نور الدين محقق.. الكتابة وغرفها

2016/08/10
Updated 2016/08/10 at 8:22 صباحًا

349 (2)

طنجة – سليمان الحقيوي /منذ أن قدّم الكاتب المغربي نور الدين محقق (1960) نفسه، وتعرّف عليه القراء بداية الألفية الثانية، قدّم تجربة سرعان ما لفتت إليه الانتباه، إذ يمكن عنونتها بالتعدد والانهماك، رغم أنه يصح القول أيضاً إن محقق أخذ قرار النشر متأخراً، فأصدر أول كتاب له عام 2006، وكان مجموعة قصصية بعنوان “الألواح البيضاء”، وفي السنة نفسها أصدر مجموعة شعرية بعنوان “حديقة الرغبات”، ثم المزيد من الشعر بمجموعتين صدرتا عام 2007 وهما “عرائس البحر الأبيض” و”أزهار الشرق”، ثم “ألف ليلة وليلة” (2008)، كما كتب العديد من الروايات والنصوص المسرحية والمحاورات ومنها “المهلهل في غرفته وحيداً” و”فاوست والشيطان”، ووضع كتاباً في النقد السينمائي بعنوان “السينما وشعرية الصورة”، إلى جانب الزوايا الصحافية، فكتب تحت عمودي “على الأقل” و”قطب الرحى” تأملاته في المشهد الثقافي العربي.

أثناء لقاء “العربي الجديد” بصاحب “إنها باريس يا عزيزتي”، كان سؤال التعدّد هذا هو الأكثر حضوراً؛ يُرجع محقق مساره المتشعب إلى مرحلة التعلم الأولى التي يلتقي فيها سحر الألواح والكتب والصور، والتي يعود إليها ويقول “كنتُ مولعاً بالكُتّاب، بل كنت مهووساً به. لكنه ذلك الهوس الفاتن الذي يمنح للحياة طعم المتعة. كما كنتُ مُولعاً بالرسم على الألواح ثم محو ما رسمت وإعادة الكرّة من جديد. وهو أمر كان وما يزال يُدخل البهجة إلى صدري. كانت بدايتي الأولى في “دُور الشباب” حيث انتميتُ إلى فرق مسرحية وأحببتُ المسرح من خلالها. ومن هذا العشق المسرحي تعمّق عشقي للسينما بشكل كبير، رغم أني تعرفتُ على السينما مشاهدة قبل انتمائي إلى هذه الفرق المسرحية. من هنا، كانت الكلمات والصور مصاحبة لطفولتي بحيث إن الكتب التي كنت أشتريها لا سيما باللغة الفرنسية كانت كتباً مصورةً مثل سلسلة كتب “زامبلا” وسلسلة كتب”كيوي” وغيرهما. أما الشعر فقد صاحبني كما كانت الرواية أيضاً طيلة مسار هذا التعلم، قراءةً وكتابةً .من هنا فهذا التنوع كان منذ البداية وها هو قد استمر معي”.

بالنسبة للأدب المغربي، وكما هو معروف، فثمة من اختار الكتابة باللغة الفرنسية التي ساعدت كثيرين على الانتشار والوصول إلى قرّاء العالم، وهناك من كتب ولا يزال باللغة العربية، محقق من الذين كتبوا باللغتين فمجموعته صدرت باللغة الفرنسية، وبعدها كتب باللغة العربية بشكل أكبر.

يقول عن خياره الثنائي “كنتُ وما زلتُ أقرأ باللغتين. و إن كنتُ طبعاً أميل إلى العربية، وأجد ذاتي فيها بشكل كبير”. يتابع صاحب “النقد الروائي وآليات اشتغاله” بالقول “لقد منحتني الكتابة باللغة الفرنسية آفاقاً واسعة، فقد ترجمت كتاباتي إلى اللغتين الإنكليزية والإيطالية وفسحتْ لي المجال للوصول إلى عيّنة أخرى من القراء. كما منحتني الكتابة باللغة العربية حضوراً بدأ يتسع مع الوقت ويمتد ليشمل القراء في مختلف البلاد العربية. ثم إن الكتابة بلغتين تمنح الكاتب سعة في الأفق وتمريناً يومياً على معرفة أسرار كل لغة منهما على حدة”. ويضيف “بالرغم من كون هذا العشق المزدوج بتعبير المفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي يكون في الغالب مُتعباً، فإن تعبه يمنح للكاتب لذة مضاعفة، لذة معاشرة نمرتين شرستين في غرفة واحدة، ولذة الرغبة في التغلب عليهما وكتابة نصوص جميلة بهما معاً”.

بعد الشعر والقصة والمسرح والسينما، انشغل صاحب “طوق اليمامة” بالرواية، فكتب “وقت الرحيل” و”بريد الدار البيضاء” و”النظر في المرآة” و”شمس المتوسط”. عن ذلك يقول “أنظر إلى أعمالي السردية بعين مضاعفة. عينٌ تجمع بين الرضا من جهة وبين عدم الرضا من جهة أخرى. الرضا، لأني استطعت أن أكتب روايات تُشبهني وتُعبر عني وعن رؤيتي للفن الروائي وللعالم المحيط بي. لكن مع كل ذلك فالأمور تبقى دائماً نسبية سواء في الحياة أو في الفن، فأنا أطمح في أن أقدم روايات جديرة بالقراءة. روايات ذات توجّه بوليفوني مليء بصخب الحياة وعنفوانها الهائل. روايات تنطلق من الواقع وتتجاوزه لتُعبّر عن المتخيّل الفردي والجمعي فيه. أما عدم الرضا، فالكاتب بطبعه يشعر بالقلق حيال ما كتب وتمت عملية إنجازه. لأنه بكل بساطة، يكون الأقدر على معرفة ما ينقص هذا المنجز الإبداعي أو الفكري الذي تحقّق. الكاتب يصبو دائماً وأبداً إلى كتابة الأحسن. وما زال الكاتب الساكن في كياني، يطمح إلى كتابة روايات أقوى مما فعلت. وهو أمر يحفزني أكثر، و يُسعدني كذلك، لأنه يُشعرني أني ما زلت حياً وما زلتُ راغباً في كتابة نصوص روائية مختلفة عما سبق وأن كتبتُ”.

أصبحت الرواية الآن الجنس الأدبي الذي يحظى بالاهتمام أكثر من غيره، وبعد أكثر من عقد من كتابة الرواية وسنوات طويلة في متابعة إصداراتها قراءة ونقداً يرى محقق “أنّ الكتابة في مختلف الحقول الإبداعية هي مسألة شخصية تتعلق بالمبدع وتخصّه. وبالتالي فلا يمكن مساءلة أي كاتب عن اختياره للجنس الأدبي الذي يكتب فيه وعن انتقاله من جنس أدبي إلى سواه”. لكن، وعن “هروب” الكتّاب من الشعر أو القصة إلى كتابة الرواية، يلفت إلى أنّ معظم الشعراء وغير الشعراء من نقّاد ومفكرين اتجهوا إلى كتابة الرواية، لأن الرواية هي بطبيعتها منفتحة على كل الأجناس الأدبية الأخرى، وهي بالتالي قادرة على احتوائها داخلها بما في ذلك التفكير النقدي والفلسفي”.

ثلاثية كازابلانكا 
متأثراً بتجربة الروائي الأميركي بول أوستر، وبالتحديد “ثلاثية نيويورك”، يسعى نور الدين محقق إلى كتابة ثلاثية روائية حول الدار البيضاء، وقد صدر جزؤها الأول “بريد الدار البيضاء” في 2012، والذي قام على ألعاب الذاكرة والاسترجاع وعلى إيهام القارئ أنه أمام سيرة الكاتب نفسه. حالياً، ينتظر الكاتب صدور جزء ثانٍ منها يتناول يوميات الذاكرة والعزلة والعيش في “كازابلانكا”.

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً