اسرائيل لم تتعلم الدرس بقلم :عمر حلمي الغول

2021/05/30
Updated 2021/05/30 at 2:50 مساءً

المستعمرون في كل حقب التاريخ يميلون بالفطرة المحملة بالغطرسة والإستعلاء والوحشية لتطويع إرادة الشعوب المستعمرة بإستخدام العصا الغليظة، وآلة البطش، وهذا لا يعني ان القوى الإستعمارية ليس لديها عقول، العكس صحيح، يوجد لديها نخب مفكرة، وقادرة على قراءة التحولات في اوساط الشعوب الخاضة لإستعمارهم.

 

بيد انهم دائما ما يضعون على رأس جدول أعمالهم خيار تكميم الأفواه، والإعتقال، ودس الفتن في اوساطهم وفق مبدأ “فرق تسد”، والإغتيال، بالإضافة لإستقطاب وشراء ذمم اصحاب النفوس الرخيصة / العملاء، ونشرهم لرصد حركات الشارع، والوقوف على نبضه، والحؤول دون مفاجأة المحتلين والتحكم بمآل نبض الجماهير المضطدة.

 

وتلجأ عادة لإستخدام الجزرة لترويض القوى والنخب المتمردة عبر تقديم فتات الرشاوي والإمتيازات الرخيصة لكسر شوكتها، وإظهارها كأدوات تابعة وذيلية للمحتل. وتتعاظم اساليب المستعمرين وحشية وعنصرية في النموذج الكولونيالي القائم على الإجلاء والإحلال ونفي هوية الشعب صاحب الأرض والوطن، لإنها تعمل بشكل منهجي لكي وعيه، وترويضه بما تراه يخدم عملية الهيمنة الكاملة، ونفي رواية اصحاب الهوية والأرض الحقيقيين. وهنا تتكامل مجموعة عوامل لتحقيق غاية السيطرة الكلية، منها: العصا التنفيذية وادوات قمعها، خلق مؤسسات أو إشراك بعض قطاعات الشعب المستعمر في مؤسسات تشريعية تقيمها الدول او القوى الحاكمة، وتسن القوانين، وتقيم مؤسسات قضائية تخدم برامجها ومخططاتها، وتنتج ثقافة ومناهج تربوية تتفق مع اهدافها، وتعمل بشكل مكثف على غسل وعي الجماهير. وهذا هو حال النموذج الصهيوني، الخليط الإستعماري غير المتآلف من مختلف الشعوب، ومن اتباع ديانة واحدة وطوائف ومذاهب مختلفة، وهو نسيج بقدر ما يقبل القسمة على العملية الإستعمارية، والهيمنة على ارض ومصالح وحقوق شعب آخر، هو الشعب العربي الفلسطيني، إلآ ان التناقضات بينهم بقيت كبيرة وتناحرية في محطات مختلفة من مسيرة عملية إستعمارهم لإسباب تتعلق اولا بكيفية تقاسم الكعكة، وثانيا نتاج التناقضات والثقافات الإثنية المتعددة، وثالثا لعدم تمكنهم من تعريف هويتهم القومية او حتى الدينية، رابعا رغم محاولة القوى المسيطرة للتأصيل للغة رسمية واحدة، إلا ان الكثيرين منهم يربأ بنفسه ان يتعامل بها، ويبقى مشدودا ومنحازا للغة الأم، وينتج معارفه، ويقيم مدارسه ومعاهده وجامعاته وفنه وصحفه بلغته، أي لغته الأصلانية، خامسا لعدم يقينهم بالمشروع الإستعماري برمته، ولقناعتهم أنه لا محالة يتجه نحو الإنقراض والإنحلال إن لم يكن اليوم فبالضرورة غدا، أو بعد غدٍ.

 

المهم في المحطات المعقدة من المواجهة مع الشعب الفلسطيني الخاضع لعملية الإستعمار والتهويد والأسرلة طيلة العقود السبعة والنصف الماضية او منذ السيطرة البريطانية على الأرض الفلسطينية بعد الحرب العالمية الاولى، وإصدار قانون وقرارات الإنتداب على فلسطين التاريخية 1922 والحركة الصهيونية والمستعمر البريطاني وقبل نشوء إسرائيل عام 1948 وهي تعمل بشكل حثيث وفق الأساليب المختلفة المذكورة اعلاه لنفي الهوية والرواية الفلسطينية، وترسيخ الرواية الصهيونية المزورة. ولهذا انفق الغرب الإستعماري بمكوناته كلها وعلى رأسه الولايات المتحدة  لتعميد وتسييد مشروع الصهينة للأرض الفلسطينية مئات المليارات من الدولارات الأميركية، بيد انهم في هبة القدس الرمضانية العظيمة، المستمرة بوتيرة اخف الآن فشلوا فشلا ذريعا، وتبين لهم ان إقامة وتاسيس دولة إسرائيل، ونقل ملايين اليهود المضللين لها عبر موجات متتالية من الهجرات لم ينفعهم بشي، لا بل سقط سقوطا مريعا، لاسيما وان ابناء الشعب العربي الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة وفي العاصمة القدس وفي عموم الضفة وحيثما وجد فلسطيني في بقاع الأرض تماثلوا مع روايتهم الأصلانية، مع حقائقهم، ومع موروثهم التاريخي والحضاري والثقافي، وألقوا بثوب الأسرلة في مزابل التاريخ، وإنتصروا لذاتهم، وكفروا بالعنصرية الصهيونية، وتخلوا عن الكثير من حساباتهم الشخصية، وانحازوا لشعبهم ومصيرهم المشترك، ودافعوا بالنار والبارود والإرادة الصلبة عن وطنيتهم الفلسطينية وقوميتهم العربية وعن معتقداتهم الدينية الإسلامية والمسيحية، مما افقد حكومة تسيير الأعمال واجهزتها الأمنية المختلفة عقلها، ودفعها للإصطدام بالجدران الغيتواتية، التي بنتها خلال العقود الماضية.

 

ومع ذلك لم تحاول القيادات الصهيونية مراجعة ذاتها، ومساءلة نفسها وخبرائها ومفكريها عن الأسباب والخلفيات، ولجأت لإستخدام العصا العنصرية والفاشية الغليظة لإخضاع ابناء الشعب العربي الفلسطيني مجددا لمنطقها الإستعماري، وقامت بحملة إعتقالات غير مسبوقة منذ عقود الحكم العسكرية مع نشوء الدولة الكولونيالية 1948 طالت ما يزيد على ال2000 مواطن فلسطيني، تعرض منهم حوالي  400 شخص للإعتداءات الوحشية، وكل يوم تقوم سلطات الإستعمار الصهيونية بإعتقال ما يقارب من ال 100 مواطن فلسطيني، وتقديم لوائح إتهام تافهة وساقطة وعنصرية ضدهم، كما قتلت بدم بارد كل من موسى حسونة في اللد، والطفل محمد محمود كيوان محاميد في ام الفحم، واطلقت العنان لقطعان المستعمرين وعناصر حرس الحدود والشرطة ووحدة “اليسام” ليعيثوا فسادا في المدن المختلطة، وكانت ومازالت تمارس عملية إشعال فتيل الفتنة في اوساط ابناء الشعب الفلسطيني عبر عمليات إغتيال لحرف الأنظار عن الأبعاد الوطنية، وتعميق عملية الإنقسام في المدن والبلدات الفلسطينية، وبين تجمعاته المختلفة في داخل الداخل وفي القدس خصوصا والضفة عموما وقطاع غزة والشتات والمهاجر، غير انها كما فشلت على مدار سنوات الصراع ال74 الماضية، ستفشل وتهزم شر هزيمة راهنا ومستقبلا. لإن المشروع الكولونيالي الصهيوني ولد ميتا، وساقطا، واسيرا للتناقضات العميقة بين مكوناته، ولكونه فاقدا الأهلية في البقاء، ولإن اصحابه ومؤسسيه في الغرب الإستعماري عموما والولايات المتحدة خصوصا سينفضوا ايديهم منه في المستقبل غير البعيد، لإن اعباءه وهمومه ونفقاته أعلى من ارباحه وفوائده.

 

ولإن الأنظمة العربية التابعة للسوق الغربي أكثر فائدة من وجود إسرائيل، لا بل انها تمول خزائن الغرب العاجزة بمشترياتها من الأسلحة وغيرها من السلع الإستهلاكية، ومن خلال ودائعها المسلوبة في البنوك الغربية،  وكون ما يسمى بمشروع الدولة اليهودية لن يمر لا من حيث المنطق العلمي، ولا من حيث الواقع القائم، لإن الفلسطينيين بين البحر والنهر زادوا عن عدد اتباع الديانة اليهودية، وبالتالي إسقاطاتهم الوهمية ليس لها مكان على ارض فلسطين التاريخية.

Share this Article