عالم الغرباء دينا سَـليم

2016/02/08
Updated 2016/02/08 at 9:49 صباحًا

0000deeeeeeeeeeeeena34534

قصة قصيرة دربوني هنا وفي بلاد الغرب والاغتراب، أن أحترم عطلة آخر الأسبوع، يومان كاملان قررت فيهما زيارة جزيرة الأقزام، حيث لا أحد يسأل عن مظهر الإنسان وعيوبه بل عن عمق الإنسان الحقيقي، هذا الكائن القصير جدا يغويني ويسحرني، عقله المنبت داخل رأسه الكبير نسبيا مقارنة بحجم جثته المنخفضة جدا، ينبؤني بأن قامتي تشيد بقامة المكان الذي رحلت عنه، لكن وللأسف الشديد، لم أستطع العودة لأنني اعتدت على الغربة، فاسمعوا حكايتي. – ماذا جلبتِ معك من هناك؟ سألني أحد الأقزام – حملت معي مآسي الدنيا وجئت بها لأبحث عن حلول ترضي الجميع! أجبته – منذ أكثر من عقدين لم يقترب القمر من الأرض بهذا الشكل الرهيب، يبدو القمر اهليجي الشكل بيضويا هذه المرة، هو يحوم قريبا من الأرض، فمنذ عام 1993 لم يكن بكل هذا الوضوح، يظهر لنا جليا وجريئا، لذلك نشعر جميعنا بالحزن والاغتراب! أخبرني بثقة – هل تريد أن تقول أن اقترابه من كرتنا له علاقة بالهزات الأرضية التي اقتحمت عدة مناطق منكوبة، وهو سبب تشرذمنا وضياعنا وغياب القيم الجميلة من حياتنا؟ سألته ومضيت في طريقي. مشيت على سطح غطي بالرماد فاتسخت قدماي، قررت أن أصنع طريقا آخر لي فتقاطعت الطرق أمامي، أنا الخارجة من قوقعة الآلام لا أهتدي إلى سطح آمن يأوي خطواتي المتوغلة في عمق الأرق، توقف عقلي عن التفكير فدرت في حلبة مفرغة والقزم يتتبع حركاتي الفارغة بفضول، لم تتفق روحي مع نظراته الحائرة، نظراته تذكرني بأن الصباح قد انتهى! – هل أنتِ من هؤلاء؟ سألني – من هم الذين تتحدث عنهم؟ أجبته بسؤال آخر، يصله صوتي المبحوح الذي تغيّر بسبب تبدّل المناخ. – المنفيين من أنفسهم؟ قال ضحكت ضحكة بلهاء هزّت أعماقه، ارتجفت بطنه المنتفخة ورفلت عيناه، استطاع أن يتخلص من صوتي عندما وضعه في صندوق قديم كان يحمله، هل سيضع روحي التائهة هناك أيضا؟ سألت نفسي وأنا أصرخ مجددا، تعالت أصواتي وملأت الكون صراخا ثم عدت كالمهزومين لأمتثل أمامه، ومن فوق نظرت إليه وهو غير آبه بي، لقد استطاع أن يلملم صياحي هذا المخلوق، ابتعد فلحقت به، وعندما طلبت منه أن يعيرني حذاءه قتله الضحك مجددا، انطرح أرضا وبدأ يتلوى مثل الأفعى التي فقدت ذيلها، إنه يستهزيء بي هذا المسخ السعيد، شككت بمصدر سعادته وهو لا يملك من حيل الدنيا سوى بعض سنتمترات تمنح لقامته العرجاء استنشاق بعض الهواء، قال: – عقلك متوقف عن الحياة! – أغلق صندوقك وأوصد نباحي داخله إذن! قلت له بعصبية ظاهرة – العقل لا ينشط إلا بالحب، فموعدك مع الجمال لم يحن بعد، أنت تكرهين أكثر مم تحبين لذلك تشعرين بالغربة، أحبي، فحينها ستكونين على موعد مع الحياة! قال – عقلي دائم التجدد ولا أملك وقتا للمحبة، لا أحد يحب أحدا الآن، الكل يدوس على الجثث ويفتخر بقوته، الحب ضعف والكره سيادة! – لماذا أنت هنا في جزيرة الأقزام؟ – هنا الوقت يملك هوية وللمطر لغته، من هنا أستطيع تنظيم طريق العمر، قلت لنفسي ربما هناك في الأفق البعيد تتضح الأشياء وتظهر الحقيقة، لذلك أتيت! – لذلك نزلتِ من كوكبكِ إلى آخر مكان في الكون؟ – هل هذه آخر المحطات؟ سألته متخوفة – نعم ولم يبق سوانا من البشر هنا، هلا تشاركنا الحياة؟ هيا بنا نبني صندوق سيدنا (نوح) معا؟ – هل تنوي بناءه فعلا؟ – نعم، لأن النهاية باتت وشيكة! – لنفعل ذلك معا إذا، سوف أساعدك فقامتي تساعدني على فعل الأشياء الصعبة! – ومن قال لك أننا سنفعل ذلك معا، وبما أنكِ بدأتِ ومنذ بداية علاقتنا التي لن تستمر، بمعايرتني بقصر قامتي، كيف لنا العيش معا في صندوق واحد، دورة القمر الثانية ستكون سنة 2029، لن استطيع تغيير معتقداتك السيئة خلال هذه المدة الطويلة، سيكون أسهل تغيير وجهة القمر، فربما يصطلح حالنا جميعا وتعودين أنتِ من حيث أتيت… لن تأتي معي لأننا لن نتفق أبدا! – يا لهذا الوهم الذي كسى عقل الانسان مثل الوباء، كل يتوهم بتصليح الكون وذلك حسب طريقته وما يعانيه المرء من نواقص ونوازع لا تناسب أهواء الآخر، يا لهذه الأنانية، إسمع أيها القزم الواهم، هي ثلاثة حلول لا غير، أو تصبح مثلي أو أصير أنا مثلك، أو يغادر أحدنا الآخر. أجبته بحزم وقسوة – سأتركك وأذهب إذن، هذا هو الحلّ الذي يرضيني! – إلى أين تذهب وتتركني وحيدة هنا في عالم الصغار، أقصد عالم الأقزام؟ – وتجددين الإهانة؟ لسنا صغارا يا صاحبة القامة الممشوقة، بل أقزام ونفتخر. – لا تذهب، لا تتركني وحيدة هنا أرجوك، ثم كيف نفترق ونحن فقط الوحيدان الموجودان في الكون الآن، لنتدرب كيف يتقبل بعضنا الآخر، وربما … – صه، كفى، سأزور جزيرة العمالقة أولا، هناك أصبح عملاقا وأنتِ ستصبحين بالنسبة لي قزمة وصغيرة، وسألتقط القمر بيدي هذه المرة، سأبدل اتجاهه لكي يستقر الحال بالبشر. – إذن ستتبدل من قزم لتصبح عملاقا؟ قلت ساخرة لم يأبه لي، تركني وحيدة وذهب لكي يلتقط القمر بيده، ليكن، ليفعل ما يريده، جميعهم صامتون، ينظرون إلي بصمت مخيف، يا ترى ما الذي يخططه الأقزام الآن، قدماي تؤلماني فلم أعتد على المضي حافية، ثم أحذيتهم لا تليق بمقاس قدمي، تهت في المكان ولم أستطع العودة، يا إلهي لقد تحوّل الجميع إلى أصنام، ولم يظهر القمر في السماء يومها. جميعنا غرباء، تلفنا الغربة كرداء أبدي لا يهترئ، وسنموت أغرابا مثل الغربان.

*روائية فلسطينية تقيم في أستراليا – الحياة الجديدة

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً