إطلاق نار قاتل، ثورة جنرال، وصعود اليمين الجديد في إسرائيل

2016/06/06
Updated 2016/06/06 at 9:21 صباحًا

index

ربما لم تكن الطلقة النارية التي قتلت عبد الفتاح الشريف في أواخر آذار (مارس) الماضي قد سمعت في كل أرجاء العالم، لكنها نجحت مع ذلك في هز أركان المجتمع الإسرائيلي. كان الشريف، الشاب الفلسطيني الذي شارك في هجوم أسفر عن جرح جندي إسرائيلي في مدينة الخليل في جنوبي الضفة الغربية، ملقى على الأرض جريحاً بلا حول ولا قوة. وبينما كان الجنود الإسرائيليون يحيطون به وسيارات الإسعاف تجيء وتغدو، سار الرقيب إيلور أزاريا باتجاه الشريف وأطلق النار على الشاب الجريح في رأسه من مسافة قريبة.
قسمت الحادثة الجمهور الإسرائيلي والقادة الإسرائيليين؛ حيث أعرب البعض عن الغضب بسبب قتل رجل عاجز، بينما دعم بعض آخرون حتى أكثر الردود تطرفاً على هجوم بالطعن. وفي النهاية تسببت الفضيحة، بشكل غير مباشر، في كارثة سياسية كان ضحيتها وزير الدفاع موشي يعالون. فقد انتقد وزير الدفاع بحدة الرقيب أزاريا قائلاً أن كل من دعم فعلته “يلحق الضرر بقيم قوات الدفاع الإسرائيلية”. وحل محل يعالون في شغل منصب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، السياسي اليميني الخشن المعروف بعلاقاته المتوترة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وبموقفه العدائي تجاه جيران إسرائيل.
قرر يعالون الاستقالة بعد أن وجد أن نتنياهو كان يعرض المنصب على الأحزاب الأخرى. كما استقال عضو حزب الليكود القوي من الكنيست وقال: “إنني آخذ وقتاً مستقطعاً من الحياة السياسية” بسبب “الافتقار إلى الإيمان” بنتنياهو، ولأنه “خائف على مستقبل إسرائيل” في ظل القيادة الحالية.
تعكس العداوات في قمة الحكومة الإسرائيلية انقساماً مجتمعياً أكبر، والذي تكشف عبر التصعيد الأخير في العنف، والذي أفضى إلى مقتل عشرات من الإسرائيليين منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وقد عملت موجة هجمات الطعن التي نفذها في الغالب “ذئاب وحيدون” من الشباب الفلسطيني على جلب احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية إلى رأس الأجندة -وكشفت اللثام أيضاً عن الانقسامات السائدة بين الإسرائيليين فيما يتصل باحتمال التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع، وبقواعد الاشتباك بالنسبة للجنود والشرطة عند التعامل مع المهاجمين.
وطالب ساسة اليمين، في الحكومة وخارجها، بتطبيق سياسة إطلاق النار بهدف القتل في كل حادثة. وكان من بين هؤلاء ليبرمان الذي قال بعد حادثة إطلاق النار المذكورة: “أن يكون الجندي مخطئاً ويظل على قيد الحياة أفضل من أن يتردد ليجد نفسه مقتولاً”. حتى أنه سجل موقفاً بظهورة في المحكمة العسكرية لإظهار دعمه لعائلة أزاريا.
وعلى مدار موجة الهجمات، أمر كل من يعالون والقائد في قوات الدفاع الإسرائيلية، غادي إيزنكوت، الجنود الإسرائيليين بإطلاق النار في حالة تعرض حياتهم للخطر فقط، وبالرد بحذر عند التعامل مع المهاجمين القصَّر، وبتقديم المعالجة الطبية الفورية لمرتكبي الهجمات بعد إطلاق النار عليهم. وكان ايزنكوت هو أول من واجه غضب اليمين بعد أن طلب من الجنود عدم تفريغ مخازن أسلحتهم في “جسم فتاة بعمر 13 عاماً وقطعه بمقص”.
كان قتل أزاريا لشريف في آذار (مارس) الماضي هو ما أثار هذا الجدل المتخمر ووضعه في الواجهة. وكان شريط فديو يصور الحادثة، والذي نشرته منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسليم” قد تسبب في إثارة عاصفة سياسية ضخمة، فأدان يعالون وإيزنكوت تصرف الجندي وتم تقديمه للمحاكمة بتهمة القتل غير العمد. ومن ناحيته، دعم نتنياهو ضباط الجيش في البداية، لكنه ما لبث أن غير رأيه بعد قرائته لاستطلاعات الرأي العام الإسرائيلي التي أظهرت أن معظم الإسرائيليين يشعرون بأن رد فعل الجيش الإسرائيلي كان قاسياً جداً -حتى أن نتنياهو أجرى اتصالاً هاتفياً بوالد أزاريا، والذي قال رئيس الوزراء خلاله أنه يتفهم محنة العائلة “كوالد لجندي” -في خطوة لا سابقة لها والتي أدهشت يعالون.
ثم جاءت الضربة النهائية: حيث عمد نائب إيزنكوت، الجنرال يئير غولان، يوم 4 أيار (مايو) إلى مقارنة الاتجاهات الأخيرة في المجتمع الإسرائيلي بتطورات كانت قد حدثت في أوروبا “وعلى وجه الخصوص في ألمانيا قبل 70 أو 80 عاماً”.
وفي إسرائيل، تعد أي مقارنة مع النازيين بمثابة شيء محظور “تابو”، وخاصة عندما يسوقها ضابط بالزي العسكري متحدثاً بمناسبة إحياء ذكرى الهولوكوست. وبينما انتقد نتنياهو غولان علانية، دافع يعالون عن الجنرال. واستمر الخلاف بين الرجلين أسبوعاً آخر حيث دعا يعالون الضباط إلى التحدث بحرية عما يجول في خاطرهم عندما يتحدثون مع الساسة.
وبعد بضعة أيام من تلك الملاحظات، أعفي يعالون من منصبه. وعرض نتنياهو منصبه على كل من ليبرمان وحزب الاتحاد الصهيوني من يسار الوسط، فاستقال يعالون المغضب متهماً رئيس الوزراء بتقسيم المجتمع الإسرائيلي بشكل متعمد.
لكن هذا الأمر كله لم يكن نقاشاً حول الأخلاق والفضيلة، وإنما كانت لدى نتنياهو مسوغات أخرى. وكان يشعر بانزعاج لبعض الوقت بسبب ائتلافه الضيق المدعوم من جانب أغلبية ضئيلة في الكنيست قوامها 61 عضواً من أصل 120. وحسب النظام الإسرائيلي، من الممكن أن تواجه الحكومة اقتراعاً بالتصويت على نزع الثقة عنها في أي وقت، مما يجعل نتنياهو معتمداً بشكل كامل على أعضاء الائتلاف -بمن فيهم عضو شاب من الليكود اتهم مؤخراً في تقرير تلفزيوني بالتورط في فضيحة قمار ودعارة في بلغاريا.
كما كان نتنياهو يشعر بالقلق أيضاً من أن ينظر إليه على أنه ضعيف في وجه الهجمات الإرهابية الأخيرة. ويأتي مصدر دعمه الرئيس بين الناخبين من اعتقاد بأنه “السيد أمن”. وبذلك، فإن أي إمارة على انعدام الحيلة في وجه هذه التهديدات تمثل مشكلة سياسية بالنسبة إليه. وكان الخوف يتملك نتنياهو من أن تنظر “قاعدته” الانتخابية من ناخبي اليمين الليكودي إلى التصريحات التي أدلى بها يعالون وكبار ضباط الجيش على أنها تهاون مع الإرهابيين، ومن أنه سيعاني، كرئيس للوزراء، من بعض الضرر الجانبي.
كان الجواب على المشكلة، كما تبيَّن، هو ليبرمان. وبدخول أعضاء حزبه الخمسة في الائتلاف -العضو السادس في الكنيست رفض الانضمام- سيتمتع رئيس الوزراء بهامش مريح نسبياً.
وكان لبيرمان قد عين مديراً عاماً لمكتب نتنياهو في العام 1996، لكنه اختلف مع رئيس الوزراء بعد وقت قصير من ذلك. كما أن الرجلين مرا بعلاقات عاصفة في كثير من الأحيان منذئذٍ. وقبل بضعة أيام من استلامه منصب وزير الدفاع، كان ليبرمان قد اتهم نتنياهو بالاستسلام للإرهاب الفلسطيني. وفي المقابل، وصف مكتب نتنياهو وزير دفاع المستقبل بأنه “غير مناسب حتى لوظيفة مراسل صحفي عسكري”. (وهي كلمات قاسية على آذان كاتب هذا التقرير، وهو المراسل الصحفي العسكري).
ومع ذلك، فإن عبارات التشاجر السابقة هذه لا تهم كثيراً أمام الفوائد السياسية التي يأمل كل من نتنياهو وليبرمان في جنيها من تحالفهما الجديد. فبالإضافة إلى تأمين ولاء قاعدته الصقرية، ربما يرى نتنياهو مزية أخرى في استبدال يعالون بليبرمان. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان يبدي انزعاجاً لبعض الوقت من أن يكون يعالون وكبار ضباط الجيش الإسرائيلي يعملون كآخر جيب مقاومة ضده، معبرين عن موقف أكثر ضبطاً للنفس تجاه الفلسطينيين. وكما قال المحلل السياسي في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، يوسي فيرتر، فإن نتنياهو سوف يطلق ليبرمان ” مسلحاً بمضرب كرة القاعدة” ضد آخر النخب القديمة في إسرائيل، الجيش.
ومع ذلك، تم استقبال هذا التغيير بالصدمة في المقر الرئيسي للجيش في تل أبيب في الشهر الماضي. ولم يكن الجنرالات مدركين أن نتنياهو قد يقيل يعالون حتى اللحظة الأخيرة تقريباً. وبينما يعتبر يعالون رئيسا سابقاً لأركان الجيش الإسرائيلي، والذي كان ينظر إليه على أنه جزء أصيل من المؤسسة العسكرية، فإن ليبرمان لا يتمتع بمثل هذه العلاقة مع الجنرالات. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد قد وصل إلى إسرائيل من الاتحاد السوفياتي في أواخر السبعينيات، وخدم لفترة بسيطة في الفرع اللوجستي في جيش الدفاع الإسرائيلي. وفي الأعوام الأخيرة لم يخف ازدراؤه للجيش بسبب فشله في توجيه ضربة ضخمة لكل من حزب الله أو حماس خلال المواجهات الأخيرة في لبنان وغزة.
وكان ليبرمان قد هدد بقصف سد أسوان “السد العالي” في مصر، وقال في الشهر قبل الماضي أن على إسرائيل اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية اذا رفضت حركة حماس إعادة جثماني الجنديين الإسرائيليين اللذين كانا قد قتلا في غزة في العام 2014. وعلى الرغم من ذلك، تنظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلى مواقفه على أنها سبب أقل جديّة للقلق. ويعتقد على نطاق واسع في إسرائيل بأن وزراء الدفاع يظهرون المزيد من ضبط النفس عندما يعرض عليهم المنصب، وعندما يقفون أمام المسؤوليات الضخمة التي يرتبها المنصب. وكان نتنياهو نفسه قد دعا إلى تدمير نظام حماس في غزة في بداية العام 2009، لكنه لم يتابع وعده أبداً عندما أصبح رئيساً للوزراء بعد أشهر قليلة.
في الأثناء، لا يؤمن يعالون ولا ليبرمان بحل الدولتين. لكنهما يتوافران على استراتجيتين مختلفتين تماماً فيما يتعلق بالتعامل مع الفلسطينيين. فقد اعتمد يعالون على عمل دقيق ومحدد، إلى جانب تعاون أمني وثيق مع السلطة الفلسطينية لاحتواء الهجمات. أما ليبرمان فقد أعرب عن ازدرائه لحكومة محمود عباس في الضفة الغربية، وربما يجد من الأكثر صعوبة التنسيق مع مختلف الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية.
لكن الاختلاف الأكثر أهمية هو عدم توافق الرجلين حول مسألة قواعد الاشتباك عند الجنود. فليبرمان، على عكس يعالون، يرى هذه المسألة من منظور أبيض وأسود: يجب إطلاق النار على الإرهابيين وقتلهم؛ الأسئلة والإجابات هي للصحفيين وغيرهم من المعنيين، وليست لصناع القرار.
كانت وجهات النظر هذه هي التي قادت رئيس الوزراء السابق باراك أوباما إلى التحذير يوم 20 أيار (مايو) من “الميول الفاشية” في الحكومة والمجتمع الإسرائيليين. وفي الغضون، شرع بعض الإسرائيليين في الإعراب عن مخاوف مماثلة: ويوم الجمعة قبل الماضي قال أكثر مراسل عسكري شعبية في إسرائيل، روني دانيال، للتلفزيون أن لديه للمرة الأولى تحفظات تتعلق بما إذا كان سيشجع أبناءه على الاستمرار في العيش في إسرائيل عندما يبلغون سن الرشد.
وكنتُ قد التقيت بأبنائه شخصياً: شبان طيبون في بداية العشرينات من العمر يدرسون في الجامعة بعد خدمة كبيرة في الجيش. وإذا كان دانيال، الذي يشكل أحد أعمدة الاتجاه السياسي السائد في إسرائيل والصهيوني المتعصب يقول هذا، فإن نتنياهو ربما يكون بصدد مواجهة مشكلة سياسية أكبر كثيراً مما يقدر حالياً.

عاموس هاريل – (فورين بوليسي/2016

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

 

 

*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:A Deadly Shooting, a General’s Revolt, and the Rise of Israel’s New Right

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً