ثورة الشباب الفلسطيني! … بقلم: الدكتور ناجي صادق شراب

2015/10/31
Updated 2015/10/31 at 10:23 صباحًا

authors-ناجى

*عندما اندلعت ثورات التحولات الكبرى التي شهدتها عدد من العواصم العربية الكبرى وقادها شباب هذه الدول، والتي اطاحت بنظم حكم لم يتخيل احد سقوطها، ثار اكثر من تساؤل عن ثورة الشباب الفلسطيني ، وقيامه بوضع حد للإنقسام الذي اضر بالقضية الفلسطينية وحولها لمجرد حادثة بسيطة في السياسات العربية والدولية، ودوره في إستعادة الهيبة للقضية الفلسطينية ، وثورته على الإحتلال الإسرائيلي ، وسياساته التهويدية والإستيطانية ، وسياساته في نزع البعد الإسلامي عن القدس والأقصى.
ووقتها قيل الكثير عن سلبية هذا الشباب، وإنغماسه في تدبر امور حياته اليومية ، والبحث وطرق أبواب المستقبل خارج أرضه. كل التحليلات التي قيلت ثبت فشلها وعدم صدقيتها ،لسبب واحد وهو عدم الإلمام بمكونات الشخصية الفلسطينية اولا، وثانيا بخصوصية سمات الشريحة الشبابية. هذا الشباب فاجأ العالم ، وفاجأ الكل بهبته العفوية والتلقائية ليقود اول ثورة له وهي الثورة في وجه الإحتلال وسياساته في القدس ، وكانت رسالته واضحه إلا الأقصى. وهذا لا يعني انه لا يدرك ان أمامه ثورة أخرى وهي ثورة الإنقسام، ولكن أولويات ودوافع الأولى قد تقود للثورة الثانية حتما.والثورتان متلازمتان، لأنه بدون ان ننهي الإنقسام يصعب تحقيق أهداف الثورة الأولى.
اولا: لماذا الشباب؟ ولماذا هم من يقودون؟ الشباب هم القوة المحركة والدافعة للتغيير، والقادرة على تغيير الوضع القائم، وهم الذين يملكون ادوات التغيير،والرفض لكل أشكال الإحتلال ، وهم من يدفعون ثمنا حياتهم، وهنا أتوقف قليلا حياة الشاب قد تفوق في قيمتها وأهميتها وفعاليتها حياة الكبار والمسنيين حتى من منظور العمر، ومن هنا حياة الشباب تعني الكثير.
فمفاهيم البناء والإعمار والتنمية وتجدد الحياة أدواتها الشباب، من هنا أهمية المحافظة على حياة هؤلاء الشباب.
وفي هذا المقال أريد ان اتحدث عن الإحتلال وعلاقته بالشباب على وجه الخصوص، الإحتلال يتنافى ومستقبل الشباب في الحياة ، الشباب يحتاج إلى الأرض ليعمرها ويبنيها ويورثها لمن بعده وهم جيل الأطفال في هذه المرحلة ، ولذلك ليس مستغربا ان يكون الضحايا من الأطفال والشباب والشابات وهي ظاهرة فريدة في هذه الهبة، هم يدافعون عن حياتهم ومستقبلهم.من حق هذا الشباب ان يبني وان يعمر، وأن يتواصل مع شباب العالم عبر وسائل التواصل الإجتماعي يشاركهم ثقافة واحده بعيدة عن العنف والكراهية والحقد والثأر ،لأن الشباب الذي يسعى للبناء والتعمير، ويريد ان يعيش سني عمره ، لا يمكن ان يلجأ للعنف والقتل .
والسؤال الإعتراضي هنا اليس هؤلاء الشباب الذين تتكون منهم الجيوش التي تقتل وتدمر، اليسوا هم من يشكلون الجماعات المتطرفة والمتشددة في كل مكان. والإجابة بالتأكيد نعم.
لكن يبقى السؤال لماذا ذهبت هذه الشريحة لتتبنى ثقافة غير ثقافتها ، وفكرا غير فكرها، بالتأكيد هناك أسباب لكل حالة ، ولكن في حالتنا الفلسطينية الشباب اول مرة يلجأون لهذه الاساليب ، ليس حبا بها ، ولكن للتعبير عن الظلم الواقع عليهم بسبب سياسات الإحتلال وهدم المنازل، وقتل وإعدام الأطفال والفتيات، هؤلاء الشباب وتعرف إسرائيل جيدا هم شبان مبدعون، متعلمون، منتجون، يتطلعون للرقي في سلم التعليم، لكنهم يرون الإحتلال يزحف على أراضيهم ومنازلهم يبتلع مقومات الحياة الشحيحة امامهم.ومن حقهم ان يدافعوا عن حياتهم وكرامتهم. الشباب الفلسطيني قدم نماذج نجاح كثيرة في العديد من المجالات العلمية والعملية والعمل، وحتى في داخل إسرائيل هناك نماذج كثيرة ناجحة لنفس الشباب. الشباب الفلسطيني منذ ان يولد ويفتح عينيه على الإحتلال، وصور الجيش الإسرائيلي، وصور الإعتقال، والتدمير، وإنتهاك القدس والأقصى. الم يتساءل الكثيرون كم عمر هؤلاء الشباب؟ عمر هؤلاء الشباب الذين يقودون هبة عجز الكبار عن قيادتها يتراوح ما بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين، ومقارنة بعمر الإحتلال الذي يقارب نصف القرن، ان عمر الإحتلال ضعف عمر هؤلاء الشباب، وهنا تظهر خطورة هذا الإحتلال، فهؤلاء الشباب عاشوا الإحتلال بعمرهم ، وعاشوه مضاعفا بعمر أسرهم. وهو ما يعني التداعيات والآثار السلبية المدمرة التي يحملها هؤلاء الشباب عن الإحتلال. فأي مستقبل ينتظرهم والإحتلال هو الذي صاغ حياتهم، وقيمهم وسلوكهم؟ ولذا الإحتلال هو المسؤول المباشر عن هذه الهبة.
ولماذا لجأ الشاب الى هذا الاسلوب؟ بدلا من القلم؟ رسالة الشباب ما زالت القلم والكتاب. ولا يعقل لشاب يذهب للجامعة ويتلقى أعلى درجات العلم والتخصصات الدقيقة حتى يتحول من شاب منتج مبدع ومساهم في بناء الحضارة الإنسانية لأن يجد نفسة في مواجهة العنف والقتل . هذا الشباب لم يتدرب على سلاح، ولم ينخرط في جماعات متشددة متطرفة ، بل جاء من الجامعات ومقاعد العلم، ولا يعقل لأب وأم وأم ترسل إبنها للجامعة تنتظر إستشهاده.
نحن اباء وأمهات حريصون على حياة أبنائهم، لا نريد لهم أن يقتلوا، نريد ان نرى الحياة فيهم. لكن اعود واقول سنوات الإحتلال الثقيلة ، وتجاهل العالم لهؤلاء الشباب، وبدلا من التفكير المباشر في تفسير ما يجري، فالصورة لها جانب آخر، وهو الإحتلال.
وفي هذا السياق على إسرائيل قبل ان تذهب بعيدا في سياسة القوة والإفراط في إستخدامها، ان تدرك ان السبب الرئيس هو الإحتلال، الذي آن له ان ينتهي، ليمنح هؤلاء الشباب حياة مدنية آمنه هادئه ، وان تتاح لهم الفرصة في بناء نظام سياسي ديموقراطي مدني، يهيىء او يعيد أسس التعايش المشترك، والسلام الذي لا بديل عنه، فالبديل لذلك مزيد من القتل والعنف والكراهية والحقد.
هل يعقل ان نتخيل شعبين يمكن أن يعيشا للأبد في صراع دموي؟ على المجتمع الدولي ان يتجه نحو الإحتلال، وعلى المجتمع الإسرائيلي ان يدرك ان لا يعقل ان يبقى الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال يعاني من الذل والإهانة اليومية ، وان السبب الرئيس في حكومته المتشددة، كما من حق إسرائيل ان يكون لها دولة، من حق الفلسطينيين ان تكون لهم دولة، لكن المهم في ماهية هذه الدولة وفي شكل العلاقة بينهما في المستقبل، وعلينا ان نفكر خارج الصندوق ، وبعيدا عن التعصب الأيديولوجي البغيض، ان نفكر في الحلول الإبداعية التي تحقق الأمن المتبادل والتعايش المشترك على نفس الأرض هذا هو البديل للقتل والعنف.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً