الدراما الفلسطينية: نظريات معلنة وحقائق مخفية

2012/12/06
Updated 2012/12/06 at 5:40 مساءً

في الأسابيع الأخيرة، شهدنا وسائل الإعلام وهي تقدم قراءة متماثلة منسوخة للفصل الأخير من فصول الدراما الفلسطينية.
بدأت حماس بإطلاق الصواريخ على إسرائيل. ورد الإسرائيليون بغارات جوية عقابية. وعندما لم يتوقف الفلسطينيون، قررت إسرائيل الغزو والقضاء على بنية حماس. وعند تلك النقطة، أصبح الرئيس الأميركي باراك أوباما بالغ القلق، وأرسل هيلاري كلينتون إلى المنطقة. وأقنعت كلينتون الرئيس المصري محمد مرسي بالتدخل، والذي كان قادرا على التوسط بنجاح، وأصبحت هناك الآن هدنة بين حماس وإسرائيل. هذا، أكثر أو أقل، هو ما قرأناه جميعاً.
الإعلام المتماثل غير مهتم بالتحليل
إذا كان ثمة حاجة من الأساس لإظهار المدى الذي أصبح به الإعلام متماثلاً ولم يعد مهتماً بالتحليل، فإن هذه الحالة ستكون مثالاً جيداً.
لقد أصبحت وسائل الإعلام في أزمة خطيرة فيما يتعلق بالبقاء على قيد الحياة، مع تقلص التوزيع وعوائد الإعلانات. يجب على وسائل الإعلام أن تبيع. وحتى تتمكن من ذلك، فإن عليها أن تخفض مستوى رقيها وشموليتها من أجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستهلكين. ولذلك، أصبحت تذهب أكثر وأكثر إلى نقل الأحداث، وأقل وأقل إلى العمليات المتعلقة بصناعة الخبر –هكذا، أصبح تراجع مستوى النقاش السياسي واضحاً للجميع.
وكما لاحظ رونالد ريغان (الإعلامي العظيم) بطريقة بارعة، فإن سر الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس يكمن في تقديم تفسيرات بسيطة لقضايا بالغة التعقيد. ولنفكر فقط في حقيقة أن طول مادة العمود المقبولة في الصحافة الدولية هو 850 كلمة فقط.
ولكن، دعونا نعود إلى الدراما الفلسطينية، فنقدم قراءة أكثر عناية لهذا الفصل الأخير، مع وفاة 100 فلسطيني وثلاثة إسرائيليين -عادة ما تكون النسبة 10 فلسطينيين إلى إسرائيلي واحد. لكن النسبة ارتفعت هذه المرة إلى 33 مقابل 1. ودعونا نمر مروراً سريعاً موجزاً على اللاعبين الأساسيين: حماس، وإسرائيل، وأوباما ومصر.
حماس
صحيح أن حماس، وليس لسبب درامي، هي التي بدأت بإرسال وابل من الصواريخ يومياً على إسرائيل. وتكمن وراء ذلك حقيقتان واضحتان.
الأولى، في غضون أسابيع قليلة، سوف تكون هناك انتخابات جديدة في إسرائيل، في وقت أصبح فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أقل إشراقاً، والذي وقع في سوء تقدير خطير بانحيازه علناً إلى ميت رومني، وبحيث جعل من نفوره من أوباما واضحاً كل الوضوح.
الثانية، هي طلب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، من منظمة الأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية بصفة مراقب، وبالتالي إعطاء شرعية واضحة لإقامة دولة فلسطينية.
وقد قوبل هذا بمقاومة قوية من إسرائيل، وبالتالي من واشنطن، وأفضى إلى تسليط كل الأضواء على عباس الذي يظهر أمام المجتمع الدولي كمحاور عقلاني جداً، معتدل وذي مصداقية، على العكس من حماس التي ترفض رسمياً القبول بإسرائيل ككيان قانوني.
حسناً، بمبادرتها بإطلاق الصواريخ، أصبحت حماس في مركز الاهتمام الجديد للمجتمع الدولي. وذكّرت الجميع بأن السلطة الوطنية الفلسطينية ليس لها شأن بغزة. وبذلك، فإن عباس ليس هو القائد الفعلي للفلسطينيين، وإنما لنصفهم فقط. لكنها أعطت لنتنياهو فرصة ذهبية لإعادة انتخابه.
إسرائيل
عند هذه النقطة، دعونا لا ننسى أن حماس هي منظمة من خلق إسرائيل إلى حد كبير، والتي كانت قد دعمت نموها كوسيلة لتقسيم الفلسطينيين والحد من قدرة ياسر عرفات الكلية، وأن الطرفين، في حين يكرهان بعضهما البعض بقوة، يظلان في حاجة إلى بعضهما البعض. وبالنسبة لنتنياهو، فإن العدو المثالي هو حماس التي تظل، على العكس من عباس، غير مهتمة بالتسويات.
إن حماس هي العدو القوي الذي يريد لإسرائيل أن تختفي. ولذلك، فإنها هي التي تضفي شرعية على سياسة إسرائيل العدوانية، وعلى اعتقادها بعدم وجود إمكانية للحوار من أجل السلام، وبالتالي توسيع المستوطنات، وعدم الدخول في مفاوضات حقيقية، والادعاء بأنه لا يوجد شريك للتفاوض معه.
وهي لا تريد أن تعطي أي شكل من أشكال المنصات لعباس أيضاً، وقد عملت على حجبه كلما أمكن ذلك. وكان مثالياً لنتنياهو ووزير خارجيته المتطرف إفيغدور ليبرمان أن يجدا جميع الإسرائيليين ملتفّين حول الحكومة في مواجهة هجوم حماس، واستعراض القوة بتحشيد القوات على الحدود مع غزة، وجعلها في حالة استعداد للتدخل.
وقد أثبتت “القبة الحديدية”، النظام الإسرائيلي لاعتراض الصواريخ، أنها فعالة ويمكن تحسينها الآن واستخدامها كما يجب في حالة تعرضت إسرائيل لهجوم من إيران، التي أصبحت تعرف الآن بدورها أن صواريخها لن تكون مدمرة بالقدر الذي كانت تظنه. كما استطاع نتنياهو أيضاً القضاء على القائد العسكري لحماس، الذي كان قائداً جيداً جداً، وأن يظهر لناخبيه أنه يمكن أن يحميهم بكفاءة وسرعة.
أوباما
لا يشكل الشرق الأوسط أولوية بالنسبة لأوباما. وإنما أصبحت أولويته هي آسيا، حيث يجري نقل الجزء الأكبر من القوة الأميركية لمقارعة الصين، وخلق تجارة وتحالفات مع أكبر عدد ممكن من البلدان.
وسوف تصبح الولايات المتحدة مكتفية ذاتياً في مجال الطاقة بحلول العام 2020، بفضل التقنيات الجديدة لاستخراج النفط من رمال القارّ وتفتيت الصخور، وسوف تصبح هي نفسها مصدّراً كبيراً للطاقة بحلول العام 2030. وهي تعمل على تخليص نفسها من العراق وأفغانستان، بحيث سيصبح الشرق الأوسط أقل أولوية. وبينما كان الصراع جارياً في غزة، قرر الرئيس أوباما السفر إلى آسيا على أي حال، ومن هناك أرسل هيلاري كلينتون إلى المنطقة للعثور على وسيلة للتفاوض على نوع ما من الهدنة.
ويعرف أوباما أنه ليس هناك من سبيل لجلب نتنياهو إلى أي مفاوضات حقيقية، وأنه لم يقبل قط فكرة الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب. لكن أوباما لا يستطيع تحمل المجازفة الخطيرة التي ينطوي عليها الظهور بمظهر غير منسجم مع إسرائيل، لأن مسألة دفاعها هي واحد من أكثر (إن لم تكن أكثر) القوالب النمطية التي رُسخت في ذهن الشعب الأميركي. وهكذا، فإنه يحاول التدخل هناك بأقل قدر ممكن، وهو يفعل ذلك فقط عندما يصبح الصراع من الضخامة بحيث لا يمكنه تجاهله.
وهكذا، وبعد إصداره تلك التصريحات المعتادة عن حق إسرائيل في العيش في سلام، ترتب عليه أن يحل مشكلة رئيسية: إنها لم تكن لواشنطن أي قناة مباشرة مع حماس التي تعتبرها منظمة إرهابية (على الرغم من أنها منتخبة ديمقراطياً)، ولذلك، كان في حاجة إلى إيجاد وسيط.
مصر
الرئيس مرسي هو من جماعة الاخوان المسلمين، وهي منظمة أخرى تكرهها إسرائيل بشكل عميق، وبالتالي تكرهها واشنطن. لكن مرسي انتخب ديمقراطياً، كما أن الإخوان المسلمين يديرون تونس أيضاً، في حين تظل مصر قائداً لا مفر منه للعالم العربي.
ولذلك، طلبت كلينتون مساعدة مرسي. ولا شك بأن إسرائيل مهتمة بإقامة علاقات جيدة مع مرسي، كما فعلت مع الرئيس السابق حسني مبارك. وليس لحماس سوى حدودها مع مصر فقط كبوابة على العالم، ويجب أن تكون لها أفضل علاقات ممكنة مع مصر.
ومن ناحية أخرى، شاهد مرسي بقلق كبير الزيارة التي قام بها أمير دولة قطر إلى غزة، وحقيقة أن دول الخليج تصبح باطراد أكثر اللاعبين نشاطاً في فلسطين، والآن في سورية، حيث تقوم دول خليجية علناً بتمويل أكثر المقاتلين راديكالية هناك.
وهكذا، أعطى لعب دور الوسيط الفرصة لمرسي لإعادة تأسيس مصر باعتبارها الدولة الحاسمة في المنطقة. وكانت تلك أيضاً مناسبة لإجبار الولايات المتحدة على تقديم نفس الاعتراف.
وبمجرد تحقيق هذه الشرعية الجديدة، سارع مرسي إلى استخدامها في القضاء على وجود سلطة قضائية مستقلة (مرتبطة بالنظام القديم)، وأصدر مرسوماً لم يعد يمكن بمقتضاه محاكمة تصرفاته، معيداً بذلك مصر مرة أخرى إلى الاستبداد القديم في حقب السادات ومبارك. وشكل ذلك شيئاً لا بد أن تكون الولايات المتحدة قد رأت فيه تطوراً محرجاً بكل تأكيد.
استئناف
دعونا نستأنف: تخرج حماس من المعركة وقد تعزز موقفها كثيراً في غزة، لأنها استطاعت النظر إلى إسرائيل في العين، كما لم تقدم إسرائيل على الغزو البري. ونتنياهو يذهب إلى الانتخابات باعتباره الرجل الصلب الذي يستطيع حماية إسرائيل، وقد استخدم الدبلوماسية والسلام بدلاً من غزو غزة الذي كان سيتسبب بمزيد من نفور المجتمع الدولي، الذي لا يفهم عَيش إسرائيل الصعب.
ومن جهته، يخرج أوباما وهو يبدو الشخص الذي تمكن من الحصول على الوساطة والهدنة، وهكذا يتمكن من تكريس نفسه لمتابعة السياسات المتعلقة بخدمة مصالح الولايات المتحدة الخارجية وأولوياتها فعلاً. وفي وضع يضم كل هذا العدد الكبير من الفائزين، ثمة خاسر -عباس.
كان رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، الذي تم تحييده ووضعه على الهامش في كل هذا الشأن، غير قادر بوضوح على فعل أي شيء في غزة، وبالتالي جلب الإسرائيليين إلى موقفهم المعروف: إننا نحب أن نتفاوض، لكنه ليس هناك ممثل للشعب الفلسطيني. وبطبيعة الحال، لا يمكننا التفاوض مع حماس. ولذلك، فإن فكرة إقامة دولة فلسطينية ليست ممكنة، وسوف يعيدنا التفاوض مع عباس للدوران ثانية في دائرة، في حين ستستمر المستوطنات الإسرائيلية بالتوسع، مع بعض الاحتجاجات من جانب المجتمع الدولي.
إن ما كتبته يصل إلى حوالي 1500 كلمة، ولذلك لم أكن لأستطيع نشره أبداً في الصحافة الدولية. وقد شكل ما وصفته هنا خلفية الوضع في وقت الكتابة. أما غداً، فمن يدري؟ ولكن، إذا كان ما كتبته اليوم يمكن أن يساعد القارئ في قراءة الغد بشكل أفضل من خلال عرض العناصر المفقودة من السياق في وسائل الإعلام الرئيسية، فإنه سيكون قد خدم غرضه -وإذا كان قد أثار أسئلة جديدة وأثار بعض التأملات، فإن ذلك سيكون أفضل.

روبرتو سافيو* – (هيومان رونغز ووتش) 26/11/2012

ترجمة: علاء الدين أبو زينة- الغد الاردنية
*المؤسس والرئيس الفخري لوكالة أخبار “خدمة الصحافة المشتركة” (IPS) وناشر موقع “أخبار أخرى،” وهو مبادرة شخصية تسعى إلى توفير المعلومات التي يجب أن تكون في وسائل الإعلام، لكنها ليست هناك بسبب الاعتبارات التجارية.

*نشر هذا الموضوع تحت عنوان:
The Palestine Drama, Public Theories and Hidden Realities

ان الاّراء المذكورة هنا تعبر عن وجهة نظر أصحابها

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً