افتتح مهرجان فلسطين الوطني للمسرح بدورته الأولى “سراب”.. عرض محمّل بالدلالات والرسائل يمزج تقنيات السيرك والمسرح والرقص المعاصر

2018/10/29
Updated 2018/10/29 at 8:57 صباحًا


الايام – يوسف الشايب:سراب”، هو عنوان العرض الافتتاحي لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح بدورته الأولى، وتنظمه وزارة الثقافة بالشراكة مع الهيئة العربية للمسرح، حتى الأول من تشرين الثاني المقبل.
والعرض، الذي دشن فعاليات المهرجان، مساء الخميس الماضي، وقدمته فرقة مدرسة سيرك رام الله، كان مبهراً، ومبشراً بجيل قادر على تقديم مقترحات ومقاربات جديدة في المسرح الفلسطيني، حيث المزج بين فنون السيرك وبين المسرح والرقص المعاصر في لوحات فردية، وثنائية، وفي جلها جماعية، تستعيد النكبة الفلسطينية في ذكراها السبعين، وتحاكي النكبات المستمرة في فلسطين والدول العربية، بأسلوب مغاير على صعيد الأداء، والتقنيات الفنية، وأيضاً على صعيد تجسيد الفكرة، التي خرجت من الطلاب أنفسهم، وأخرجها البريطاني بول إيفانز.
محمد أبو طالب، ونور أبو الرب، وهزار عزة، ومرح أشمر، وعلاء أبو الرب، وعصام أبو سنينة، وأحمد أبو طالب، قدموا لوحات مزجت ما بين “الأكروبات”، وحركات الخفة، والأخرى المبنية على الليونة، والتي جميعها لا تخلو من رؤية تسيرها، فهي ليست محض استعراضات عشوائية، بل مبنية درامياً لتشكل عرضاً مسرحياً يتكئ على فنون السيرك، ويتلاحم مع فنون الرقص المعاصر، وهو تجربة تضاف إلى المسيرة الإبداعية لمدرسة سيرك فلسطين.
ويستعيد العرض النكبة الفلسطينية، التي هي المأساة الأكبر، والنكبات المستمرة في غزة وكامل الجغرافيا الفلسطينية، بما فيها الحواجز العسكرية والاعتقالات، بل تتوسع لتنتقل إلى ما يعانيه شباب عديد الدول العربية من لجوء يتواصل منذ قرابة سبع إلى ثماني سنوات، ليكون عملاً إنسانياً بامتياز، كان للموسيقى بتنوعاتها دور محوري كما ألعاب السيرك الموظفة درامياً بعمق، وبما يخدم التسلسل الدرامي للعمل.
وما بين صافرات إنذار، وصراع على “الطابور”، وحامل الصخرة الجوال، في إحالات رمزية متعددة، من بينها “جمل المحامل” الفلسطيني المقدسي الشهير، وجسده الذي تحول لأيقونة فنية على شكل لوحة للفنان سليمان منصور، كما يحيلنا إلى تأويلات أسطورية أخرى لحاملي الحجارة التي تزن أكثر من وزن حامليها، وهو ما يعكس ثقل الحمل جراء الفاجعة وما يرتبط بها من أمل.
وكان لافتاً، ليس فقط تلك الليونة للفتيات والشبان على خشبة مسرح قصر رام الله الثقافي، بل توظيف هذه الليونة لصالح مشهدية بصرية مبهرة، رغم بعض الإطالة هنا وهناك، ولم تؤثر على تشكيل رأي غير موارب بأن العرض إبداعي بامتياز.
جدلية التنكيل بمحاكاة “الشبح” وغيره من وسائل التعذيب في سجون الاحتلال، ولربما سجون الأنظمة العربية، وما بين القراءة والكتابة ورمزت إليها الأوراق المتناثرة، والمتنقلة من هنا إلى هناك، ومن تلك إلى ذلك، لم تأت اعتباطاً، فلها من الدلالات ما لها، في إطار من التأويلات المتعددة، وما إذا كان المعتقل يجد في الكتابة أو القراءة ما يرمم شيئاً من جراحه أم أن فعل الإبداع الكتابي قد يودي بصاحبه إلى السجن، وكلاهما يحدث في فلسطين وغيرها من الدول العربية.
ووصف وزير الثقافة د. إيهاب بسيسو العرض بالقول: “سراب” حكايات الحواجز والحروب والهجرة والمساحات الضيقة والبحث عن أمل مفقود في اليوميات المرهقة، إنه صراع الإرادة التي جعلت شباناً في مقتبل العمر يتحدون مع حالات الخوف والقلق والتصميم والصبر، متقنين لغة الجسد الذي صار أداة تعبير لم تخذلهم على خشبة المسرح بل كانت محور التميز الذي انتزعوه وهم يبدعون لوحات أدائية تحمل المشاهد إلى فضاءات المعنى الخفي في تفاصيل الحكايات.. “سراب” حالة فلسطينية وإنسانية مميزة تقفز إلى حيز الوقت بكل ما امتلك صناع النص والحكاية من إدراك ورؤية وإرادة وشغف جعل خشبة المسرح امتداداً تلقائياً لحالة الهم اليومي الذي يتكرر ليصبح العرض بطاقة تعريف إضافي لقدرة فلسطين على ابتكار أمل مفقود في ازدحام الفوضى وقلق التأويل والحروب.
أما مؤسس مدرسة سيرك فلسطين شادي زمرد، فشدد على أن العرض يأتي “إيماناً منا بأهمية عرض قضية اللجوء وهموم المظلومين، ليس فقط في فلسطين، بل في العالم أجمع، أنتجنا عرض سراب، الذي يعكس للعالم أننا شركاء في الحق والعدل، وأننا جميعاً نستحق العيش بكرامة، ونستطيع معاً تخطي الحروب والحواجز والعقبات عندما نتوحد ونتفق على أحقيتنا بالعيش في أوطاننا بعزة”.

Share this Article