القاهرة : شهدت القاهرة مؤخرا عقد مؤتمر وزراء العمل العربي لمناقشة مشكلة العمالة في الوطن العربي وقد جاء مؤتمر هذا العام في ظل ظروف جديدة يشهدها العالم العربي بعد الثورات والتغييرات التي أطاحت بعدد من الأنظمة ، وعقب هذا المؤتمر كان لنا هذا الحوار مع د/ احمد مجدلاني وزير العمل الفلسطيني :-
ما هو تقييمكم لنتائج مؤتمر العمل العربي خاصة فيما يتعلق بتوفير فرص العمل والحد من البطالة ؟
بصفة عامة فإن مؤتمر هذا العام ينعقد في ظروف مختلفة عن الظروف التي عقدت فيها المؤتمرات السابقة خاصة في ظل الأوضاع المتصارعة في الوطن العربي والمتغيرات العاصفة التي مرت على عدد من البلدان والتي لا تزال تمر في العديد من البلدان الأخرى من مرحلة تحول ديمقراطي كما هو الحال في مصر واعتقد أن تلك الظروف تقتضي معالجة مشكلة الفقر والبطالة خاصة في صفوف خريجي الجامعات بطريقة صحيحة كذلك ينبغي معالجة المشاكل ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية بطريقة مبتكرة بعيدة عن روح العملية الفوقية التي كانت تسود في التعاطي مع الشأن السياسي ومن هذا المنطلق طرح مؤتمر هذا العام بعض القضايا ذات الصلة من مفهوم العقد الاجتماعي والذي يعني إعادة صياغة الشراكة السياسية في المجتمع العربي على أسس ديمقراطية وعلى أسس من الحرية والتعددية السياسية والفكرية وعلى أسس تكفل المشاركة الأوسع للجماهير على أسس من التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تتيح المجال نحو التنمية التي تصل إلى كل فئات الشعب بدلا من التركيز على النمو الاقتصادي الذي يخدم فئات اجتماعية محددة ومن هذا المنطلق ناقش مؤتمر هذا العام باهتمام شديد تلك المشاكل واعتقد ان ما اتخذ من قرارات وتوجيهات هو خطوة هامة وأساسية والأمر يتطلب ترجمة هذه القرارات إلى سياسات عملية بما يتوافق مع إمكانيات كل بلد.
وما مدى تأثير الثورات العربية التي حدثت في عدد من البلدان على سوق العمل ؟
بلا شك فإن الأداء الاقتصادي في أغلب البلدان التي تمر الأن بمرحلة تحول ديمقراطي تعرض إلى الشلل أو التراجع وعلى سبيل المثال فإن الأداء الاقتصادي المصري في مجمله هو أقل بكثير مما كان عليه في السابق حيث تراجع في نسبة الاداء وهذا يتطلب وقتا لاستعادة الاقتصاد عافيته ولكن بلا شك فأنه على المستوى البعيد سيكون التأثير أكثر ايجابيا وكما تعلمون أن السياسة الاقتصادية والاجتماعية التي كان معمول بها في مصر وعدد من البلدان كتونس وغيرها هي اساسية اقتصادية ذات بعد تنموي واحد يركز على النمو الاقتصادي ولا يركز على التمنية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية المستدامة بمفهومها الشامل والذي يؤدي إلى معالجة مشاكل البطالة والفقر لذا فنحن نعتقد أن المرحلة الانتقالية مرحلة صعبة تتطلب القليل من الصبر والكثير من الصمود وتتطلب أيضا سياسات حكيمة وفعالة من أجل إعادة إطلاق الاقتصاد وإطلاق العملية التنموية في هذه البلاد بصورة أفضل ليستفيد من المناخ الواعد اكبر قدر من المواطنين .
وهل اخذ المؤتمر بعين الاعتبار البلدان التي عانت من الاضطرابات بتقديم مساعدات لها ؟
دائما كان يطرح على مؤتمرات العمل العربية حرية انتقال العمالة العربية بين البلدان العربية وحرية تحويل الأموال وحرية استقبال العمالة وتوفير فرص العمل ولكن برأيي أن هذا كان لا يخضع لمعايير الرغبات الاقتصادية التي تطرحها مؤتمرات العمل العربية بل كانت هناك معايير أخرى كالمعايير الأمنية ومعايير استقبال العمالة الأجنبية وهو ما أخذناه في الاعتبار في مؤتمر هذا العام فالسوق الخليجية على سبيل المثال والتي تستقبل العمالة المصرية والفلسطينية تفضل العمالة القادمة من جنوب شرق أسيا عليها لأنها عمالة أرخص وبالتالي فإننا رأينا انه من الأفضل العمل على زيادة الاستثمارات السعودية والخليجية في كل من مصر وتونس والتي يمكن أن تعالج مشاكل الفقر والبطالة بدلا من التركيز على استقبال العمالة والتي تخضع في كثير من الأحيان لمعايير الكلفة الاقتصادية .
وكيف ترى مشكلة العمالة في الأراضي الفلسطينية في ظل الاحتلال والانقسام ؟
خلال السنوات القليلة الماضية تراجعت عندنا نسبة البطالة فبعد أن كانت نسبتها عام 2008 حوالي 29% انخفضت نسبتها خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى ما يقرب من 24% منها 16% في الضفة الغربية و 37% في قطاع غزة والتي يرجع أسباب ارتفاعها إلى الحصار المفروض على القطاع من جانب سلطات الاحتلال مما أثر على النشاط الاقتصادي أما في الضفة الغربية فإن البطالة ترجع إلى المعوقات التي يضعها الاحتلال الرئيسي أمام نمو الاقتصاد الفلسطيني وأما الاستثمارات الفلسطينية وخاصة فيما يتعلق بالسيطرة على المعابر الخارجية والتجارة الخارجية الفلسطينية سواء من ناحية تصدير المنتجات أو مدخلات الإنتاج اللازمة للصناعة والتي نضطر إلى استيرادها من الخارج عبر الجانب الإسرائيلي ولذا فإن الاحتلال يشكل العائق الأساسي أمام إطلاق الطاقات الكامنة في الاقتصاد الفلسطيني ورغم هذا فإننا نبذل قصاري جهدنا لزيادة الاستثمارات وبالتالي زيادة فرص التوظيف وخلق فرص العمل وخلال العامين الأخريين دعينا مؤتمرين للاستثمار في فلسطين استطعنا خلالهما جلب أكثر من 2 مليار دولار أسهموا في زيادة التمويل والاستثمار وزيادة التوظيف في الضفة الغربية وأرى ان التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في العامين الآخرين رغم ظروف الاحتلال والذي يشكل أكبر المعوقات ترجع إلى السياسة الاقتصادية المحفزة للقاطع الخاص والاستثمار والتي أدت إلى انخفاض كبير لنسبة البطالة في الضفة الغربية .
وهل تعتقد ان المصالحة الفلسطينية والتي حدثت مؤخرا يمكن ان تزيد فرص العمل وخاصة في الضفة الغربية ؟
المصالحة أمر مهم على الصعيد السياسي والوطني لكن ربما أهم نتيجة تمخضت عن تلك المصالحة هو تشكيل حكومة اتفاق وطني من المستقلين والمرحلة الانتقالية القادمة سوف تكون فرصة مناسبة لتخفيف الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر وإعادة أعمار غزة وطبقا لما هو متفق عليه في شرم الشيخ ولا شك أن هذا سوف يؤدي إلى انتعاش الاقتصاد الفلسطيني ليس فقط في قطاع غزة ولكن بالنسبة لمجمل الاقتصاد الفلسطيني واعتقد أن إعادة أعمار غزة يمكن أن يشكل ورشة عمل كبيرة لاستئناف الاقتصاد الفلسطيني دورته في القطاع والذي سوف يؤدي بدوره إلى زيادة التوظيف والاستثمار وزيادة التشغيل في القطاع وكما قلت فإنا لدينا في قطاع غزة 18 ألف عاطل عن العمل وهي نسبة عالية تمثل 38% من الأيدي العاملة في غزة نصفهم تقريبا من الشباب والخريجين .
وما تأثير قيام إسرائيل باقتطاع جزء من الضرائب المحولة إلى السلطة والتهديد بوقفها في حالة مشاركة حماس في أي حكومة فلسطينية مقبلة ؟
هذا الأسلوب من العقاب الجماعي الذي تتبعه إسرائيل ليس بالجديد فلقد استخدم من قبل عام 1996 و 2006 واستخدمته مؤخرا بعد إعلان اتفاق المصالحة مطلع الشهر الجاري وهذا العقاب مخالف للاتفاقات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل طبقا لاتفاق باريس الاقتصادي وإسرائيل لا تقدم منحة للشعب الفلسطيني والسلطة بل تقوم بعمل جباية للأموال طبقا لهذا الاتفاق وتحصل في مقابل هذا 3% من الاموال التي يتم جبايتها وبالتالي فإن اقتطاع جزء من هذه الاموال أو التهديد بقطعها يؤثر تأثيرا مباشرا على الأداء الاقتصادي والمالي للسلطة الوطنية لانها تشكل أكثر من 50% من الإيرادات المباشرة والتي تستخدم لتغطية المصاريف الجارية للسلطة مثل الرواتب والمصروفات الأخرى وبالتالي فإن ذلك سوف يؤثر تأثيرا مباشرا على قدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق برواتب الموظفين العموميين وكذلك الالتزامات تجاه الموردين والمقاولين ورجال الأعمال الذين يقدمون خدمات للسلطة الفلسطينية والأجهزة الحكومية كذلك سوف يؤثر بالسلب على القطاع البنكي والمالي لأن كل الموظفين رواتبهم مرتبطة بالبنوك وغالبيتهم لديهم قروض شخصية وقروض عامة منها وبالتالي فإن تلك الإجراءات سوف تؤثر على العملية الاقتصادية والاداء والاقتصادي وهذا ما جرى خلال هذا الشهر .
وما مدى وفاء الدول العربية بالتزاماتها تجاه السلطة الفلسطينية؟ وهل طالبتم بالوفاء بهذه الالتزامات ؟
كان المطلوب من الأشقاء العرب خاصة بعد توقيع اتفاق المصالحة بتقديم المساعدات المالية للسلطة بعد أن تزرع البعض بحدوث الانقسام لعدم الوفاء بالتزاماته خاصة بعد أن اتخذت إسرائيل هذه الخطوة الأحادية الجانب عقابا على توقيع هذا الاتفاق ولكن للأسف لم نشهد تغيرا ملموسا في الموقف العربي سوى بيانات الترحيب بالاتفاق لكن لم يترجم ذلك إلى واقع عملي وعلى سبيل المثال فالالتزامات العربية التي تقدر بمبلغ 500 مليون دولار والمقررة للسلطة الفلسطينية هذا العام لم يدفع منها حتى الأن سوى 52 مليون دولار بأقل 10% عن العام الماضي والذي كان مقرر أن يتم دفع مبلغ 900 مليون دولار منهم 500 مليون دولار لصندوق القدس إلا انه لم يتم دفع سوى 38 مليون دولار للقدس و236 مليون دولار لخزانة السلطة الفلسطينية أي ما قيمته 30% من الالتزامات المقررة للسلطة وفي عام 3009 لم تتجاوز نسبة الوفاء بالالتزامات سوى 31% حيث كان هناك التزام بدفع مليار دولار لم يدفع منها سوى 287 مليون دولار فقط لخزينة السلطة الفلسطينية بما في ذلك دعم القدس وفي الجانب الاخر نجد أن ملياردير يهودي واحد يسمى ماسكوفيتش يستثمر في القدس سنويا بمبلغ مليار دولار ورغم مطالباتنا الرسمية وغير الرسمية للدول العربية للوفاء بالتزاماتها إلا أنها حتى الآن لم تجد الصدى المناسب .
وهل ترى أن تقاعس الدول العربية راجع نتيجة الفساد في السلطة الفلسطينية أم ضغوط خارجية ؟
اعتقد ان ذريعة الفساد أسقطت منذ مدة طويلة فالتقارير التي قدمها مندوب النقد الدولي والبنك الدولي عن الأداء المالي والشفافية المالية للسلطة الفلسطينية هي أفضل بكثير من الأنظمة العربية وإن كانت بعض البلدان العربية تلجأ إلى دعمنا بصورة غير مباشرة عن طريق المؤسسات الدولية ونحن نوافق على ذلك وفي تقديرنا فإن الأمر لا يتعلق كذلك بوجود ضغوط دولية فإذا كانت الولايات المتحدة تضغط على العرب لعدم دفع التزاماتهم فإن الولايات المتحدة نفسها دفعت خلال العام الماضي كل التزاماتها للسلطة الفلسطينية والتي تقدر بـ450 مليون دولار كما دفعت خلال الستة أشهر الأخيرة 180 مليون دولار من الأموال التي كان يجب أن تدفعها عام 2011 كما قام الاتحاد الأوروبي بدفع مبلغ 500 مليون يورو بالإضافة إلى 85 مليون دولار دفعة استثنائية .
وهل تعتقد أن تشجيع المشروعات الصغيرة في العالم العربي يعد أفضل وسيلة للقضاء على مشكلة البطالة ؟
المشروعات الصغيرة لا يجب ان تكون بديلة للمشروعات المتوسطة ورغم ذلك فإن تلك المشروعات تعد شكلا من أشكال التوظيف المباشر الذي نشجعه في الاقتصاد الفلسطيني حيث تشكل المشروعات الصغيرة 97% من جملة المنشأت الاقتصادية يعمل بها العدد الأكبر من القوى العاملة وفي تقديرنا فإن هناك ثلاث عمليات متوازنة ينبغي أن تعمل اولا: تطوير التدريب المهني والتقني ، ثانيا توفير فرص عمل بالمشروعات الصغيرة من خلال توفير مشاريع داعمة لهذه المشاريع ، ثالثا خلق البيئة المناسبة لهذه المشاريع حتى تكون قادرة على النجاح والنمو وليس فقط توفير فرص عمل .
وما تقييمكم للدور الذي تقوم به النقابات العربية لحماية حقوق العمال ؟
موضوع النقابات العمالية في العالم العربي موضوع بالغ الأهمية ينبغي التركيز عليه وخاصة فيما يتعلق بموضوع الحريات النقابية وهي تنطلق من حرية العمل النقابي في تشكيل النقابات بما فيها حق الإضراب وحق الحوار مع أصحاب العمل وإدارة هذا الحوار وغيرها من الحريات النقابية والتي يجب أن تسير بجانب تعزيز الحوار الاجتماعي في كل بلد من البلدان وأعتقد إننا أمام مرحلة جديدة من الحريات العامة في العالم العربي بعد التحولات التي حدثت مؤخرا واعتقد ان هذا يقتضي عدم وجود اتحاد نقابي تابع للدولة أو تابع لحزب واحد فالحريات النقابية تستدعي وجود تعددية نقابية والتي نخلق نوع من التنافس النقابي والحيوية والتجديد في إطار الحركة النقابية وتفتح الباب أمام حوار اجتماعي ناجح ومسئول .
في النهاية ما هي رؤيتك كأمين عام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في اتفاق تشكيل الحكومة الفلسطينية والذي تم مؤخرا بين فتح وحماس بالقاهرة ؟
حتى الآن لم يحدث اتفاق على تشكيل الحكومة ولكن أتفق على وضع معايير لاختيار الوزراء ورئيس الوزراء وهذا أمر مهم لأنه سوف يطرح للنقاش على الفصائل الأخرى وليس فتح وحماس فقط ونحن نرى أن اختيار شخص رئيس الوزراء أمر مهم جدا وهذه الشخصية يجب أن تتوافر فيها ثلاثة معايير أولها أن تقدم رسالة للمجتمع بأنه ملتزم بالأسس السياسية ، ثانيا أن يؤكد التزامه بعملية السلام المرتبطة بقاعدة الشرعية الدولية ، ثالثا يجب أن يلتزم بالبرنامج الحكومي السابق والذي أعترف العالم بنجاحه واستكمال استحقاقات هذا البرنامج حتى شهر سبتمبر القادم بالإضافة إلى طمأنة المجتمع الفلسطيني أن النهج الاقتصادي والسياسي لن يخل بالتزامات الحكومة الفلسطينية تجاه احتياجات المواطنين ونحن كجبهة نضال شعبي نرى أن اختيار الدكتور سليم فياض لرئاسة الحكومة هو أفضل اختيار لقيادة المرحلة الانتقالية القادمة.
حوار خاص أجراه في القاهرة الزميل مصطفى عمارة