بوتفليقة … ونهاية الكاريزما الثورية بقلم :عبير بشير

2019/03/05
Updated 2019/03/05 at 9:17 صباحًا


ماذا يعني أن تنزل أيقونة ثورة التحرير جميلة بوحيرد، إلى الميدان، مطالبة بعدم ترشح عبد العزيز بوتفليقه لعهدة خامسة؟
ماذا يعني أن يعلن بوتفليقة ترشحه من على كرسيه المتحرك، قبيل ساعات من انتهاء موعد الترشح، على وقع حركة احتجاجية غير مسبوقة اجتاحت الجزائر رفضاً لهذه الخطوة؟
ماذا يعني أن يتعهد بوتفليقة في حال انتخابه مجدداً، بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة لن يترشح فيها، من أجل أن يعكف على صياغة دستور جديد يكرس ولادة الجمهورية الجزائرية الجديدة، ويضمن انتقالا سلسا للسلطة بين الأجيال.
لماذا انتظر بوتفليقة حتى اللحظة الأخيرة من أجل المباشرة بهذه الخطوة فائقة الأهمية من أجل استقرار النظام السياسي في الجزائر.
والأهم ما قاله بوتفليقة حرفياً في رسالة الترشح للشعب الجزائري :” لقد نمت إلى مسامعي، آهات المتظاهرين، ولا سيما آلاف الشباب الذين عبروا عن قلقهم المشروع، في شأن مصير وطننا، غالبيتهم في عمر تطبعُه الأنفة والسخاء اللذان دفعاني وأنا في عمرهم إلى الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، إنه بنيتي وضميري الاضطلاع بالمسؤولية التاريخية بأن ألبي مطلب الشعب الأساسي، أي تغيير النظام”.
هذا يعني ببساطة، عجز المؤسسة العسكرية في الجزائر، والحلقة الضيقة للرئيس بوتفليقة، على التوافق حول ترشيح بديل مقنع له، يمكن ان يضمن لها مصالحها المتضاربة. وأن بوتفليقة لم يستطع حسم الصراع بين ديوك ونمور نظامه، على ملف وراثته.
ويعني أكثر، أن الشرعية التاريخية للثورة الجزائرية، فقدت بريقها، وخبت، وأن اللحظة الكاريزمية لبوتفليقة انتهت صلاحيتها.
القصة لم تبدأ من الآن، ولكن منذ تولى الشاذلي بن جديد السلطة، في أعقاب وفاة حاكم الجزائر القوي بومدين، حينها أخذت الشرعية التاريخية تتآكل، وظهرت نزعات راديكالية دينية وعرقية وجهوية، تزامنت مع أزمات اقتصادية حادة، وظاهرة الفساد، في ظل الهروب الدائم إلى الأمام للاحتماء- بـشرعية ثورة – كادت تنتهي صلاحيتها.
القصة بدأت حين ضيعت النخبة الجزائرية الفرصة بعد التحرير، واستسهلت الحكم على الطريقة الناصرية والبعثية المستندة الى قائد يسيطر على المؤسسات الحكومية والنيابية ويحولها أشكالاً بلا مضامين.
والقصة الآن، ان جيل الهواتف الذكية لم يعد يتذكر أن بلاده هي بلد المليون شهيد، ولم يعد يتوقف مطولا أمام رجل اختلطت قصته بقصة الجزائر وهو بطل التحرير بوتفليقة. الشباب الجزائري لم تعد تعنيه كثيراً مرحلة التحرير ولا رموزها، مع أن الاستعمار الفرنسي للجزائر لم يكن استعماراً للأرض، بل استعمار إلغاء هوية شعب وكيانه، وإدماجه في الأمة الفرنسية، ولهذا كان الجهاد ليس من أجل تحرير التراب فقط، ولكن من أجل استرداد الكيان والهوية.
ولم يعد الشعب الجزائري مقتنعاً بما يحاجج به الأستاذ غسان شربل: “بأن المتظاهرين نسوا بأن الجزائر المترامية الأطراف تحتاج رجلاً قوياً كي يمنع لحمها من التطاير في النزاعات الأثنية والجهوية واللغوية. يتوهمون أن ما يصلح في قصر الإليزيه، يصلح في قصر المرادية، تستطيع تلك البلدان العيش بلا ديغول أو تشرشل. الجزائر لا تستطيع العيش بلا رجل قوي، يكررون كلمة التغيير من دون أن يتنبهوا إلى أن غياب الرجل القوي يجعل التغيير محفوفاً برائحة الفوضى وخطر الانهيار”.
ولم يعد يشفع للمخضرم الذي عاش في الجاهلية وبرز في الإسلام، شعار الوئام الذي رفعه عند عودته إلى الجزائر، بعد العشرية السوداء.
نحن نتحدث عن اللحظات الكاريزمية مثل ثورة تحرير الجزائر، أو ثورة يوليو، التي منحت أحمد بن بيلا وبوتفليقة، وعبد الناصر، الشرعية والوهج والجاذبية – الكاريزما – انتهت صلاحيتها.
ويرى فريدريك لوبون، بأن الكاريزما هي قوة الجاذبية والسحر، التي يمتلكها شخص معين، ويمارسها على مجموعة معينة، وتشكل مصدرا أساسيا لشرعيته وسلطته.
بينما استعار فيبر مفهوم الكاريزما، من رودلف سوم. وكاريزما تعني حرفياً هدية أو نعمة، استعملها فيبر ليميز القادة الذين نصبوا أنفسهم لهذا الدور، وهو ان يتبعهم الآخرون الذين هم في محنة أو بحاجة لاتباع قائد، لإيمانهم بأن القائد متأهل لمهنة القيادة بشكل استثنائي. وبحسب فيبر فإن دعاة الأديان، الأنبياء، الأبطال التاريخيين، هم نموذج أساسي للقائد الكاريزمي.
ومع أن فيبر على معرفة بحقيقة أن الديناميكيا الاجتماعية، ناتجة عن العديد من العوامل الاجتماعية، لكنه يؤكد بشكل خاص، على ظهور الشخصيات الكاريزمية، كرافعة أساسية للتحول الاجتماعي، وذلك لأن طابع الشخصيات الكاريزمية حماسي، ما يهيئ الظروف للشعور بالمسؤولية الاجتماعية، والانتماء، والحماسة.
غير أن التركيز على الرجل الكاريزمي، لا يقلل من آليات الأنظمة، بل على العكس من ذلك، فعن طريق تتبع روتينية الكاريزما، استطاع فيبر أن يجعل للروتين المنظم وزناً اثقل.
وعموماً، تفسير فيبر للدينامية التاريخية، من منظور الكاريزما الروتينية، عبر: كاريزما الساعة الأولى – الشعلة – شعلة الحماسة، وهي تحرض أتباع وأنصار المقاتل أو البطل الكاريزمي، عن التخلي عن المنفعة الشخصية، مقابل قيم سامية.
لكن خلال عملية روتينية الكاريزما، ومع الوقت، تصبح المصالح المادية لأتباع هذا القائد الكاريزمي هي الأهم.
الرئيس الجزائري الآن يرشح نفسه لعهدة خامسة، وبهذا يكون بوتفليقة حكم ويحكم الجزائر لأطول فترة منذ التحرير من الاستعمار الفرنسي، وهي لحظة بعيدة جداً عن اللحظة التاريخية الكاريزمية للجزائر، وهي لحظة التحرير، وخصوصا أن للكاريزما فترة صلاحية، وباتت الآن روتينية الكاريزما، ومصالح رجال بوتفليقة هي سيدة الموقف.

Share this Article