتعامل مع إنتفاضة فلسطينية جديدة ، ودوليا الإنشغال بالعديد من الملفات ليست فلسطين بينها ، وهذه البيئة تدعم الموقف الإسرائيلي ، وتغطي على كثير من سياساته الأمنية القمعية ، ومن ناحية اخرى وهنا تكمن الخطورة محاولة الربط بين ما يجري في فلسطين وما يجرى عربياً، وكل هذا يستوجب المراجعة والتقييم في الآليات والأهداف، حتى نضمن إنتفاضة أقرب إلى السلمية المدنية الشعبية والدولية في امتداها، وهذا الموضوع سأتناوله في مقالة لا حقة .

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً