«صيد ثمين» أم تصفية حسابات؟… حكومة الملقي في الأردن تدقق في ملفات «مخالفات» وزارة النسور والقضاء وهيئة الفساد بالصورة قريباً

2016/12/14
Updated 2016/12/14 at 10:01 صباحًا

13qpt959
بسام البدارين -عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن معرفة المدى الذي يمكن أن يذهب إليه رئيس الوزراء الأردني الدكتور هاني الملقي وهو يتعهد أمام مجلس النواب أمس الثلاثاء بإحالة المخالفات التي تثبت بموجب التقرير الأخير لديوان المحاسبة إلى سلطات القضاء بعد التدقيق فيها بهيئة مكافحة الفساد.
قد تكون المرة الأولى التي يتعهد بها رئيس حكومة عامل بمثل هذا الالتزام خصوصاً في ظل تراكم التجارب حول تجاهل موسمي معتاد لما يتضمنه تقرير الديوان المعني بالرقابة على مالية وإدارة جميع مؤسسات الدولة .
في العادة «يجامل» رؤساء الحكومات المتعاقبون بعضهم البعض ويمتنعون عن إثارة الشبهات بالفساد عندما يتعلق الأمر بتقرير الرقابة والشفافية الحكومية لأن غالبية المخالفات التي ترد في تقارير ديوان المحاسبة تحديداً يمكن ان تلاحق كل الحكومات بالتتابع ولأن رؤساء الحكومات نادراً ما يعلمون بهذه المخالفات التي تحصل في عهدهم ومن وراء ظهرهم .
الدكتور الملقي تجاهل هذه العادة أمس الثلاثاء أمام ضغط الرأي العام وتركيز وسائط التواصل الاجتماعي واهتمام غالبية النواب بإظهار قدرتهم الاستعراضية على التصدي لمخالفات مالية وإدارية خارج الشائعات هذه المرة وتصدر عن هيئة مركزية في جهاز الدولة ولا يمكن التشكيك فيها بحال من الأحوال.
المدير السابق لديوان المحاسبة الدكتور مصطفى البراري كان قد غادر وظيفته العام الماضي بعد «صراع علني» ومكشوف مع مسؤولين في الحكومة السابقة برئاسة الدكتور عبدالله النسور.
آنذاك كان المقربون من النسور يتصورون بان تعاطي البراري مع الإعلام والنواب يتفاعل خارج دوره المحدد قانونياً فصدر قرار بأن يخلي الرجل وظيفته وتكليفه وظيفة أخرى اقل رتبة وأهمية.
بقي البراري عالقاً في المنطقة التي يدفع فيها كلفة تقاريره الحادة في مراقبة حكومة النسور إلى ان تغيرت المعطيات فقد ظهر الرجل فاعلاً في سياق العملية الانتخابية الأخيرة واصبح عضواً في مجلس مفوضي إدارتها نظراً لما يتمتع به من سمعة إدارية طيبة.
المفاجأة الأكبر لاحقاً ان البراري الذي نظر له كـ «مظلوم» في ذلك الوقت في عهد حكومة النسور أصبح عضواً في مجلس الأعيان في عهد الرئيس الملقي، كانت تلك إشارة سياسية أولى لها علاقة بالتأثير السياسي والنخبوي لتقرير ديوان المحاسبة التي تحصنت بتعديل قانوني وأصبحت تتبع مجلس النواب.
في كل الأحوال التقرير الأخير لديوان المحاسبة صدر بدون البراري أشهر من عمل رئيساً لهذه الهيئة الرقابية وتحدث عن مخالفات أثارت ضجة حصلت في العام الماضي وهو العام الذي كانت حكومة النسور فيه تتولى الإدارة.
طبعاً لا يوجد أدلة او قرائن على ان النسور عرف بالمخالفات التي ارتكبت في عهد وزرائه وتجاهل الأمر.
لكن المخالفات التي استعرضت قصدًا في التقرير الأخير وتسربت للرأي العام في إطار المناكفة والنكاية قبل التموضع في مكانها المنطقي توجه اتهامات مباشرة في الإطار الإداري والمخالفات المالية لمسؤولين بارزين في حكومة النسور من بينهم صديقه الذي كلفه بعدة ملفات ومواقع وزير المالية الأسبق سليمان الحافظ وأحد أقرب الوزراء إليه وهو وزير العمل السابق نضال القطامين. مثل تلك المناكفات مفهومة ومألوفة في إطار النخب الأردنية.
الجديد تماماً والمستجد هو أن يلتزم رئيس الحكومة الحالية امام البرلمان بتحويل المخالفات لهيئة مكافحة الفساد وللقضاء وهو إفصاح يعني أحد سيناريوهين فوزارة الملقي إما أنها بصدد «تصفية حسابات» لو استمرت فعلاً في تنفيذ إلتزاماتها مع الحكومة التي سبقتها أو أنها تسعى لإظهار نظافتها إدارياً ومالياً بتحميل المسئولية لمن سبقها في الإدارة.
في الاتجاهين المسألة تنطوي على مجازفة لأن الرأي العام يضغط بشدة على الحكومة ويطالب بمحاكمة مسؤولين بارزين في عهد النسور الذي يمتنع بدوره حتى اللحظة عن التعليق على مسار الأحداث خصوصاً أن تقرير ديوان المحاسبة الأخير المثير للضجة والنقاش والجدل لا يتضمن إشارات وأدلة على فساد مالي كبير جداً بقدر ما يتضمن مخالفات فيها الكثير من الطرافة والغرابة ومن النوع الذي اجتهد خصوم النسور في تسريبه وتسويقه قصداً وبأكثر من شكل.
تعامل حكومة الملقي مع معطيات تقرير ديوان المحاسبة على اساس انه «صيد ثمين» سياسياً، سلاح ذو حدين لأن اجهزة الرقابة قد ترصد مستقبلاً مخالفات إدارية مماثلة طالما تحصل ولم تضع تقارير ديوان المحاسبة تاريخياً لها حداً فيما النواب يميلون للاستعراض وإظهار هيبتهم بعد الاندفاع غير المبرر في منح الحكومة الثقة على أمل استعادة ولو جزء من هيبتهم امام الجمهور.
في كل حال الإعلان عن إجراءات قضائية في مسألة المخالفات التي تثبت بموجب تقرير ديوان المحاسبة سيؤدي لتجاذبات وسيزيد نسبة الجدل في الرأي العام حول الفساد الصغير والكبير لأن اي محاكمات ومن اي نوع ستطال أسماء ورؤوساً كبيرة في الخريطة البيروقراطية والسياسية ومع مجلس نواب مستجد غير مثقف دستورياً برفقة رأي عام متلهف دوماً لتبني ما تقوله وسائط التواصل قد تنتج حالة تجاذب مجدداً خطورتها أنها تبرز في ظرف حساس جداً. أغلب التقدير ان الدكتور الملقي يعرف ذلك تماماً .
لكنه في المقابل وهو يخطط لتمرير باقة من أسوأ الخيارات الاقتصادية والمالية وأقلها شعبية لا يملك ترف الوقت لملاعبة سياسية مدروسة لما يتحدث عنه الناس او يتناولونه بسخرية حول تقارير ديوان المحاسية خصوصاً النسخة الأخيرة منها حيث «ثرثرة هاتفية» بنحو مليون دولار لرؤساء الجامعات على نفقة الخزينة وطقم كاسات بسعر مرتفع في وزارة العمل وقرارات مالية خاطئة بالجملة .
هل بدأت مرحلة تصفية الحسابات مع أكثر رئيس وزراء مخضرم جلس في مقعده في ربع القرن الأخير وهو الدكتور النسور وما هي التداعيات؟..هذا هو السؤال المطروح اليوم أما الإجابة الحاسمة فتحتاج لمزيد من الوقت والمراقبة.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً