قصة قصيرة ” العيد ” !! (د. عبد القادر فارس)

2016/06/18
Updated 2016/06/18 at 11:48 صباحًا

thumbgen

( من مذكرات فدائي)

الجو بارد إلى درجة الصفر في كانون الثاني ( يناير ) , لكن المهمة يجب أن تتم , فقد صدر الأمر الاداري بضرورة إجراء احصاء وتعبئة ذاتيات للفدائيين والمقاتلين من حركة فتح في ساحتي سوريا ولبنان , واختير ليكون ضمن بعثة الادارة العسكرية ( التنظيم والادارة لاحقا) بالتوجه من دمشق إلى جنوب لبنان , لإجراء المقابلات مع الفدائيين في قواعدهم المنتشرة في خطوط المواجهة في ” فتح لاند ” , والقرى اللبنانية التي تحتضن الفدائيين بكل دفء ومحبة , وينخرط الكثير من أبنائها في صفوف الثورة الفلسطينية , قبل أن تنشأ التنظيمات اللبنانية فيما بعد … استعدوا للرحلة مبكرا , واستقلوا سيارة مدنية للوصول إلى مدينة النبطية , استقبلهم المسؤولون هناك , وبعد التعريف بالمهمة , وتقديم واجب الضيافة , تم توزيع القادمين الستة إلى ثلاث مجموعات , اثنان لكل مجموعة , وكان نصيبه التوجه إلى مدينة “الهبارية” التي تبعد بحوالي خمسة كيلو مترات عن الحدود اللبنانية الاسرائيلية , ولصعوبة ووعورة المنطقة الحرجية والجبلية , ونظرا لحالة الأرض الطينية المبتلة والتي كانت تغطيها الثلوج في ذلك اليوم الكانوني , استقلوا سيارة ” جيب عسكرية ” للتنقل بين قواعد الفدائيين… وما أن بدأوا التحرك حتى انطلقت من برج مراقبة اسرائيلي في الجهة المقابلة من الحدود صلية من رشاش 500 الثقيل , أصابت الجيب في مقدمته , واخترقت الرصاصات ” الموتور ” والعجلتين الأماميتين , لكن دون وقوع اصابات ممن كانوا على متن السيارة , حيث قفز الجميع , آخذين وضع الانبطاح أرضا , حتى توقف اطلاق الرصاص … ابتلت ملابسهم بمياه الثلوج المتراكمة , واتسخت بالوحل والطين .. لجأوا إلى أحد المنازل القريبة التي خرج سكانها لاستطلاع أمر اطلاق النار على بلدتهم .. استقبلهم رجل ستيني عرفه آمر القاعدة التي كان الشباب سيتوجهون إليها لجمع الذاتيات , وبادره ” صباح الخير يا عم علي” , رحب بهم ودعاهم للدخول إلى بهو المنزل حيث تقع مدفأة من الحطب , دعاهم للجلوس بجوارها لتدفئة أجسادهم وتجفيف ملابسهم , ونادى على ابنته فاطمة لإحضار الشاي وتحضير الفطور , أحضرت فاطمة الفطور المكون من البيض المقلي بالسمن البلدي , وجبنة الحلوم المصنوعة في منزلهم , وطبق من اللبنة المصنوعة من حليب الغنم , موشاة برشة من النعناع المجفف , وزيت الزيتون المجني من حقلهم , مع صحنين صغيرين من القشدة والعسل .. كانت فاطمة تلبس ثوبا أسود يغطي ما تحت الركبتين , بينما تغطي رأسها بشال أبيض يغطي أكثر من نصف رأسها , بينما تطل خصلات الشعر الأسود على جبينها الأبيض , فبدت ذات جمال ريفي تعرف به بنات ونساء المنطقة , غير أنه لاحظ خشونة في يديها اللتين لم تكونا برقة ونعومة وجهها الذي ينم عن عشرين ربيعا من عمرها , كيف لا وهي الفلاحة التي تساعد والديها في زراعة الأرض , وتربية المواشي التي تذوق للتو منتجاتها من الجبن واللبنة والقشدة , ولا يزال إلى اليوم يتذكر ذلك الطعم الشهي لذلك الافطار الكانوني.

غادر منزل العم علي , ولا زالت صورة فاطمة تلمع في ذاكرته , وكان عليه مع رفاقه القادمين من دمشق اتمام المهمة قبل حلول اليوم الموالي الذي سيصبح عيد الأضحى … أنهوا المهمة في حدود منتصف الليل , حملوا أوراقهم وما جمعوه من ذاتيات , وعادوا إلى النبطية حيث تنتظرهم سيارة المرسيدس التي أقلتهم قبل ثلاثة أيام .. ودعوا الزملاء والرفاق في جنوب لبنان , وقفلوا عائدين للشام , ووصلوا في حدود الساعة السادسة صباحا , بينما كانت تصدح تكبيرات المصلين في المساجد , معلنة حلول عيد الأضحى المبارك , وقبل أن يذهبوا لمنازلهم لقضاء إجازة العيد , ذهبوا لمقر الادارة العسكرية بضاحية ” الهامة ” , لتسليم ما جمعوه من ذاتيات , تفاجأوا بقدوم القائد العام بزيه العسكري المميز برفقة عدد من المرافقين بعد ساعة من وصولهم … كان منظرهم يوحي بشيء غريب , سألهم الأخ أبو عمار : ما هذه الأوحال على ملابسكم وأحذيتكم , هل كنتم في دورة في المعسكر القريب ؟ أجابوه أنهم قادمون من جنوب لبنان بعد أن قضوا ثلاثة أيام في جمع ذاتيات المقاتلين … أثنى عليهم وشكرهم على ما أنجزوه في هذه الظروف العاصفة من شهر كانون الثاني , غير أنه تنبه أن مدير الادارة العسكرية لم يكن في استقباله , سأل الموجودين أين ( أبو …. ) , الذي ظهر للتو بملابس النوم ( بيجامة الرياضة ) , فبادره القائد العام ” إيه يا خويا , نايم لدلوقت ) , ارتبك المدير وأجاب بصوت منخفض , لم أنم إلا بعد الفجر , أجابه القائد العام ” هو انت مش عارف إنه القائد آخر من ينام وأول من يستيقظ ” .. تركه يلملم جسده داخل جلده , والتفت لكبير المرافقين طالبا منه صرف العيدية للشباب القادمين من جنوب لبنان , قائلا لهم “كل سنة وانتم سالمين , وإن شاء الله العيد القادم وأنتم في فلسطين”.

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً