فاتيكان “الإخوان”: الخوف من انتصار غزة

2012/12/03
Updated 2012/12/03 at 10:40 صباحًا

الصوت صوت خالد، الصورة صورة مشعل، ولكن الكلام ليس كلام قائد مقاومة، بل هو بالتحديد، داعية سياسي، وشتان ما بين الاثنين. الأول، رأسماله إيمان بالأفق، والثاني ملتزم بالسلطة. الأول، أفقه الحرية، والثاني أفقه، فقه المرحلة.
الأفضلية كانت لخالد المقاومة، لا لمشعل «الإخوان» بآيتهم المصرية. ولهذا، بدت غزة في انتصارها الثاني على إسرائيل، بلا أب حقيقي لها، ليسميها باسمها الحقيقي، من دون إلحاقها بكنية لا تمت إلى المقاومة، كنية المساومة لا تليق بالانتصار.
غزة العاصية، يُخشى عليها من انتصارها.. النصر صنعته الإرادة والقوة والمثابرة والاحتمال والصبر والشهادة، وتلك أسلحة تفوق كل سلاح.. أسلحة الأنظمة أضخم وأحدث وأفخم وأكثر مما تملكه حفنة من أهل غزة.. أسلحة الأنظمة، المتهافتة لاحتضان انتصار غزة، أجبن من أن تطلق رصاصة، من دون إذن يأتيها، أو أمر يردها، من مرابط أموالها ومصالحها في عواصم الدفاع الدائم والمطلق عن إسرائيل. سلاح غزة أهلها الفلسطينيون، أما الصواريخ، فليست مجهولة المصدر.
ولقد حضرت هذه الأنظمة لاعتقال الانتصار وللإفراج عن السلطة المحاصرة… غزة فلسطين، يريدونها، غزة بلا أمها… «الخالة» المصرية أولى برعايتها.
من يصدق ان خالد مشعل الأول، هو خالد مشعل الثاني؟ أفضّل الأول، ولعله يعود المشعل. إنما: ما هذا المديح الصميمي والحميمي لمصر «الاخوان»؟ فما بين مصر الفلسطينية ومصر «الاخوان» مسافات. لا فلسطين في خطاب «الاخوان»، أكانوا في مصر أم في تونس أم في «فاتيكان» «الاخوان» في قطر. اهتدى «الاخوان» إلى السلطة، وما اهتدوا بعد إلى فلسطين.
من يصدق أن قائد مقاومة يكيل المدائح بسخاء لغوي وترداد فاقع، لمسؤول جهاز المخابرات المصري؟ لماذا؟ لأنه أمّن تغطية لاتفاق، كان يمكن لحسني مبارك أن يحظى بأفضل منه؟
إن الواقعية تفرض من الآن فصاعداً أن لا نقرأ أبدا أي مسألة من باب العقائد والقيم والمناقب والتدين، وأن نجيد فهم الوقائع. وفي الوقائع، يبدو أن التمذهب فوق القضايا وفوق الأوطان وفوق الحرية… فللتشيع مقاومة، وللتسنن مقاومة أخرى. للتشيع محور وللتسنن محور آخر، ولا يلتقيان.
لنشرح قليلاً: «الاخوان» في مصر، سلطة تامة، تمارس السيطرة، وتسعى لوضع مصر في قمقمها المذهبي والفقهي، مع ما يقتضي ذلك من استئثار بالحكم وأدواته ومؤسساته، وما يلزم من مواد دستورية تلزم وتكره الناس على ما لا يريدونه، بادعاء الحفاظ على الشريعة الدينية، وبأمرة الفقهاء الذين يتلوَّنون، بما يتناسب مع عطاءات السلطة لهم. فالفقهاء، تاريخيا، أُجَرَاء لدى الحاكمين، وقلة قليلة نادرة من تجرأت على الحاكم بأمره، كإله سياسي آخر، ونجت من تنكيله.
«إخوان» مصر، في طريقهم إلى اعتقال الأمة، وهم في طريقهم للانقضاض على الحريات، وفي نيتهم أن يبقوا على الديموقراطية ان كانت، بعد تقنين أدواتها، تعيدهم إلى السلطة… «الاخوان» في طريقهم إلى الاستبداد. وأكثر من نصف الشعب المصري ضدهم. «ميدان التحرير» الذي فيه كان المخاض ومنه كان الحبل وسيل الولادات، لم يكن إخوانيا ولا سلفيا. كان نقيا من كل تبعية ميتافيزيقية أو كلامية أو لاهوتية، متعلقاً بمبادئ الحرية والعدالة والكرامة والخبز.
ألا تشكل مطوّلات المدائح في كلام مشعل لسلطة «الاخوان»، لمصر «الاخوان»، لمرسي «الاخوان» ولمخابرات «الاخوان» و«لإخوان الاخوان»، إهانة لأكثرية من الشعب المصري؟ يتظاهر الملايين ضدهم في الميادين، لاستعادة ما اقتنصه الاخوان من ثورة الغلابى والطلاب والمدنيين والكتاب والمفكرين ومضطهدي السلطات المتعافية؟ كيف نصدق أن خلاف خالد مشعل مع نظام الأسد، ـ والخلاف مع هذا النظام شرعي وأخلاقي وثوري ـ هو بسبب انحيازه إلى جانب الشعب السوري في مقاومته للاضطهاد والظلم. كيف سينحاز مشعل إلى جانب الشعب السوري ولا ينحاز لأكثرية الشعب المصري، وهذه الأكثرية غير إخوانية.
كأن نسخة مبارك السياسية أفضل من الأصل. هناك تطمينات مؤكدة، بإعادة إحياء دور مصر، كوسيط «نزيه»، بين غزة وإسرائيل. وهناك سياسات، يصار إلى تنفيذها مع مصادر التمويل الدولية، وعواصم القرار، بأن كامب ديفيد قدس أكثر من القدس، وأن مندرجات الاتفاق هي الحاضن لسياسات مصر الاقليمية.
ويصح، في هذا السياق، تشبيه سياسة الخارجية، مع سياسة داود أوغلو التركية: «صفر مشاكل». مع تعديل العبارة بالشكل التالي: صفر عقائد في التعامل مع الخارج على ما جاء على لسان الزميل مصطفى اللباد. لا إسلام ولا من يحزنون. مصالح فقط لا غير. أما في الداخل، فترسانة «العقائد» مستنفرة ضد المرأة والخمرة والإعلام والحرية والديموقراطية والعدالة والتنمية.
كيف يكيل خالد مشعل هذه المدائح؟ إن بعض الظن إثم. وأفضل الإثم على البراءة. فبعض البراءة غشمنة وهبل.
ليقل خالد مشعل ما يشاء من القول ضد نظام الأسد، فهو يستحق ذلك، باستثناء دعمه لفلسطين… أما أن يسكت عما قدمته إيران، وكان ما قدمته هو السلاح، الذي من دونه لا انتصار، بل ما يحزنون، فهو أمر يصل إلى حد العقوق السياسي، فكيف إذا امتحنّا هذا الإهمال بمقاييس القيم الدينية العليا، والمتعالية عن الطوائف والمذاهب والطرق و«الاخوان» كذلك؟
كل ذلك الوارد أعلاه من الكلام، هو دون ما ستؤول إليه غزة، بعد هذا الاعتدال «الاخواني» في غزة. ونصوغ الهواجس بصيغة أسئلة بلا أجوبة:
أولا: هل ستنتقل قيادة غزة من معسكر المقاومة إلى معسكر الاعتدال. وأي دليل على أن الهدنة تتفوق واقعاً على المقاومة؟
ثانيا: هل سيتم استبدال السلطة الحامية للمقاومة، بحركاتها الجهادية المختلفة، إلى سلطة مانعة للمقاومة، وفي هذا السياق، ما الفارق بين سلطة أبو مازن، وسلطة هنية؟
ثالثا: هل سيتغير سلم الأولويات بحيث يستبدل العداء لإسرائيل في الثقافة، والاعلام، بالعداء للممانعة والشيعة، على اعتبار ان الممانعة مجرد تمثيلية إيرانية سياسية تهدف إلى الهيمنة، لا إلى التحرير؟
رابعا: هل سيعلن شعار الدين في خطر، لا فلسطين، ونصرة «الاخوان» التي كان، فوق نصرة العمل من أجل التحرير؟
خامسا: من يحق له أن يضحي بنفسه وبشهدائه، ليصل إلى حيث من وصل من ناضل قبله، إلى التعامل مع التسوية المستحيلة؟ ما الفارق بين مسار «فتح» التي ناضلت وقاتلت واستبسلت وبلغت فتات التسوية الممنوعة عنها، وبين من يحاول ان يرثها اليوم، بحجة أن السلطة على أشبار غزة المحررة، وحمايتها من تسلل الجهاديين، وصواريخهم، هي الطريق إلى فلسطين؟… أليست الطريق مقطوعة في كل الاتجاهات، باستثناء طريق المقاومة التي يعمل العالم كله، بماله وأديانه، لإقفالها إلى الأبد، أو بهدنة مديدة؟
سادساً: أيهما أولا، المقاومة أم السلطة، أو السلطة والمقاومة معا وكيف يدار ذلك؟
سابعاً: ماذا إذا حضر مشروع مارشال العربي لإعمار غزة، بقيادة قطر وإخوانها؟ من يفكر بعدها بالمقاومة، إذا استبد به المال؟ المال الخليجي لم يحضر من أجل المقاومة، بل من أجل الانتهاء منها، بلا أي طلقة عليها. فلا تعايش بين المقاومة والمال الخليجي، ولا تعايش بين الاعتدال والمقاومة. وبالختام، الاعتدال منتج إسرائيلي بحت. ولذلك عادى الاعتدال العربي المقاومة وحزب الله وإيران.
السفير اللبنانية _ نصري الصايغ.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً