مهندسو الكوابيس

2016/08/07
Updated 2016/08/07 at 9:10 صباحًا

349 (1)

يتوجّب على مثقّف عصرنا ألّا يُثأثئ وهو يتحدّث عن “صندوق النقد الدولي”، بوصفه مهندساً للكوابيس في العالم. فقد غدا هذا الصندوق، اليوم، هو المتحكّم الأكبر في أقوات مليارات من البشر: يجوّعهم ويُعطّشهم كيفما تشاء له نزواته الشرّيرة. وعليه، فلا غرابة لو أشفق المرء على “صندوق باندورا”، حين يُشبَّه به، أو يوضَع معه في نفس الخانة والسطْر.

صندوق باندورا مجرّد أسطورة صغيرة أمام “صندوق النقد الغربي” لا الدولي. فالأخير هو المسؤول الأوّل عن تعاسة وشقاء مليارات من بشر الإنسانية المعذّبة، وهو أثناء هذا وبعده صانع كوابيسهم في اليقظة والمنام وما بينهما من برزخ.

لقد أُسّس منذ البدء ليكون فوق الحدود والقوميات والوطنيات. يخدم مصالح شريحة صغيرة جدّاً تُهيمن الآن على معظم مقدّرات الكوكب، ومن فمها تخرج كل الشرور القديمة والمستحدثة.

قد يظن البعض، وعلى رأسهم شريحة المثقّفين، أنه بمنأى شخصي عن التأثيرات المباشرة لهذا الصندوق. وكالعادة، فإن معظم، بل كل الظن في هذا السياق، هو إثم. إثم دنيوي وقصور نظر إن اكتفينا ولم نتكلّم عن العماء الجائح.

لأوّل مرّة في التاريخ يؤول العالم، بجميع خيراته، إلى جهة أو اثنتين فقط، تتوليانه فتجهضانه وتفرّغانه حتى من الحيلة والفتيلة. إنهما الموكلتان تحديداً بإفقار السواد الأعظم من سكان الأرض وجعلهم يجرون لاهثين خلف لقمة عيشهم، بينما لسان حالهم يترجّى رب العمل الجديد بالدعاء المسيحي القديم وقد تأفّق الدعاء (صار أُفقياً): كفاف يومنا فحسب.

هذا الصندوق هو الذي أغرق بشر العصور الحديثة في ثنائيات من نوع جديد: مَن يملكون التريليونات ومَن لا يملكون فطور غدهم. المُحتاج إليهم والفائضون عن الحاجة. سكّان المتروبول وسكان الهوامش.. إلخ.

وعليه، فإذا كان من مجرم فإنه هو. هو مجرم البشرية الأول، وسواه من المجرمين صغار ومبتدئون بجانبه. هو الذي يصرخ دائماً بأن الزورق ـ يقصد عالمَه الأول ـ ممتلئ ولا متّسع فيه لإنقاذ غريق.

إنني هنا لا أشيطنه، لأنه ببساطة أكبر من جميع الشياطين والأشرار الذين عرفهم تاريخانا الميثولوجي والواقعي معاً.

كما لا أبالغ في التهويل من حجمه وتأثيره، فهو الهول ذاته وبذاته. قارٌّ في أنظمة الدولة الأمة، والدولة غير الأمة. قارٌّ في أنظمة ما قبل الدولة وما بعدها. قارٌ في المافيات والمليشيات وإرهاب الأحلاف والاتحادات. قارّ في ما يخطر على البال وما لا يخطر.

ولقد يتجاهله كثيرون لأنهم لا يعون حقيقة حجم خطاياه لا أخطائه. فهو في جاري العادة لا يخطئ ولا يليق الخطأ البشري بمقامه العالي، بل فقط الخطايا والخطايا ذات الحجم الأكبر على الأخص.

أعترف: أكتب وتسري في عيوني دماء الغضب. الغضب منه والغضب على من يتلقّون أوامره كالعبيد فينفّذونها صاغرين مهانين، وأقصى أمانيهم أن ينظر هو إليهم نظرة الرضا. فهو صانع الألقاب والمقامات والرب الأفقي للكوكب الأزرق!

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً