قرارات الاستثمار المصري: الأزمة تسحق الصغار وتكافئ الكبار؟

2016/11/03
Updated 2016/11/03 at 11:21 صباحًا

712ce6bc-a006-497f-a69f-fbd4c24c53ee

لا تترك الأزمة الاقتصادية التأثير نفسه على الجميع، فبينما تبدو مظاهر الأزمة واضحة في مؤشرات البطالة والفقر وطوابير السلع الأساسية وارتفاع الأسعار، نجد في ظلّ الأزمة نفسها نشاطاً للمضاربات والاحتكارات التي يجني أصحابها أرباحاً طائلة.
القرارات التي اتخذها المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أول انعقاد له أمس الأول، تعكس بوضوح تباين تأثير الأزمة على الطبقات الاجتماعية المختلفة.
تضمّنت القرارات تخصيص الأراضي الصناعية المُرفقة للمستثمرين في الصعيد مجاناً، وإعفاء مشاريع استصلاح الأراضي الزراعية، التي تُنتج محاصيل رئيسية يتمّ استيرادها من الخارج أو المحاصيل التي يتمّ تصديرها للخارج، من الضريبة على الأرباح، وإعفاء الاستثمار الزراعي والصناعي الجديد في الصعيد من الضرائب لخمس سنوات، وإعفاء مشاريع السلع الاستراتيجية، والتي يتمّ استيرادها من الخارج أو التي يتمّ تصديرها للخارج، من الضرائب لخمس سنوات، ومد تأجيل تطبيق الضريبة على أرباح البورصة ثلاث سنوات، بالإضافة لقرارات تخفيض أسعار الأراضي للمستثمرين وتيسيرات وتسهيلات وإعفاءات عديدة لمصلحة المستثمرين.
الهدف الواضح من القرارات هو التيسير على المستثمرين بهدف جذب رؤوس الأموال، والتي من شأنها توفير فرص العمل ورفع معدلات النمو.
ولكن إذا نظرنا إلى الإجراءات التي اتخذتها الدولة لزيادة الإيرادات وخفض المصروفات، فسنجد أن توزيع أعباء الأزمة لم يتّسم بأي عدالة. فبينما يمنح المجلس الأعلى للاستثمار مزايا للمستثمرين في تخصيص الأراضي وإعفاءات ضريبية بهدف تنشيط الاستثمار، قامت الدولة بزيادة الضرائب على الاستهلاك عبر ضريبة القيمة المُضافة، ورفع قيمة فواتير الكهرباء والغاز والمياه، وتجميد أجور العاملين في الدولة، وخفض الدعم على الوقود. ويبدو أن التوجّه الواضح للدولة هو تحميل القطاعات الفقيرة فاتورة الأزمة كاملة، بل أيضاً، تحميل تلك القطاعات فاتورة المزايا التي تمنحها للمستثمرين.
تؤكد الدولة أن تلك القرارات تستهدف بالأساس تنشيط الاستثمار بما يؤدي لتوفير الوظائف، وبالتالي دعم الطلب وتنشيط السوق الداخلية، وهو ما يُعرف بنظرية «تساقط ثمار النمو» التي ترى أن دعم المستثمرين يؤدي تلقائياً لازدهار الاقتصاد بما يؤثر إيجاباً على الطبقات الفقيرة. ولكن ما تُهمله الدولة، أن ثمار النمو تلك لم تتساقط من قبل على الفقراء، فقانون حوافز الاستثمار الذي أصدرته الدولة قبل حوالي عشر سنوات، والسياسات المُصاحبة له أيضاً كانت تحمل العنوان نفسه، ولكن ما حدث بالفعل أن تلك السياسات أدّت إلى نمو شريحة من كبار رجال الأعمال المُرتبطين بالسلطة والحاصلين على الامتيازات والتسهيلات، بينما جرى تهميش القطاعات الأوسع من السكان.
وبينما تُركّز القرارات التي أصدرها المجلس الأعلى للاستثمار على المناطق المحرومة من التنمية مثل الصعيد، فإنها تغفل وجود سياسات شبيهة، تلاعب بها المستثمرون وجنوا منها أرباحاً طائلة من دون أي جدوى اجتماعية. فعندما أعفت الدولة المشاريع الاستثمارية في المناطق الجديدة من الضرائب قبل سنوات، عمد المستثمرون لإنشاء مقارّ إدارية خاوية في تلك المناطق للحصول على الإعفاء، بينما دفعوا الاستثمارات لمناطق أخرى. كما أُنشئت مشاريع أخرى للحصول على الإعفاءات الضريبية وفق القانون، ثم تمّ تغيير النشاط لاحقاً بعد الاستفادة من الإعفاء، فضلاً عن الأراضي التي خُصّصت بالمجان أو بقيمة رمزية لمصلحة مشاريع تنموية، ثم جرى استغلالها على نحو آخر.
يشرح الباحث الاقتصادي في «المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» محمد جاد لـ «السفير» أن قرارات المجلس الأعلى للاستثمار «تستهدف التصدّي لمُشكلتين، أزمة العملة الصعبة، وضعف الاستثمار الأجنبي، لذا فقد توسّعت القرارات في إعفاء المستثمرين لمنتجات التصدير من الضرائب، وتيسير الحصول على الأرض للاستثمار بأسعار مُخفّضة أو بالمجان. ولكن كان من باب أولى إعفاء الضرائب على أصحاب الدخل الصغير والمتوسّط، لأن هذا يُشجّع الاستهلاك وبالتالي أثره على السوق أسرع. خاصّة أنه من السهل التلاعب بالإعفاءات الضريبية وتخصيص الأراضي، في ظلّ ضُعف آليات الرقابة، وهو ما حدث بالفعل من قبل».
ويضيف جاد: «الواضح من القرارات أنها تسعى لدعم الاستثمار لا دعم الاستهلاك، وهذا توجّه قاصر. فمن دون دعم الاستهلاك سوف تُصاب الأسواق بالركود وتزداد الأزمة. كما أن استمرار تأجيل ضريبة البورصة يعني استمرار خضوع الدولة لضغط مُستثمري البورصة، وهو ما يدفعها لتعويض الإيرادات عبر الضرائب على الاستهلاك. والحقيقة أن أدوات الدولة في تنشيط الاستثمار قاصرة. فالامتيازات وحدها لا تجذب الاستثمار. مستوى التطوّر التكنولوجي، ومستوى التعليم والبنية الأساسية، كلها عوامل جذب للاستثمار أهم من الامتيازات التي تمنحها للمستثمرين».
ويرى الباحث أنه لا يُمكن القياس على تجربة دعم المستثمرين قبل العام 2008، لأن وضع الاقتصاد العالمي، آنذاك، كان أفضل وكان من المُمكن تحقيق بعض الآثار الإيجابية من تحفيز الاستثمارات.
القرارات التي أصدرها المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة السيسي وبعضوية محافظ المصرف المركزي ووزراء الدفاع والداخلية والتجارة والصناعة والعدل والاستثمار، ورؤساء الاستخبارات العامّة، وهيئة الرقابة الإدارية، والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرّة، واتحاد الصناعات المصرية، واتحاد جمعيات المستثمرين، وغيرهم من المسؤولين، لم تحمل أي جديد، باستثناء المزيد من الدعم للمستثمرين، والذي ينعكس انخفاضاً في دعم الفقراء، وأعباء جديدة على محدودي الدخل. الهدف المُعلن من تلك القرارات هو حلّ الأزمة عبر جذب الاستثمارات. ولكن الحقيقة الأكثر وضوحاً، هي أن تلك السياسات نفسها هي التي ساهمت في إنتاج الأزمة.
السفير

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً