مَن يقاتل في معركة الرقة.. وماذا عن مدينة الباب؟

2016/11/07
Updated 2016/11/07 at 10:26 صباحًا

0ff2ac38-5ed5-46f0-8aea-1d3bffe43bf1
عاصمتا «خلافة داعش» الموصل والرقة تحت النار. فبعد حوالي عشرين يوماً من بدء معركة «قادمون يا نينوى» في العراق، حسمت محافظة الرقة السورية قرارها بالالتحاق بالحرب ضد تنظيم «داعش»، ووضعه بين فكَّي كماشة عابرةٍ للحدود، تهدفُ إلى الدفع به نحو مجاهل الصحراء، مع احتفاظه موقتاً بما يسيطر عليه من مدينة دير الزور وبعض المناطق المتفرقة الأخرى.
ولم تكن الرقة لتتأخر عن مواكبة معركة الموصل لولا التعقيدات الإقليمية والدولية الخاصة التي أحاطت بها، وفرضت على اللاعبين الأساسيين الدخول في مفاوضات شاقة من أجل التوصل إلى تفاهم حول معركتها وتوزيع الأدوار فيها. وبالرغم من أن صوت الاعتراض التركي المرتفع كان يَفترِضُ أن تكون تركيا في قلب هذه المفاوضات، إلا أن الجزء الأساسي من التفاوض جرى بين أطراف أخرى، هي الولايات المتحدة و «قوات سوريا الديموقراطية ـ قسد» وروسيا والحكومة السورية، كما أكدت لـ «السفير» مصادر واسعة الاطلاع في القيادة الكردية. وقد شمل التفاوض، بحسب هذه المصادر، كلاً من موضوع الرقة وريف حلب الشمالي.
وفي سياق مواز، نقل مراسل «السفير» زياد حيدر عن قيادات كردية قولها على الرغم من ذلك، أثار اللقاءُ العسكري التركي ـ الأميركي امس، الفضول، حول ما إذا كان الأميركيون يُخطّطون لصفقة بخصوص تسهيل الوصول التركي لمدينة الباب الاستراتيجية شمال حلب، في مقابل «تمهيد الطرق أمام قسد لتحرير الرقة»، لكن القيادي الكردي نفى علمه «بوجود اتفاق أو عدمه» بخصوص الباب (تفاصيل صفحة ٦).
وعلى الرغم من أن المصادر لم تنف أن تكون واشنطن قد تلاقت مع أنقرة على تفاهمٍ ما بينهما بخصوص الرقة، إلا أنها ركّزت في حديثها مع «السفير» على أن طبيعة المعركة واحتمالات تطوراتها تطلبت ضرورة رسم حدودٍ دقيقة لمناطق نفوذ الأفرقاء كافة على الأرض. وبما أن «قوات سوريا الديموقراطية» لن يكون بإمكانها بسطُ سيطرتها على المساحات الشاسعة في الرقة وريفها، عدا عن أن هذه «القوات» لا تريدُ التوغل كثيراً في عمق الجغرافيا بعيداً عن معقل إدارتها الذاتية، لذلك فإن القوة الوحيدة المؤهلة للتقدم نحو بعض المناطق والسيطرة عليها هي الجيش السوري. وربما هذه الضرورة هي التي دفعت نحو الاعتراف بدور للجيش السوري في مسار المعركة ومراحلها.
واضافت المصادر أن «معركة الرقة ستكون طويلة، بخلاف معركة منبج التي انتهت بعد شهرين من القتال، وهي بحسب الخطة الموضوعة تنقسم إلى ثلاث مراحل، تنتهي مرحلتها الأولى بعد أسبوع من يوم إعلانها (أمس)» بينما سيتم تحديد موعد بدء المرحلتين التاليتين تبعاً للظروف الميدانية والسياسية. ومن المتوقع أن تهدف المرحلة الثانية إلى استكمال عزل الرقة من جبهات أخرى، بينما ستهدف المرحلة الثالثة إلى اقتحام المدينة والسيطرة عليها.
ومن غير المستبعد أن يأتي دور الجيش السوري في إحدى هاتين المرحلتين، وأن يتمثل بالتقدم على محور أثريا باتجاه مطار الطبقة ثم مدينة الطبقة، وهو المحور ذاته الذي حاول الجيش السوري التقدم عليه قبل أشهر عدة، لكن العملية توقفت حينها دون أن تحقق أي نتائج ميدانية.
وأعلنت المتحدثة باسم «غرفة عمليات غضب الفرات» جيهان شيخ أحمد أمس، عن «بدء الحملة العسكرية نحو الرقة وريفها لتحريرهما من براثن قوى الارهاب العالمي الظلامي المتمثل بداعش الذي اتخذها عاصمة لدولته المزعومة، وذلك بدءاً من مساء يوم السبت الواقع في 5/11/2016».
وأعقب هذا الإعلان تصريحٌ لافت للعميد طلال سلو، المتحدث الرسمي باسم «قوات سوريا الديموقراطية» أكد فيه أنه «جرى الاتفاق بشكل نهائي مع قيادة التحالف (الدولي) على استبعاد مشاركة تركيا في المعركة».
سلو نفى في حديث إذاعي امس ان يكون للجيش السوري دور في معركة الرقة في الوقت الحالي، عازياً ذلك إلى عدم تواجد الجيش في المحور الذي انطلقت منه المعارك في ريف الرقة الشمالي. لكنه اشار إلى أن هذا التعاون كان ممكناً لو امتلك الجيش تواجداً على جبهات القتال، أما حالياً فإن مجرد التفكير فيه هو بعيد.
غير أن الوصول المفاجئ لرئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية جوزيف دانفورد، إلى أنقرة واجتماعه على الفور مع رئيس الأركان التركي خلوصي أكار، أعاد إلى الأذهان الزيارة التي قام بها قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل إلى أنقرة قبيل معركة منبج ونجح خلالها في التوصل إلى تفاهم مع الأتراك لإطلاق المعركة، وهو ما يعني أن واشنطن لا تزال تحاول إمساك العصا من منتصفها بين الأكراد والأتراك.
ومن المستبعد أن تسكت أنقرة عن إخراجها من معركة استراتيجية من وزن معركة الرقة من دون أن تطالب بثمن مقابل. وقد تكون هذه الخطوة الأميركية جاءت رداً على خطوة مماثلة قامت بها تركيا عندما تعمدت الشروع بـ «عملية درع الفرات» في شمال حلب بالتزامن مع زيارة نائب الرئيس الأميركي لأنقرة، دون أن تكون أعلمت واشنطن بخطوتها مسبقاً.
وقال الجيش التركي في بيان إن رئيسَي أركان القوات المسلحة التركية والأميركية «بحثا استراتيجيات مشتركة ضد داعش في سوريا والعراق، وتحديداً الباب والرقة في الأيام المقبلة»، مضيفاً أن رئيسَي أركان البلدين ناقشا أيضا «تحركات وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا والعراق ومخاطر وقوع اشتباكات طائفية في المنطقة».
من جهته، قال المبعوث الخاص لقوات «التحالف الدولي» ضد «داعش» بريت ماكغورك من عمان إن بلاده على اتصال «وثيق جدا» بحليفها التركي في شأن معركة الرقة.
وأضاف: «ندعم قوات سوريا الديموقراطية التي بدأت التحرك في الرقة، ونحن على اتصال وثيق جداً بحلفائنا في تركيا، ولهذا فإن رئيس هيئة الأركان المشتركة في أنقرة».
وتتشكل «غرفة عمليات غضب الفرات» التي أنيطت بها مهمة تحرير الرقة من فصائل عدة تشكل «وحدات حماية الشعب الكردية» عمودها الفقري. وهذه الفصائل هي «لواء شهداء الرقة» و «صقور الرقة» و «لواء التحرير» و «كتيبة شهداء حمام التركمان»، و «لواء أحرار الرقة»، و «لواء ثوار تل أبيض»، و «المجلس العسكري السرياني». ويُلاحظ في هذه التشكيلة غياب اسم اللواء الذي كانت جميع التوقعات تشير إلى أن يكون له دور أساسي في معركة الرقة وهو «لواء ثوار الرقة»، غير أن الخلافات الجوهرية بين هذا اللواء وبين قيادة «قسد» من جهة، وخلافات مكوناته بين بعضها البعض وما ترتب عليها من انشقاقات واسعة عنه من جهة ثانية، دفعتا إلى استبعاده من المعركة بعدما تضاءل تأثيره العسكري إلى أدنى الحدود.
وعلى الرغم من أن بيان إطلاق المعركة اشار إلى أن «غرفة عمليات غضب الفرات» يشارك فيها حوالي ثلاثين ألف مقاتل، إلا أن هذا لا يعني أن يشارك جميع هؤلاء في المرحلة الأولى من المعركة، بل المقصود هو أن العدد الاجمالي الذي سيُشارك في المراحل الثلاث يبلغ ثلاثين ألفاً. واشار عددٌ من المسؤولين الأميركيين في الفترة الماضية، إلى أن نقص العديد يمثل مشكلة بالنسبة لمعركة الرقة، مشددين على جهود تبذل من أجل تجنيد أعداد إضافية وتدريبها للالتحاق بالمعركة.
وفور الإعلان عن إطلاق المعركة، بدأت الاشتباكات على محورَي العمليات، وهما عين عيسى وسلوك. وفجّر تنظيم «داعش» عربتَين مفخختَين جنوب وشرق عين عيسى في محاولة منه لامتصاص الصدمة الأولى من هجمة «غضب الفرات» ضده. وذكرت مصادر ميدانية أن إحدى العربتين استهدفت حاجزاً لقوات «قسد» في قرية اللقطة، وأدى إلى وقوع عدد من القتلى والجرحى، غير أن مصادر كردية أكدت أن المفخخة استهدفت تجمعاً للتجار وليس للمقاتلين.
وقالت «وكالة هاوار» المقربة من «وحدات حماية الشعب» إن الحملة انطلقت من جناحَين مساء أمس، الأول من بلدة سلوك والثاني من بلدة عين عيسى، وإن القوات تقدمت من جهة سلوك تسعة كيلومترات جنوب قرية القنطري، ومن جهة عين عيسى عشرة كيلومترات، حيث حرروا قرية وحيد وخمس مزارع تقع على بعد خمسة كيلومترات جنوب شرق عين عيسى.
غير أن العديد من النشطاء الإعلاميين في المنطقة شككوا في بعض النتائج المعلن عنها، وشددوا على أنه من المبكر جداً الحديث عن تقدم كبير، لأن المعركة لا تزال في بدايتها. وذكر الناشط قعقاع العنزي أن العديد من المناطق التي أعلنت «غضب الفرات» السيطرة عليها، لا تزال تشهد مواجهات عنيفة بين الطرفين. ونشر العنزي على حسابه على «تويتر» ما قال إنها صورٌ حصرية لمشاركة جنود أميركيين في الاشتباكات.
بدورها، شددت «حملة الرقة تذبح بصمت» على عدم صحة الأنباء التي تتحدث عن تقدم أي من الطرفين، مشيرة إلى أن خطوط التماس هي نفسها ولم تتغير.
يذكر أن التسريبات والتصريحات التي طالت موعد إطلاق المعركة منذ الأسبوع الماضي، أتاحت لتنظيم «داعش» أن يستكمل تحصيناته واستعداداته للتصدي لها، خاصةً على جبهة ريف الرقة الشمالي التي أكدت جميع التسريبات أنها ستشهد الجولة الأولى من المعارك بينهما. لذلك لم يكن مستغرباً أن يقوم التنظيم بهجوم استباقي قبيل ساعات من الإعلان الرسمي عن المعركة استهدف بعض المناطق في ريف مدينة عين عيسى التي هي مقر غرفة عمليات «غضب الفرات».
كما تحدث العديد من المصادر في مدينة الرقة عن أن الجيش الأميركي قام بعمليات استبقت الهجوم، من بينها عملية إنزال جوي، أمس الأول، استطاع من خلالها اعتقال قيادي أمني في التنظيم واصطحابه معه. كما أدت غارة جوية بطائرة من دون طيار فوق مدينة الطبقة إلى مقتل أمير الحسبة في ريف الرقة الغربي المدعو عبد الفتاح الحسن العثمان الذي يعتقد أنه من الجنسية السعودية.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً