عن “الترحيل” من معبر رفح

2016/05/22
Updated 2016/05/22 at 9:09 صباحًا

217753c6-80d1-4868-b881-d6156d7f674c

 

إذا كان اسمك موجوداً على قوائم المسافرين من غزّة عندما يفتح معبر رفح أبوابه ليومين أو ثلاثة، مرّة كل ثلاثة أشهر، فأنت على موعد مع رحلة من العذاب.
قبل عامٍ ونصف، وبعد محاولتين فاشلتين في السفر، حالفني الحظ بالإفلات في اليوم الثالث من عمل المعبر بعد إغلاق دام لأشهر. انتظرت منذ الفجر أمام الصالة الخارجية للمعبر حتى صاح الضابط الفلسطيني باسمي. خُتِم جواز سفري، ثم ركبت الباص الذي سينقلنا مسافة أقل من كيلومتر واحد إلى الصالة المصرية من المعبر.
انتظرنا لساعاتٍ قبل أن يبدأ الضابط المصري بالمناداة على أسمائنا، ليمنح بعضنا شرف السفر وليعيد الباقين إلى قاع الزجاجة حتّى أجلٍ غير معلوم.
كُنت واحداً من الذين سُمح لهم بمعايشة تجربة السفر عبر بوابة الجحيم، والتي يتعذّب من يخرج منها حتى يصل إلى مطار القاهرة. هذا إذا لم يستمر العذاب معه في البلد الذي يذهب إليه، فقوانين سفر وإقامة الفلسطينيين تختلف عن بقية البشر في العالم.
وضع ضابط الجوازات في الصالة المصرية من المعبر ختم المغادرة على جواز سفري، وكتب فوقه “ترحيل خلال 72 ساعة”، وطلب مني الانتظار في الساحة حتى يأتي المساء، وتبدأ جولة ترحيل المسافرين إلى مطار القاهرة.
الخامسة مساءً بتوقيت غزة، السادسة بتوقيت القاهرة، اصطفت مجموعة من سيارات المرسيدس القديمة يرافقها باص كبير لنقل المسافرين بعد أن حزموا أمتعتهم ودفع كل منهم مبلغ 120 جنيهاً مصرياً ثمن “الترحيل”، يتقدمهم مندوب عن السفارة الفلسطينية في القاهرة يركب سيارته الحديثة ويحمل فيها جوازات سفرنا جميعاً ورُخص المركبات التي ترافقنا خوفاً من أن يهرب أحدنا في ليل صحراء سيناء المظلم.
لأسباب لا نعلمها كنّا مضطرين للنزول كل كيلومتر أو كيلومترين على حواجز تفتيش للجيش المصري على امتداد الطريق من غزة إلى آخر الصحراء. ينزل البشر المحشورون في السيارات المهترئة بشكل روتيني لينظر إليهم مجند مصري بزي ميري قديم، أو ضابط يلبس لباساً رياضياً، كالذي أطلق النار من الكلاشنكوف أمامنا على الأرض وطمأننا بعدها أنّ هذا “إنذار للإرهابيين بأن الجيش المصري موجود هنا”. واصلنا المسير فوق المطبات الأرضية، وما أكثرها، حتى اجتزنا جسر السلام المعلق بعد خمس ساعات من الترحيل داخل الصحراء، ثم يسمح لنا بالنزول مرة واحدة فقط لقضاء الحاجة وتناول بعض الطعام.
حتى ذلك الوقت لم نكن رأينا من مصر سوى الصحراء، ومن يحرس رملها من عساكر، إلى أن دخلنا مدخل مدينة الإسماعيلية وبدأت وجوه الناس تلوح على الطرق بلباسهم التقليدي، خاصة باعة المانغا الذين يفترشون أرصفة الطرق، ويدعوننا لشراء بعض المانغا، من دون أن يعرفوا أن نزول أحدنا من السيارة لأي سبب قد يعيد كل من فيها إلى غزة.
استغرقت رحلتنا 11 ساعة قبل أن نصل إلى المطار، لم نستطع خلالها التفوه بكلمة واحدة احتجاجاً على ترحيلنا. كلما هم أحدنا بالحديث قال السائق: “منتم مش عاجبكم أبو علاء”، قاصداً بذلك عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وأن هذا ما جلبته أيدينا. التزمنا الصمت حتى “تعدي هالليلة ع خير”.
وصلنا مطار القاهرة الرابعة فجراً، وكان في استقبالنا مجموعة من رجال الشرطة المصريين وأمن المطار، نادوا على أسمائنا واحتجزنا في غرفة الترحيل الخاصة بالفلسطينيين، إلى حين مجيء موعد سفرنا، ثم سلمونا جوازات السفر لننطلق إلى العالم بعد رحلة مُرة ستظل عالقة في الذاكرة إلى الأبد.
(اسطنبول)

السفير

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً