«إيديولوجيا الإرهاب» لكمال وهبي.. الأصول الغربية للعنف… نازك بدير

2016/10/22
Updated 2016/10/22 at 9:52 صباحًا

%d8%aa%d9%86%d8%b2%d9%8a%d9%84
تنتشر موجات التّطرّف، وأحداث العنف في المنطقة العربيّة الّتي باتت عائمةً على فوّهة بركان الإرهاب الّذي يضرب يوميًّا، ويكون ضحاياه من الأبرياء. فرض هذا الموضوع نفسه، ولم يعد بالإمكان تجاهله، نظرًا إلى الآثار الدّمويّة الّتي يخلّفها، إضافة إلى خلخلة بنية الاستقرار في غالبيّة الدّول العربيّة. يأتي كتابُ «إيديولوجيا الإرهاب» (*) للرّاحل كمال وهبي ضمن هذا السّياق، وقد بحث في أصول الإرهاب، وجذوره، وفلسفته.
فتح هذا العمل البابَ على الصّلة الّتي تربط الإرهاب بالعنف، والجريمة، والقوانين. وعاد إلى جذوره في الفكر الفلسفي الغربي، قديمًا وحديثًا، انطلاقًا من أفلاطون، إلى أرسطو، والإرهاب الطبقي، والعنصري، مرورًا بهيجل والتّعصّب للشّعوب الجرمانيّة، وصولًا إلى كارل ماركس. واستنتج أنّ الإرهاب له أصول غربيّة، وتاليًا، فهو ليس من إنتاج العرب واختراعهم. وتطرّق البحث إلى جذور الإرهاب في الأنظمة الشّموليّة، كالفاشيّة، والنّازيّة الّتي مجّدت الحرب والعنف. وتحدّث عن «ديكتاتوريّة ستالين» المعبّرة عن «إيديولوجيا تبرّر العنف والقتل والتّصفية الجسديّة للبشر» (ص. 96). وأمّا بالنّسبة إلى العنف الذي مارسته الأحزاب اليساريّة، أتى على ذكْر جماعة الألوية الحمراء الإرهابيّة التي تشكّلت في إيطاليا في أواخر السّتينيات، وكان قادتها من المفكّرين والمثقّفين الماركسيّين الذين أرادوا تقويض دعائم الرأسماليّة، باعتماد العنف سبيلًا لتنفيذ هدفهم.
ولعلّ مقارنة بسيطة بين ما حصل من مجازر على يد النّازيّة والفاشيّة والصّهيونيّة، وبين ما يحصل اليوم من حروب وإبادات ينتهجها التّكفيريّون بحقّ المئات من الأبرياء، توضح وجهًا آخر من وجوه الإرهاب الّذي لا دين له، على الرّغم من محاولة البعض، ربط الإرهاب باسم الدّين، واتّخاذه ستارًا لارتكاب أعمال العنف والجرائم. وكان الباحث قد خصّ الحركاتِ الإسلاميّةَ المعاصرة، بقسم من «إيديولوجيا الإرهاب» وقد رآها امتدادًا لما قام به الخوارج، والإسماعيليّة، من حيث اللجوء إلى العنف المفرط في سبيل إنشاء دولة دينيّة. ووجد بعض الحركات التّكفيريّة «كالذّئاب الكاسرة الّتي تنهش جسد الأمّ سالكةً درب الإرهاب والاغتيال والعنف». (ص.209) وأقرّ بأنّ حركة الإخوان المسلمين، والحركات السّلفيّة تمارس الإرهاب والقتل تحت شعار الدّين، فتتحوّل تفسيراته وتوظيفاته إلى مجموعة من نظام القوننة المتحكّم فيها، إلى مرحلة الإيديولوجيا التّسلّطيّة. كما ميّز بين الإرهاب، وبين حقّ الشّعوب في مقاومة الاحتلال. فبينما تقوم جماعات خارجة عن القانون وعن الشّرعيّة بالإرهاب، فإنّ الفعل المقاوم تتولّاه مجموعات ومنظّمات للدّفاع عن أرضها وعن حقّها في تقرير مصيرها، وهذا أمر مشروع أقرّته المواثيق الإقليميّة والدّوليّة. وتظهر الحركة الصّهيونيّة منبعًا للإرهاب ولصنّاعه، إذ تعود جذوره إلى العهد القديم. وفي «إيديولوجيا الإرهاب» تحليل للشخصية الصّهيونية العدوانيّة، وللإيديولوجيا المتحكّمة ببنية العقل الصّهيوني، تلك الّتي تدفعه إلى استباحة إبادة الشّعوب.
يهدّد الإرهاب شرعيّة الدّول التي يستهدفها مهما كان نوعه، ويعمل على تقويض دعائم الدّيمقراطيّة تمهيدًا لفرض إيديولوجيّته الأصوليّة. وتتشابه وجوهه وإن اختلفت التّسميات الّتي يوضع تحتها (نازيّة، ستالينيّة، صهيونيّة، تكفيريّة، إسلامويّة) ولكن الضّحايا هم دائمًا، من الأبرياء. وتتّجه معظم القوى التي تمارس الإرهاب إلى تبريره، وغالبًا ما يبرّر نظام سياسيّ العنف تجاه المواطنين بحجة الحفاظ على الأمن ومنع التّدخّل الخارجي، وكذلك تحاول الجماعات غير الحكوميّة تبرير أعمالها الإرهابيّة بأنّها ردّة فعل على الأنظمة المستبدّة، وأنّها تلجأ إلى تلك الأعمال دفاعًا عن النّفس، أو في سبيل تحقيق أهدافها، مدفوعة بحساباتها الإيديولوجيّة.
يتطلّب التّصدّي لإيديولوجيا الإرهاب تضافر جهود مختلف الدّول، والتّنسيق بين مؤسّساتها وهيئاتها، والعمل على تحقيق العدل منعًا للتّطرّف. ويمكن القول إنّ كتاب «إيديولوجيا الإرهاب» هو محاولة لإعادة البوصلة من جديد إلى الغرب لكونه المنتج الأوّل له، وليس صنيعة العرب، كما يتمّ تسويقه.

السفير اللبنانية

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً