الشروط الخمسة فى مواجهة المؤامرة … بقلم :سامح فوزي

2015/11/14
Updated 2015/11/14 at 9:09 صباحًا

thumbgen

هناك حديث فى دوائر الحكم والإعلام والسياسة عن تهديد، مؤامرة، ضغوط خارجية وداخلية. عادة فى السياسة الإدراك بوجود تهديد أهم من وجوده فعليا، لأن الإدراك هو الخلفية التى تنطلق منها القرارات والتوجهات السياسية. أيا كان حجم التهديد، فإن شروط المواجهة الصحيحة لا تزال غائبة، وما يجرى اتباعه يؤدى إلى إضعاف مناعة المجتمع فى مواجهة التهديدات داخلية وخارجية. هذه مساحة مهمة من النقاش ينبغى أن نحرص عليها، ولا نغلق الحديث فيها، لأنها تصب فى مصلحة الدولة، واستقرارها، حتى وإن رأى البعض أنها تشكل معارضة فى غير أوانها أو تعبر عن رأى لا يريد استقرار الوطن.

التهديد الذى يواجه الدولة حقيقة، لا يستطيع أحد انكارها، ولكن مواجهته تكون برفع مناعة المجتمع على التصدى له. كثير من الإجراءات الراهنة تضعف من مناعة المجتمع، ولا تسهم فى تقويتها، من بينها النظرة الأمنية الضيقة، وضمان الولاء المباشر، وتضييق المجال العام بما أدى إلى تهميش ليس فقط الخصوم، ولكن أيضا المؤيدين، والداعمين للنظام السياسي، والخوف من المستقبل، وملء الفراغ السياسى بالصخب الإعلامي. لا يمكن أن نقدم هدية أفضل من هذه لقوى معادية، أيا كانت، تراهن على الشعور العام بالإحباط، وتغازل «قوى الثورة» المهمشة، وتسعى لشغل مساحة جامدة مغلقة فى المجال السياسى تنتظرها. أكثر ما يقلق القوى المعادية لمشروع الدولة الوطنية الحديثة أن يكون هناك مجال عام نشيط، مفعم بالحيوية السياسية، متخما بالتعددية فى التنظيمات والآراء، يمارس نشاطه على نطاق واسع. إغلاق المجال العام فى مصلحتها لأنه يرهن جزءا مهما من الوطن فى انتظارها. ألم يحدث ذلك فى السابق؟ ألم ينكشف المجتمع حين أتت لحظة الانفتاح السياسى على مصراعيه؟

لا يجب أن يدفعنا الشعور بالتهديد إلى تضييق المجال العام، وانتهاك حقوق الإنسان، وتخفيض معدلات الثقة فى النشاط السياسى والثقافي،وظهور نزعات مستبطنة لمعاقبة الخصوم، والتصرف بشكل انتفاضى فى مواجهة اخطار لن تتوقف،مما يجعل المجتمع يفقد مناعته يوما بعد يوم، ويعتريه الشعور باليأس، ويجعله فريسة شعارات الإحباط خاصة فى ظل صعوبة الوضع الاقتصادي، وترهل الخدمات العامة، وضعف قدرة مؤسسات الدولة على مواجهة الأزمات، وهى تركة ثقيلة تراكمت على مدى عقود من الاستبداد والإهمال والنهب. فى كل مرة يتحدث رئيس الجمهورية تشعر بأن خطابه، ورؤيته للمستقبل فى واد، والسلوك السياسى الذى تمارسه مختلف الأطراف فى واد آخر، مما دفع إعلاميين إلى المجاهرة بأن هناك من يريد أن يفسد على الرئيس توجهاته أو يظهره بصورة لا يريدها، وهو كلام إن صح، نكون بحاجة إلى مواجهة جادة بالحديث، والشفافية، والمصارحة التى يراها البعض فى غير موضعها هذه الأيام.

المؤامرة لن تنقطع، والتهديد سوف يستمر، ولكن المطلوب هو رفع مناعة المجتمع وقدرته على مواجهة التحديات، تماما مثلما نرفع مناعة الجسم على التصدى للأمراض، التى تبقي، وتتحور، وتستمر. المناعة الأوليتوسيع المجال العام، هى بمثابة فتح نوافذ الغرفة حتى نسمح للشمس بأن تدخل إليها لتطهيرها، وتغيير الهواء بداخلها، وكشف الأخطاء، وممارسة النقد المشروع، وإتاحة التنوع فى الآراء والأفكار. المناعة الثانية هى المشاركة، فالجسد المريض، له دور فى علاج الداء الذى يهاجمه، بالإرادة، واتباع السلوك الصحيح، والحرص على العادات الغذائية. يحدث هذا حين يتحمل الشخص جزءا من المسئولية، ولا يظل قابعا فى دائرة التهميش، أو مفعولا به، بل فاعلا، مشاركا، ليس فى الانتخابات فقط، ولكن فى الإدارة المحلية، ومشروعات التنمية، ومساءلة الأجهزة الحكومية، الخ. المناعة الثالثة: الإصلاح، هناك أشياء ينبغى للجسد أن يقلع عنها حتى لا يعود إليه المرض، أو يستمر ممسكا بهمثل التدخين. وفى حالة المجتمع يأتى إصلاح الجهاز الإداريفى مقدمة المتطلبات، الذى يتحمل مسئولية كبرى فى إفشال السياسات وإحباط المواطن وتحريف التوجهات الإيجابية للنظام. الفساد هو العنوان الأساسى فى المواجهة، وهناك توجه حياله على مستوى السياسات العليا، ولكن «الفساد الصغير» الذى يلهب ظهر المواطن البسيط، ويجبره على دفع ثمنا مضاعفا للخدمة العامة أو يسهل إجراءات ينبغى أن تكون سهلة ميسورة بدلا من أن تظل معقدة جامدة، هذا الفساد هو الذى يحتاج مواجهة، وليس التسامح معه، والإقرار الضمنى باستمرار وجوده أو اعتباره من مسلمات الحياة. المناعة الرابعة، ضبط سلوك الأجهزة العامة بما يتفق مع مبادئ حقوق الإنسان، والمواطنة، واحترام الكرامة الإنسانية، وهى مسألة ترتبط بالسلوك الشخصى للأفراد، أكثر من التوجهات العامة التى تتكرر على مسامعنا باستمرار. المناعة الخامسة، الحفاظ على الجسد فى بنيانه وتماسكه، والتأكد من أن أعضاءه تمارس عملها بكفاءة أو على نحو مرض، وهو ما نريده فى الجسد السياسي، الذى ينبغى الحفاظ على تماسكه، وصلابته، وإطلاق طاقاته الانتاجية فى مواجهة الاقتصاد الريعي، ولا نمزقه نفسيا فى حروب بين ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو، أو صراعات بين رفاق التحول السياسي، أو تبديد التأييد الشعبى فى اشتباكات مع مكونات لديها همومها اليومية مثل العمال والموظفين وأساتذة الجامعات والإعلاميين، أو تخويف رأس المال، وغيره.

المؤامرة ليست فى أيدينا، ولكن مواجهتها دائما تكون مسئوليتنا.

عن الاهرام

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً