في “أربعين” الدكتور سمير غوشة” له المجد و منا الوفاء رحل الدكتور وبقيت منجزاته
بقلم : سلطان شعبان
بقلوب يعتصرها الحزن والألم , ودعت في( 3/8/2009) جبهة النضال الشعبي,و فلسطين والأمة العربية والإسلامية , وأحرار العالم القائد المناضل الفلسطيني و القومي العربي الكبير الدكتور سمير غوشة , الذي أفنى عمره حتى آخر لحظة من حياته في خدمة قضايا شعبه و أمته و خدمة قضايا الحرية في العالم , فقد بقي قابضا على المبادئ والثوابت كالقابض على الجمر رغم كل الظروف العواصف و التحولات التي مرت بالقضية الفلسطينية و جبهة النضال.
التقيتك و عملت إلى جانبك منذ قرابة عقود أربعة , و على مدار سنواتها تكونت لدي انطباعات راسخة عنك بالمعنى الإنساني و الإجتماعي و السياسي , لعل أبرزها المودة الخالصة و طيبة القلب , وصفاء النية , و صدق القول , والثبات على المواقف , و التمسك بالثوابت .
التحق الدكتور سمير غوشة باكرا بحركة القوميين العرب و كان من قيادات العمل الطلابي , و بعد “نكسة” يونيو عام 1967 تداعى مع العديد من رفاقه إلى تأسيس جبهة النضال الشعبي الفلسطيني , و انتخب أمينا عاما للجبهة عام 1971 و قد نجحت الجبهة بقيادته في التطور و النهوض بدورها الوطني و عدم التحول إلى مخلب قط لدى هذا الطرف العربي أو ذاك في سياق الصراع العربي – العربي للهيمنة على الحركة الوطنية الفلسطينية و انحاز الدكتور سمير غوشة في كل المنعطفات الحاسمة إلى منظمة التحرير الفلسطينية و قضايا شعبه و أمته.
كما ويعتبر سمير غوشة من أبرز القيادات الفلسطينية التوحيدية , حيث شدد مرارا على استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية و إنهاء الإنقسام و اعتبر ذلك صمام الأمان لتحقيق الأهداف الفلسطينية في الحرية و الاستقلال و إقامة الدولة بعاصمتها القدس.
و لاشك أن كل رحيل يسجي معه حكاية ورجل , إلا أن رحيل رجال كالدكتور سمير غوشة له وقع رحيل القضايا الكبرى .
حدث اكتمال الغياب إذا … و الفراق بات حقيقة !
الآن ندرك بأن الغياب أصبح له عمرا و إسم , تاريخ و مستقر للرحيل الأخير …
العمر سجل لآلام شعب و آمال خيام .. أما الاسم فهوية لوطن ما اكتمل ..
الغياب حقيقة .. لكن الفراق ألم و يلزمنا ما يفوق فلسفة الإيمان لاستيعاب فراق يبدو أنه لن يفارقنا .
هي تقاليد الفجيعة غالبا تدفعنا للحديث بصدق عن رجال و تجارب تركتنا إثر عملية إغتيال احترافية هندسها القدر فأصاب في كل مرة مكمن الأحلام منا بمقتل .
الآن ندرك أن ذكرى الرحيل ستصبح مناسبة وطنية نجتمع نحن على هوامش ظلالها إن وجدت لنتحدث عن آخر الراحلين , وما تبقى من الفجائع .
حدث كثيرا وأن نظمنا الكثير من قصائد الرثاء و كلمات الوداع لأشخاص و أسماء باعوا أعمارهم لقضية أو فكرة .. و رحلوا دونها ! دون سمسرة في الأوطان أو تجارة في الأحلام … بلا كاميرات أو صخب إعلامي يسلط الضوء على إنجازاتهم التي ستظل للأسف طي الكتمان في أعراف أمة باتت تحترف تشويه ذاكرتها و قدرنا أن نبقى حراس الذاكرة , سنعرف و إن بعد فوات الأوان بأننا سنبقى أبدا نشرب حسرة رجال كانوا حتما جيلا للأحلام الجماعية من أجل هدف واحد ..!
قضوا قطعا من أجل طريق رسمته أجيال و هي على ثقة بأنه نهاية سيؤدي إلى تباشير وطن …
ابتسموا دائما قبل كل غياب ؟؟
وها نحن اليوم نحاور الرحيل و الكلام دموع , نراقب عقارب الوقت و الدقائق لن تكون أكثر من براهين تؤكد تضاؤل الأمل بتكرار تجربة عنوانها رجل , لقبها إنسان , مهنتها إنصاف وطن في زمن هوايته اغتيال الأوطان , فما الذي يمكن أن يقال اليوم؟؟
أي الكلمات تلك التي يمكن أن تفي الفقيد حقه في حضرة غيابه هو … ؟ كما هو … كما كان … الجندي المجهول , ليس تمثالا أو رمزا بل ممارسة وحقيقة .
هو … ؟ الحكيم الطبيب الطيب ابن القدس و فارسها , كما يحب بعض من عرفه أن يناديه , أو ربما اختارته هي ليكون كذلك . بسيط كبساطتها , عاشق لها ومتيم بأزقتها و أسوارها و تاريخها العريق .
هو دون أسماء سرية أو ألقاب حركية “سمير غوشة” !
ترجل الفارس إذا , رحل دون أن تسعفه سنواته التي جاوزت السبعين في تحقيق حلمه بوطن وهوية .
رحل ومدينته الحلم تعاني أزمة قلبية ناجمة عن ذبحة وطنية سببها و خطط لها جهل أبناءها و مع ذلك لم يتبرأ منهم فهو كما هي قلب الوطن و جوهر المشروع .
مشتاقون نحن الآن , مشتاقون لقلبك الطيب يخبرنا أن الوطن حرية وكرامة , اختلاف لا يجرؤ على اغتيال و حدته الوطنية ؟؟
و أيا كان ما سنقول هل ستسمعنا ؟ هل تمنحنا شيئا من وقتك حيث أنت ؟!
هل تمن علينا بنظرة حيث نحن ؟؟
نحن ها هنا حائرون من جديد , مكسوري الآمال ؟ “ربما” ! , متخمين بالأحلام ؟ “حتما ” !
نقف على حواف القدر نرسم صورة نتهجى من خلالها أحلامنا الوطنية مرة أخرى فندرك مدى العطب الذي أصابها , نعرف كم استعمرها جفاف المنافي, أزمة الأحزاب و أنانية الأفراد , نعود لثقافتك يا حكيم , لبساطتك دون انتفاخ ثقافي كاذب ومزيف .. الوطن لديك أقل تعقيدا أوضح رؤية , فيه شيء يشبهنا أو لعلنا شابهناه ذات نكبة و مخيم , أغنية طلقة شهيد و عرس , طفل أفلت أو ضله الموت يركض يرفع راية فوق ركام البيت , بيت له في الوطن و آخر لنا في المخيم , ليخط دون أن يدري أجمل الحكايات , وأبسط الأحلام .
من تعاليمك احترفنا الأمل و إن عن ألم , يا مدرسا في تجربة علمتنا الصراخ دون خجل ” مللنا نمطية البطل و الأسطورة على الشاشات ” علمتنا أن نكفر بهوس عالم يحتاج دمائنا لا لشيء إنما ليختبر فقط كم من إحساساته ما يزال على قيد الحياة , أعذرنا سيدي, أعذرنا لأننا لم نعد نغضب أمام أحلامنا التي تغتصب , واصل رحيلك سيدي , واصل غيابك , و اترك لنا فقط ما تبقى من تجربة أردتها و قاتلت دونها اسمها منظمة التحرير الفلسطينية لقنتنا أرقى تعاليمنا الوطنية ” على هذه الأرض ما يستحق الحياة ” إنه رحيل الفارس و ترجل الجسد الذي انتظر على عتبات القدس ليخترق فينا الجدار وفاء و إصرارا على التمسك بالحق الذي قضى في سبيله… كثيرون من عبروا لكن قلة هم من عبروا بمواقف وقيم نبيلة , فكنت أنت , ما بين مولدك الوطني و لحظة فيض روحك , ثمة محطات مشرفة انطلقت بك من شوارع القدس و أزقتها المطاردة على مر سيرتك الحافلة ما بين عمان و بيروت ودمشق و تونس و رام الله .
حاولت في رثائي هذا أن أقترب من الراحل سمير غوشة كإنسان و منظومة قيم أخلاقية ووطنية لعل الأيام تسعف في الاقتراب من الراحل كثائر و تجربة في مدرسة النضال الوطني الفلسطيني .
دكتور سمير غوشة لك الخلود ومنا الوفاء .
أمين سر
المكتب السياسي
لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني
دمشق