الرفيق محمود الزق سكرتير الجبهة بغزة يدعو إلى تنظيم الاختلافات وضبطها ضمن إطار وطني عام
ويؤكد في لقاء خاص لـ”البيادر السياسي”أن الحوار ممر إجباري لشعبنا الفلسطيني للتخلص من الانقسام
الأسود .
نحتاج حكومة تستطيع رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وتنجز المهام المطلوبة منها
هناك فرق بين التنسيق الأمني والتخابر مع العدو الذي هو خيانة يحاكم عليها القانون
اتفقنا على ضرورة بناء مؤسسة أمنية مهنية غير فصائلية تخدم وتمثل الجميع
لعل قضية الحوار الوطني باتت في مقدمة القضايا التي تهم المواطن الفلسطيني، جراء ما عاناه من ويلات الانقسام الحاد الذي ضرب بالساحة الفلسطينية، واجتاح كل بيت، حيث لا تزال اهتمامات المواطنين في قطاع غزة على وجه الخصوص موجهة نحو ما قد يتمخض عنه الحوار، وبالرغم من الآمال التي كانت معقودة على هذا الحوار، إلا أن تباطؤ عجلته وتوقفها في بعض الأحيان، والخلافات حول القضايا العالقة من شأنها أن تقلل من نسبة التفاؤل المعقودة على هذا الحوار، فما حقيقة ما جرى في حوار القاهرة ؟ وهل فعلا ً فشل الحوار، أم أنه نجح على قاعدة نجحت العملية ومات المريض؟ وما هي الاختلافات التي لا تزال تعيق التوصل إلى التوافق الوطني ؟ هذه الأسئلة وأخرى طرحتها “البيادر السياسي” على مسؤول جبهة النضال الشعبي في قطاع محمود الزق الذي شارك في حوارات القاهرة ضمن لجنة الأمن، حيث أجاب على كافة التساؤلات بوضوح، مشدداً على ضرورة التوصل إلى التوافق الوطني عبر الحوار الذي اعتبره ممراً إجبارياً لشعبنا للتخلص من الانقسام الأسود على حد تعبيره. وفيما يلي نص الحوار.
مرحلة حاسمة
جولات ومراحل متعددة مر بها الحوار الوطني الفلسطيني.. إلى أين وصل، وما هي الأجواء التي سادت جلساته؟
الحوار في حد ذاته والجلوس على طاولة واحدة لمناقشة ما نختلف عليه فلسطينياً هو خطوة متقدمة جداً على الصعيد الفلسطيني، وعلى صعيد العلاقات الداخلية الفلسطينية التي عانت خلال الفترة السابقة من وصول التناقضات إلى مرحلة حاسمة جداً وصلت إلى حد التناقض الرئيسي بين الأطراف، إلى أن وصلنا إلى مرحلة الاقتتال الداخلي ومن ثم الانقسام.. أن نجلس سوياً على طاولة واحدة وتحت رعاية مصرية أعتبره إنجازاً، أما النقطة الأخرى فإننا من حيث المبدأ توافقنا على عدة أمور، وقد سادت الحوار أجواءً كانت تتسم بالايجابية من حيث النقاش في كافة القضايا المختلف عليها، ومن حيث العمق في هذا النقاش، ولكن هذا لا يعفي أن هناك رؤى مختلفة ووجهات نظر متباينة حول معظم الأمور التي دار حولها النقاش.. بشكل عام كانت أجواء إيجابية بفعل الجلوس المتواصل والنقاش المكثف للقضايا المختلف
ما هي أبرز النقاط التي تم التوافق عليها خلال الحوار؟
– النقطة المهمة التي توافقنا عليها هي أن يكون يوم 25/1/2010 وهو تاريخ نهاية ولاية المجلس التشريعي الحالي موعد أقصى لعقد انتخابات جديدة، والقضية الأخرى التي تم التوافق عليها هي إنجاز ورقة المصالحة، بحيث تم الاتفاق على مبادئ عامة للمصالحة الوطنية الداخلية الفلسطينية، إضافة إلى ذلك الرغبة لدى الجميع بتشكيل حكومة توافق وطني رغم الاختلاف حول شكل وبرنامج هذه الحكومة.
ملف الحكومة
ملف الحكومة من الملفات الشائكة التي لا تزال عالقة ومطروحة في مقدمة القضايا على جدول أعمال الحوار الوطني.. إلى أين وصلتم في هذا الملف؟
نحن نتحدث عن حكومة يفترض أن تكون انتقالية لا يتجاوز عمرها من ست إلى ثمانية شهور.. هذه الحكومة تنحصر مهماتها في إنجاز ثلاثة ملفات رئيسية على الصعيد الفلسطيني، وتحديداً إعادة الوحدة بين مؤسسات الوطن، سواءً المدنية أو العسكرية، وملف الإعمار، وهذا يتطلب بالضرورة رفع الحصار، والمهمة الثالثة التحضير والإشراف على الانتخابات القادمة، وحتى تتم الانتخابات ويتم التوافق على تشكيل حكومة انطلاقاً من نتائج هذه الانتخابات تنتهي مهمة هذه الحكومة الانتقالية، ومن هذا المنطلق كان يفترض أن يكون النظر إلى هذه الحكومة وعدم تعقيد الأمور والتصلب حولها.. نحن نحتاج إلى حكومة تستطيع أن ترفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وتنجز المهام المطلوبة والموكلة لها فلسطينياً.
هل الخلاف الدائر على البرنامج السياسي للحكومة أم على الأشخاص الذين سيتولون الحقائب الوزارية؟
حتى هذه اللحظة لم نصل إلى مرحلة تسمية الأشخاص.. نحن الآن نناقش برنامج الحكومة، وضمن أي برنامج يجب أن تلتزم هذه الحكومة.. هناك وجهة نظر تطلب أن تلتزم الحكومة بالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية وهي التزامات السلطة الوطنية الفلسطينية التي يرأسها الرئيس أبو مازن، وذلك انطلاقاً من الفهم القائل أننا نحتاج إلى حكومة مقبولة دولياً وإقليمياً حتى تستطيع أن ترفع الحصار عن شعبنا، دون ذلك سنعود إلى المربع الأول، وهناك وجهة نظر أخرى تطالب بحكومة لا تلتزم بهذه الالتزامات ويسعون إلى اعتماد كلمات ربما تحمل مفهوم الغموض البناء من حيث التفسير لها.
هل تقصدون كلمتي ” الالتزام والاحترام”؟
تقريباً هناك البعض يطرح فكرة أن تحترم الحكومة، ويقصد من الاحترام عدم الالتزام بما تم التوقيع عليه أو ما تم الالتزام به من قبل منظمة التحرير الفلسطينية من اتفاقيات.. لسنا من أنصار النقاش حول قضية إما التزام أو احترام، ولكننا من حيث الجوهر نتعامل مع هذه الحكومة على أنها انتقالية يجب أن تكون قادرة على رفع الحصار، وهذا المعنى يؤكد على أن أيه حكومة لا يمكنها التعامل مع الواقعين الإقليمي والدولي لن تستطيع الاستمرار ولن تنجز الملفات المطروحة أمامها.
حكومة بلا برنامج سياسي
طرحت فكرة تشكيل حكومة دون برنامج سياسي.. هل لقي هذا الطرح قبولاً لدى المتحاورين؟
هناك عدة رؤى لكيفية الخروج من هذا المأزق.. هناك رؤية أن تبتعد الفصائل نهائياً عن هذه الحكومة حتى لا تلتزم بأي التزام وأن تكون هذه الحكومة من شخصيات مستقلة، بحيث لا تحمل الفصائل ما لا تريده. ورؤية أخرى تطلب تشكيل حكومة من الفصائل وحسب نسبة المجلس التشريعي، كما تطرح حركة حماس، بحيث تكون رئاسة الوزراء من حماس والأغلبية منها أيضاً، بحيث يكون قرار الحكومة بيد حماس، وهذا بالتأكيد يعيدنا إلى المربع الذي بدأنا منه وهو مربع الحصار، وهذا لا ينسجم مع الصفة الأساسية لهذه الحكومة وهي أنها انتقالية حتى إجراء انتخابات تشريعية وتشكيل حكومة جديدة.. وهناك أيضاً رؤية أخرى يطرحها البعض أن يتولى الرئيس أبو مازن رئاسة الحكومة بحيث يعفيها من البرنامج السياسي، كون أبو مازن بصفته الرئيس وله برنامجه السياسي الملتزم به.
ماذا كانت أصداء هذه الطروحات خلال الحوار ؟
يمكن تصنيفها تحت خانة التباين حتى هذه اللحظة وعدم الاتفاق على أي رؤية من الرؤى المطروحة، وحتى هذه اللحظة لم يتم التوافق حول برنامج الحكومة وشكلها، وممن تتكون ومن هو رئيس الوزراء؟.
ملف الانتخابات
على صعيد الانتخابات.. هناك خلافات حول الآلية التي ستجرى بناءً عليها الانتخابات القادمة إما تمثيل نسبي كامل أم مختلط.. هل حسم هذا الأمر؟
في هذه القضية أود أن أشير إلى الموقف المبدئي الذي كان ينادي به الرئيس أبو مازن قبل الانتخابات الحالية وهو ضرورة اعتماد التمثيل النسبي، وأود الإشارة إلى الأخطاء القاتلة التي ارتكبها البعض من قيادات فتح، والتي سعت إلى إفشال هذا الجهد الحقيقي باعتماد مبدأ التمثيل النسبي الكامل انطلاقاً من فهم ضيق وأناني، وانطلاقاً أيضاً من فهم جغرافي صغير.. هذه القضية يجب الإشارة لها حتى يتذكر الجميع ألا يخطئ في المفاصل الحاسمة.. التمثيل النسبي يعني بالنسبة لنا التأكيد على وحدة الوطني كدائرة واحدة بما فيها القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، ويعطي الحق الديمقراطي الحقيقي في تمثيل القوى وحجمها في الواقع الفلسطيني، وكذلك يعفينا من بعض التصرفات الفردية لبعض هواة الانتخابات المستقلين.
كيف يمكن للمستقلين المشاركة في الانتخابات في ظل التمثيل النسبي الكامل؟
المستقلون لهم الحق الكامل في دخول الانتخابات على قاعدة التمثيل النسبي تماماً بالتوافق كقائمة، حيث يسمح لأي قائمة فصائلية أو غير فصائلية أن تدخل الانتخابات النسبية وأن تسجل كقائمة، بحيث يتم الانتخابات من كافة أرجاء الوطن، وهذا يعطي تمثيلاً ديمقراطياً حقيقي، والسبب الرئيسي لرفض الفصائل ما تطرحه حماس من ضرورة اعتماد التمثيل النسبي مناصفة مع الدوائر، هو أن الفصائل ليس لها حظ بالفوز في الدوائر مطلقاً، ويبقى نصيب الفوز للفصائل الكبرى كفتح وحماس، حيث أن المطلوب في دائرة واحدة عدد كبير من الأصوات حتى تنتخب نائباً، وهذا لا يمكن أن تتجاوزه الفصائل الأخرى.
الملف الأمني
إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية من الملفات المعقدة.. إلى أين وصلتم في هذا الملف؟
اتفقنا على ضرورة بناء مؤسسة أمنية مهنية غير فصائلية تخدم وتمثل الجميع، واتفقنا على أن تكون معايير مهنية تحكم عمل هذه المؤسسة، كما اتفقنا على المعايير والأسس لبناء هذه المؤسسة، ولكن عندما تحدثنا عن الواقع الحالي بدأنا نشعر أننا نتحدث ليس من طرف إلى طرف آخر، وإنما كل طرف يتحدث باتجاه آخر، وعندما بدأنا نناقش الواقع الأمني الحالي شعرنا بأن الإخوة في حركة حماس يهمهم تكريس واقع الأجهزة الأمنية في قطاع غزة وشرعنة هذا الواقع من خلال التأكيد على أن هذه الأجهزة هي أجهزة شرعية وتتبع الحكومة الشرعية، إضافة إلى تثبيت أجهزة جديدة كجهاز الأمن والحماية وترسيمه في المؤسسة الأمنية الفلسطينية، وهذا الأمر مرفوض تماماً، فلا يمكن أن يكون هناك جهازٌ منفصلٌ يسمى جهاز أمن وحماية، وعادة يكون هذا الجهاز دائرة من دوائر الشرطة، وتحديداً حماية الشخصيات المستقلة والوفود وغيرها، وإضافة إلى ذلك حاولت حماس أن تطرح مرجعية جديدة للأجهزة الأمنية قافزة عن قانون الخدمة العسكرية 2005 الصادر عن المجلس التشريعي والذي نص بوضوح وصراحة على أن مرجعية جهاز المخابرات والأمن الوطني للرئيس، وإضافة إلى ذلك يكون عادة مجلس الأمن القومي تحت رئاسة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، فيما حماس أرادت في طرحها ولا تزال تُصر على أن الحكومة هي المرجعية الأولى والأخيرة للأجهزة الأمنية بكافة مسمياتها ومكوناتها، وهذه نقطة مختلف عليها تماماً.
وبالإضافة إلى ذلك عندما أردنا معالجة الوضع الأمني ووضع خطة لمعالجة هذا الوضع حاولت حماس أن تطرح الأمور وكأنه هناك واقع أمني في غزة وآخر في الضفة، قافزة عن حقيقة أن هناك أجهزة كانت موجودة في ظل حكومة الوحدة الوطنية ويجب إعادة بناء هذه الأجهزة كما كانت وبمسمياتها في عهد حكومة الوحدة الوطنية، مع الأخذ في عين الاعتبار ضرورة معالجة الأخطاء التي كانت موجودة سابقاً.
هل الحديث عن إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية كان يقتصر على قطاع غزة فقط أم في شطري الوطن؟
لم نناقش وضع غزة بشكل مستقل، وإنما ناقشنا الوضع الأمني بشكل عام في الضفة والقطاع، وكنا نناقش معايير واضحة للمؤسسة الأمنية بحيث تكون مؤسسة من الجميع وللجميع، وأيضاً طرح الإخوة في حماس ضرورة رفض التنسيق الأمني وربطه بتقديم معلومات للعدو عن المقاومة وتحرك المقاومين، وكأنهم هم رجال مقاومة والآخرون هم عملاء..!، هذا فهم مغلوط بتاتاً، فالتنسيق الأمني مطلوب ليس مع دولة محددة، وإنما مع كافة الدول التي ترى المؤسسة السياسية ضرورة التنسيق الأمني معها، وفي هذه الحالة المؤسسة الأمنية مجرد أداة لتوجهات المؤسسة السياسية، فالتهم يجب ألا توجه للمؤسسة الأمنية وإنما للمستوى السياسي في حال كانت هناك تهم حقيقية.. التنسيق الأمني مطلوب، ولكن مع من ؟ وكيف؟ مع من تريد المؤسسة السياسية التنسيق معها، وعن طريق الأداة الأمنية الموجودة وهي الأجهزة الأمنية.. هناك فرق بين التنسيق الأمني والتخابر مع العدو الذي هو خيانة يحاكم عليها القانون، ولكن التنسيق الأمني هو مهمة تكلف بها المؤسسة الأمنية من قبل المؤسسة السياسية، وهذا الفهم يجب صياغته بشكل واضح حتى لا نخلط الأمور.
المصالحة الوطنية
على صعيد قضية المصالحة الوطنية أعلن عن انتهاء الحوار في هذا الملف بالتوصل إلى اتفاق.. ما حقيقة ما جرى في هذه القضية؟
في موضوع المصالحة الوطنية تم التوافق على مبادئ عامة للمصالحة، هذه المبادئ تؤكد على أن من سقط خلال المرحلة السوداء من تاريخ شعبنا الفلسطيني هم شهداء وضحايا اقتتال داخلي خلفيته سياسية وليست جنائية، ولكن خلال هذه المرحلة ارتكبت جرائم واضحة جداً تم التوافق على أن تحال هذه الجرائم إلى جهات ذات اختصاص، وتحديداً هناك ثلاث جهات ذات اختصاص وهي القضاء العشائري والقضاء والقضاء الشرعي.. هذه الجهات الثلاث هي التي ستنظر في هذه القضايا، كما تم التوافق على محاولة تعويض من سقطوا ضحايا، سواءً كانوا أفراداً، أم تعويض في الخسائر في الممتلكات والمؤسسات التي تم تدميرها أو مصادرة ممتلكاتها، فالمصالحة استطاعت التوافق على مبادئ عامة، لكن المناخ لتطبيق ما تم التوافق عليه يعتمد على ضرورة التوصل إلى مصالحة سياسية قبل أن نصل إلى مرحلة المصالحة الوطنية الداخلية، فالأساس هو المصالحة السياسية حتى تستطيع المصالحة الوطنية أن تجد لها مناخاً تستطيع العمل من خلاله.
في ظل المعطيات الحالية وما تم التوصل إليه، ما هو مستقبل الحوار الوطني الفلسطيني ؟ وإلى أين ذاهبون؟
ليس أمامنا كفلسطينيين سوى الحوار.. الحوار ممر إجباري لشعبنا الفلسطيني للتخلص من هذا الانقسام الأسود، ولكن يفترض أن يكون هناك تغيير في بعض الرؤى والمفاهيم السياسية، كذلك يجب التعامل مع الحوار على أنه يحقق مصلحة لكافة الأطراف، فليس منا من يريد تكريس الانقسام الحاصل الذي يعني ضرب المشروع الفلسطيني، أو ضرب الكيانية الفلسطينية.. جميعنا يسعى جاهداً إلى مواجهة المخططات الإسرائيلية، فهذا السعي يشترط توفر عامل الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإذا لم يكن التوافق حول برنامج سياسي يمكننا أن نتوافق على تنظيم اختلافاتنا واجتهاداتنا الموجودة وهي أمر طبيعي في الساحة الفلسطينية وضبطها ضمن إطار وطني عام.