هشام عودة: بورتـريـه: صبحي غوشة.. الطبيب في دوره السياسي
الطبيب القادم من صفوف حركة القوميين العرب ذهب مع بعض رفاقه واصدقائه لاعلان ولادة جبهة النضال الشعبي الفلسطيني بعد عدوان حزيران 1967 مباشرة ، ليكون الدكتور صبحي غوشة اول رئيس لها ، وتكون “النضال” الجبهة الوحيدة بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي يتم تأسيسها في القدس المحتلة ، لكن خطوة ابي سعد ورفاقه اثارت في حينه اسئلة لدى جمهور حركة القوميين العرب الذين ذهبوا بعد عدة شهور لاعلان ولادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وهي الجبهة التي استقطبت عددا من رفاق الدكتور غوشة من صفوف “النضال”.وتشير السيرة الذاتية لهذا الطبيب المقدسي الى انه كان ضمن رجالات القدس الذين قرروا تبني نهج المقاومة الشعبية بعد الاحتلال مباشرة ، كما اشرف بنفسه على دفن جثث الشهداء التي ملأت شوارع القدس ، وفي معظمها جثامين شهداء الجيش العربي الذين ابلوا بلاء حسنا في الدفاع عن مدينة القدس عام 1967 كما يشهد على ذلك الدكتور غوشة ، وتسبب نشاطه السياسي والاجتماعي باعتقاله بعد شهر واحد من الاحتلال ، واعتقاله مرة ثانية عام 1969 ، ليتم ابعاده عام 1971 بعد ان قضى عامين ونصف العام من محكوميته التي كانت اثنتي عشرة سنة ، ليجد شقيقه الدكتور سمير غوشة قد اصبح امينا عاما للجبهة التي ولدت على يدي الشقيق الاكبر.صبحي غوشة المولود في القدس عام 1929 ، انهى دراسته الثانوية في المدرسة الابراهيمية مع اتضاح ملامح الهجمة الصهيونية على فلسطين عام 1948 ، ليجد نفسه ، وسط مجموعة من طلبة يعتنقون الافكار القومية في الجامعة الاميركية في بيروت ، ويتخرج منها طبيبا عام 1953 ، ليعلن انضمامه رسميا لحركة القوميين العرب عند عودته طبيبا الى القدس ويصبح في منتصف الستينات امينا لسر اقليمها في الاردن ، بعد دوره المشهود في تأسيس جمعية المقاصد الخيرية وانتخابه اول رئيس لها ، وهي الجمعية التي انشأت مستشفى المقاصد والعديد من المستوصفات الطبية في مختلف احياء القدس .طبيب المقدسي الناشط سياسيا واجتماعيا تعرض للاعتقال عدة مرات في عقدي الخمسينات والستينيات ، لكن ذلك لم يمنعه من خوض انتخابات امانة القدس والحصول على اعلى الاصوات ، سواء كان طليقا ام سجينا ، ولم تبعده كذلك عن رئاسة جمعية المقاصد ، قبل ان يقدم استقالته من مجلس امانة القدس عام 1965 انحيازا لاهل القدس الذين اطلقوا عليه لقب”ابي الفقراء” ، وخروجه لاحقا من الاطار التنظيمي للحركة التي كان قائدها.قرابة عشرين عاما قضاها الدكتور صبحي غوشة في الكويت ، امتدت من 1971 وحتى 1990 ، كان في وجهها المعلن طبيبا ، وفي وجهها الخفي مرجعية سياسية لرفاقه في جبهة النضال ، ويسجل للدكتور غوشة انه ذهب في العام 1988 لاطلاق لجنة يوم القدس ، التي مازال يترأسها ، وهي اللجنة التي تحتفل في الثاني من تشرين الاول من كل عام بيوم القدس ، وهي ذكرى تحرير المدينة على يد الناصر صلاح الدين عام 1187 .شارك الدكتور غوشة في عضوية المجلس الوطني الفلسطيني منذ دورته الاولى عام 1964 ، واحتفظ بهذه العضوية ، حتى اتخذ قرارا بتعليقها بعد دورة الجزائر التي اعلنت بيان الاستقلال عام 1988 وكان من قلة قليلة معترضة على قراراتها ، ولم يشارك ابو سعد في اي جلسة للمجلس الوطني بعد ذلك ، معلنا موقفه الواضح ضد اتفاقات اوسلو ونتائجها ، ولم تفلح نصائحه في ابعاد جبهة النضال عن المشاركة في نتائج الاتفاقية ، ورفض ان يزور القدس تحت هذه اليافطة ، وذهب اليها كمدينة محتلة بتصريح من حاكمها العسكري.الدكتور غوشة الذي عمل مع امين القدس روحي الخطيب قبل الاحتلال ، عمل معه كذلك بعد عودته من الكويت الى عمان ، وقد انتدبه الامين الراحل لتمثيل الامانة في مؤتمر استضافته اسبانيا مطلع التسعينيات.
في عيادته الواقعة في شارع الثقافة بالشميساني ، يستقبل الدكتور غوشة مرضاه ، كما يستقبل اصدقاءه وتلامذته ورفاقه السابقين ، وتتحول في بعض الاحيان الى ما يشبه الصالون السياسي والثقافي ، ويضطر الطبيب الذي تجاوز الثمانين من عمره الى صعود اكثر من عشرين درجة عدة مرات في اليوم الواحد ، بكل ما يختزنه جسده من همة ونشاط.
عضو في نقابة الاطباء ، وجمعية الاطباء الادباء ، ورابطة الكتاب الاردنيين وغيرها من الجمعيات ، وقد صدرت للدكتور صبحي غوشة مجموعة من الكتب من بينها شمسنا لن تغيب ، الشمس من النافذة العالية عن تجربة اعتقاله ، وكتب اخرى في طريقها للطبع منها بوابة الدموع ، والحياة الاجتماعية في القدس في القرن العشرين ، وستصدر منه طبعة باللغة الانجليزية ، في وقت يواصل فيه انجاز مذكراته.