أميركا والجنون المؤقت…بقلم:جيمس زغبي

2015/11/26
Updated 2015/11/26 at 10:45 صباحًا

a0b5fd58-53f4-45ae-aa21-5bacfc9fa476
ليست هذه المرة الأولى التي تكتسح فيها الولاياتِ المتحدةَ موجةٌ من هيستيريا غياب التسامح. فقد حدث لنا ذلك في السابق، وفي كل مرة كنا نستسلم للخوف والتعصب الأعمى، كنا نحدث ضرراً لأعداد لا حصر لها من المهاجرين ونلطخ صفحات تاريخنا. وخلال الحربين العالميتين في القرن الماضي، فعلنا ذلك بالإيطاليين والألمان واليابانيين. وفي أوقات السلم، اضطهدنا السود والآسيويين واللاتينيين. ولأن هذه ليست المرة الأولى التي يصبح فيها السوريون ضحايا للتعصب وغياب التسامح، فإن الأمر بالنسبة لي شخصيٌ أيضاً.
فأثناء الحرب العالمية الأولى، أُجبر جدي على نقل أسرته من منزلها التي ورثته في جبل لبنان، بحثاً عن ملاذ آمن من قبضة السلطنة العثمانية. ومات جدي في المنفى، تاركاً جدتي وحدها مع سبعة أطفال. وعند نهاية الحرب، عادوا إلى قريتهم وبدأوا الاستعداد للانضمام إلى موجة ضخمة من المهاجرين الذي شقوا طريقهم من سوريا ولبنان إلى الولايات المتحدة. وكانوا لاجئين اقتصاديين وسياسيين يبحثون عن فرص العمل وعن الحرية.
وفي الطريق، استقر والدي في فرنسا، حيث وجد عملاً، أملاً في كسب ما يكفي لمواصلة رحلته. وما إن استعد للرحيل حتى صوّت الكونغرس على إلغاء تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة لجميع السوريين (وكان ذلك الوصف يشمل السوريين واللبنانيين آنذاك). وقد تم تصنيفهم كـ «تهديد عام»، حيث أتوا بأنماط حياة غريبة ولم «يضيفوا أي قيمة» إلى المجتمع، بحسب ما قال السيناتور ديفيد ريد من ولاية بنسلفانيا، في دعم قضيته لطرد السوريين آنذاك، مضيفاً: «لا نحتاج إلى قدوم مزيد من القمامة السورية إلى أميركا».
وقد حصل والدي، الذي كان متلهفاً للانضمام إلى أسرته، على وظيفة ضمن طاقم سفينة تُبحر من مارسيليا إلى نيويورك. ولدى وصوله، تخفى ودخل الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية. وفي نهاية المطاف اتصل بوالدته وأشقائه، ولم يعد إلى باريس أبداً. وبعد سنوات من التخفي والخوف من الترحيل والانفصال عن أسرته مرة أخرى، استفاد والدي من برنامج عفو في ثلاثينيات القرن الماضي، وفي عام 1942، حلف اليمين كمواطن أميركي. وخلال العقود التسعة الماضية، أبلت عائلتي بلاء حسناً في وطنها الجديد، فأنجبت أطباء ومحامين ومعلمين ومحاربين قدامى في جميع الحروب، وموظفين في جميع أفرع الحكومة الأميركية.
وفي العام 2013، عينني الرئيس أوباما في «اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية». ومع ذلك التعيين، جاء ما يسمى بـ «المخطوطة»، وهو إعلان مكتوب بخط اليد، وقعه الرئيس، وجعله إعلاناً رسمياً للتعيين. وعلى جدار مكتبي، علقت مخطوطة تعييني إلى جوار شهادة جنسية والدي. وبالنسبة لي، يحكي ذلك قصة عظيمة، عن كيفية تحوّل أميركا من الإقصاء والتعصب إلى القبول والفرصة.
دائماً ما كان هناك صوتان يتنافسان على روح أميركا: أحدهما صوت الترحيب والاحترام للتنوع، بينما الآخر صوت التعصب والخوف من المختلفين. وعندما يدعو المرشحون الجمهوريون اليوم إلى إغلاق المساجد، ومنع المهاجرين المسلمين من دخول البلاد، أو إنجاز بطاقات هوية للمسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، عندئذ لا بد من الرد. وما يجب أن نفعله رداً على ذلك هو أن نواجه المتنمّرين كما فعل أوباما. وإذا كان تاريخنا يعلمنا شيئاً، فهو أن أصوات الخير دائماً ما تُسمع، وتنتصر في النهاية.
السفير

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً