اغتيال ببصمات إسرائيلية…بقلم: صلاح الدين الجورشي

2016/12/20
Updated 2016/12/20 at 10:40 صباحًا

index
ستتضح تفاصيل اغتيال المهندس التونسي، محمد الزواري (أو الزواغي)، الذي تلقى عدة رصاصات أمام بيته في مدينة صفاقس. وتؤكد مؤشرات تعدّدت مصادرها أن جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية (الموساد) قد ضرب من جديد في تونس، من دون التفطّن إليه في الوقت المناسب. ولم يكن من العبث أن تقيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجناحها العسكري، عز الدين القسام، بيت عزاء الأحد الماضي للشهيد، في انتظار أن تستكمل الجهات الأمنية والقضائية التونسية تحقيقاتها، للتأكد من الجهة وراء الجريمة البشعة.
هناك من استبعد في تونس أن يكون “الموساد” وراء تصفية الزواري، وقد يعود ذلك إلى الكتمان الذي كان يتصرّف به هذا المناضل، ما جعله مجهولا من الإعلاميين والقوى السياسية. كان يعمل في صمت، وبعيدا عن الأضواء الإعلامية. وضع حياته تحت تصرف المقاومة الفلسطينية، إيماناً منه بأن لهذه المقاومة حقاً عليه، وعلى الجميع.
سبق للإسرائيليين أن حاولوا القضاء على ياسر عرفات، عندما قصفوا مقر القيادة الفلسطينية في ضاحية حمام الشط في عملية نفذها سلاح الجو الإسرائيلي، وأطلقوا عليها “عملية الساق الخشبية” يوم 1 أكتوبر/ تشرين الأول 1985، لكن الله نجّاه من موتٍ مؤكدٍ، حيث وصل ركبه إلى المقر بعد تنفيذ الغارة بفترة وجيزة.
كما نجح الإسرائيليون أيضا في اغتيال الزعيم خليل الوزير (أبو جهاد) في مقر سكناه في ضاحية قرطاج في 16 أبريل/ نيسان من سنة 1988، وتمكنوا من القضاء على صلاح خلف (أبو إياد) وهايل عبد الحميد (أبو الهول) والقيادي أبو محمد العمري الملقب فخري العمري، وذلك على يد عميل “الموساد” حمزة أبو زيد، وبتخطيط وتوجيه من صبري البنا (أبو نضال) الذي كان يقود منظمته “فتح/ المجلس الثوري” في 14 يناير/ كانون الثاني 1991 حين كانوا يعقدون اجتماعا في تونس. وعلى الرغم من احتجاج الرئيس الحبيب بورقيية على عملية حمام الشط، ومطالبته واشنطن بالتدخل لمنع تل أبيب من الإضرار بالأمن التونسي، استمر الإسرائيليون في عدم احترام سيادة التونسيين على أرضهم.
كان من الطبيعي أن تنزعج إسرائيل من نجاح الحراك الثوري الذي انطلق في تونس، وأدى إلى إسقاط نظام بن علي، وازدادت مخاوفها في البداية، عندما انتقلت الشرارة إلى مصر وليبيا واليمن، ما جعلها تعمل بطرقٍ متعدّدة على محاصرة ما سمي يومها الربيع العربي. وقد سبق للقيادة السياسية الإسرائيلية، وفي مقدمتها شمعون بيريز، ممارسة أقصى درجات الضغط على الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جورج بوش، من أجل التخلي عن سياسة تهديد الحكام العرب، بحجة التشجيع على نشر الديمقراطية في المنطقة. ولم يتردّد بيريز في الإشارة إلى أن الشعوب العربية لا تقاد بالانتخابات الحرّة، وتمسّك، إلى آخر لحظة، بالعمل على الإبقاء على الرئيس حسني مبارك، بحجة حماية الاستقرار الإقليمي. ومما ذكره في هذا السياق قوله إن “الديمقراطية على نمطها الغربي قد لا تكون بديلاً مناسباً لحكم الفرد في العالم الثالث”. ويعني بذلك الدول العربية التي وصفها بأنها “تفتقر إلى بنىً عصرية وتوزيع منطقي للثروة ومستوى لائق للحياة”.
كشف سقوط شهيد جديد بأيد صهيونية، أو بتخطيط منها، على الأرض التونسية مرة أخرى عن مدى عمق الروابط التي لا تزال تشد أبناء هذا البلد بفلسطين. وفيما كان ثمن عملية الاغتيال، الأسبوع الماضي، باهظاً، حيث نجحت في إصابة هدفها بدقة، وبعيداً عن الأضواء، واستهدفت كفاءة علمية عالية، إلا أنها كشفت، في المقابل، عن استمرار عديد التونسيين في الانخراط بالفصائل الفلسطينية المقاتلة، كل حسب اختياره وقناعاته وأسلوبه. وقد تأكد صانعو السياسات في المطابخ الاسرائيلية من أن الثورة في تونس، على الرغم من تعثراتها، ومن أنها وفرت فرصة لمخابراتهم حتى تواصل اختراقاتها متعدّدة المستويات ، ومع أن الدستور التونسي لم يتضمن فصلاً يجرّم التطبيع مع الدولة العبرية، الا أن ذلك كله لم يغيّر من مواقف الشعب التونسي من فلسطين والفلسطينيين. أي أن الإسرائيليين اغتالوا مناضلاً تونسيا، لكنهم لم يتمكّنوا من اغتيال روح التونسيين وهوى روح فلسطينية قلباً وقالباً.
العربي الجديد

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً