لقبي ويروق لي

2016/10/06
Updated 2016/10/06 at 10:16 صباحًا

210
لقبي ويروق لي. لقبي أيامَ قرية الجبل. كنا في السادسة، ونلهو في الوادي بين الشجر. وكانت هوايتي الأولى أن أخلع الغصون وأكوّمها وأحزمها بحبل، ثم أرجع بها لأبي المشلول، فيفرح الشيخ بمسؤوليتي المبكّرة.
لقبي وأطلقه عليّ أترابي. لقبي ومازلت معتزّاً به. ليس به فحسب، إنما بمن أطلقه عليّ: الرفيق سانتوس، الأشرم. سانتوس، الذي صار حين كبر، شيوعياً في الحزب، وله، كما لحزبه العظيم، قصص بطولة في زمن فرانكو.
الآن، الأجيال الجديدة لا تُعنى. منطقة الرمبلاس هذه، كانت ميدان مواجهات عدّة مع قوات الجنرال. كان الرفيق سانتوس، يجيد نصب الكمائن لهم. ضرباته دائماً موجعة. لقد نسي الرامبلاسيون هذا التاريخ المجيد، وذلك البطل المغدور. صارت عيونهم وعقولهم مركّزة فقط على السيّاح. أنا البغل، لم أنسَ. وكيف يا أعزائي ينسى المرءُ أنصع أيامه؟ الرامبلاسيون فقدوا ذاكرتهم. ليتهم هم وحدهم، بل كلّ الأهالي.
أنا البغل، أذهب إلى بار ميغيل وأشرب كبغل وأتذكّر. لأنه يجب أن يتذكّر أحدٌ ما، خاصةً إذا كان شاهدَ عيانٍ مثلي. أنا البغل، أقعد في مكاني المفضّل، في آخر الزاوية اليمنى من البار، وأشرب كبغل، لكي أتذكّر كبغلٍ أيضاً. لا ينفع أن تتذكّر كعصفور. العصافير كائنات لطيفة حقاً، بيد أنها خفيفة الجأش، رشفةُ بيرة وتغفو. إن تذكّرتَ فلتتذكّر كبغل. لا يوجد خيار آخر.
أجلس وأتذكرهم رفاقي: من قضى في المكسيك إبّان الهجرة الكبرى. من اعتلّ. من تزوج خمس مرات. من أصر أن يمشي الرحلة وحيداً. من حصل على أعلى الشهادات. من صار مدير شركة كبيرة. من خان. من انقلب.. وكلهم أحبهم. كلهم أفتقدهم بشدّة. إنهم جيلي الذي يتداعى، ويمتصّه شفقُ الغروب.
قبل شهر نعى الناعي الرفيق لويس في قرية نائية بالبرازيل. لويس الطالب الأول في دفعة الطب عام 68. كرّمته جامعة برشلونة باحتفال لا يُنسى. حتى إنّ صحف تلك الأيام لم تستطع تجاهل الخبر. مات الدكتور مريضاً بسرطان البروستات، هو الذي عالج عشرات الآلاف من فقراء قرى شرق البرازيل.
لو كان في أهل برشلونة ذاكرة، لكتب أحدهم عنه في جرائد هذه الأيام. ابني المجنون بميسي والبرسا، يوبّخني ولا يخجل: كفّ عن هذه النوستالجيا الكريهة. زمنك مضى وانقضى. دعنا نعش أيامنا. يا ولدي يا حبيبي، فليبارك الربُ أيامكم. عيشوا ولكن لا تنسوا. قليل من التذكّر يفرح القلب وينعش الروح. أم أنني غلطان؟ والله الواحد صار لا يعرف، خاصة إذا أفرط في الشرب. ومع ذلك بوصلتي ترافقني دائماً. وتدلني دائماً. أين سأجد في آخر العمر صحبة كصحبتهم؟
لا أجمل ولا أنبل من وفائهم. قصصهم وحكاياهم. آه كم أشيل على كتفيّ، أنا البغل. رحم الله سانتوس الأشرم. كان صاحب بصيرة حتى وهو في السادسة. البغل. أجل! إنها كلمة عمري. تلخيص مكثف وفريد ولا أصدق منه لوصف مسيرتي وسيرتي. أنا البغل، منذ السادسة، حتى السادسة والسبعين. لم أتغيّر ولم أتبدّل قيد أُنملة. لكنني الآن البغل الذي ينتظر تلك اللحظة الاستثناء: أن يحمله الناس، بدل أن يحمل هو الناس!
باسم النبريص

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً