مصر وخطر الفوضى … بقلم : غازي العريضي

2013/08/17
Updated 2013/08/17 at 8:51 صباحًا

ghazi-aridi564937434972

Previous imageNext image

/

   منذ الإعلان عن وصول الاتصالات، ولا أقول المفاوضات الأوروبية الأميركية العربية في مصر لإيجاد حل للأزمة إلى طريق مسدود كان واضحاً أن البلاد ذاهبة نحو المواجهة. أبلغني أحد المسؤولين المتابعين عن كثب للأوضاع المصرية والمشاركين في تلك الاتصالات، أن اتفاقاً مبدئياً كان قد تم التوصل إليه ويفتح الباب للوصول إلى حل. لكن في الساعات الأخيرة تراجع “الإخوان المسلمون” عنه. وقال: “حمى الله مصر” “كأن البلاد على أبواب حرب”. وأضاف: “الحركة التي قام بها السيناتوران الأميركيان ليندسي غراهام، وجون ماكين لم تكن موفقة. عملياً كانت تشويشاً على حركة الاتصالات الأخرى، ولم يكن التشويش ليستهدف مباشرة العرب والأوروبيين لكنه كان موجهاً ضد الإدارة الأميركية. إلا أنه في النهاية أصاب حركتنا وألحق أذى بالمصلحة المصرية”. لم يكن ثمة خيارات. الحكومة تصّر على فضّ الاعتصام. قرار نهائي لا عودة عنه. والإخوان يصرّون على البقاء وكسب الوقت واستدراج السلطة إلى لعبة الدم والفوضى لتحميلها المسؤولية. والنتيجة كانت واضحة:الغرق في دوامة العنف، لتدفع مصر ثمن الخلافات الداخلية، والامتدادات الخارجية لها، وثمن الصراعات الأميركية – الأميركية.

وقعت المواجهة: حريق في القاهرة، مئات القتلى والجرحى، وإحراق كنائس وكليات جامعية واستهداف أبنية حكومية وإعلان حالة الطوارئ! إجماع في العالم على رفض العنف.

الموقف الأميركي بقي غير واضح لساعات إلى أن تحدث الرئيس الأميركي ورفض ما جرى. ودعا إلى رفع حالة الطوارئ. وأوقف المناورات المشتركة الأميركية – المصرية التي كانت مرتقبة خلال الأسابيع المقبلة. فض الاعتصامات بالقوة لم ينهِ الأزمة، “الإخوان” لن يتراجعوا، لن يستسلموا، لن يقبلوا هذه النتيجة، هم متمسكون بالشريعة منهجاً وبالشرعية حكماً. الشريعة هي إيمانهم ومصدر سلطتهم. والشرعية هي أساس حكمهم بعد أن جاءت لمصلحتهم في صناديق الاقتراع. ويعتبرون أن إرادة الناس التي تحسم في تلك الصناديق وقد قال الناس كلمتهم.

ومن هذا المنطلق ستكون تحركات متتالية في كل أنحاء البلاد. ويجب توقع أحداث جديدة. هذا منطق الأمور أمام المعادلة القائمة الآن. وهي معادلة خطيرة. فالعهد الجديد تضرر باستقالة نائب رئيس الجمهورية محمد البرادعي.

بعض أركان ومؤيدي الثورة الثانية والمناهضين لحركة الإخوان المسلمين والمقتنعين بفشلها في الحكم لم يكونوا مرتاحين لما جرى ولم يتمكنوا من تأييده. والأزهر الشريف لم يؤيد اللجوء إلى القوة، بل أكد أنه لم يستشر وليس مع فريق ضد آخر، ودعا إلى نبذ العنف والمحافظة على وحدة المصريين. والأزهر كان أبرز مؤيدي عزل الرئيس مرسي وإخراجه من الحكم. لكن الظروف اليوم مختلفة، ومنطق الدم له حسابات أخرى، والدم يولّد الدم. كذلك، فإن مصر تواجه خطر انهيار مؤسسات الدولة بعد الهجوم الذي استهدفها في أكثر من منطقة. تذكرت هنا ما قاله لي أحد كبار المسؤولين المصريين في أبريل الماضي وهو يعرض أمامي الوضع السياسي في مصر والنقاشات التي تدور في صفوف المعارضة فقال: “بعض الجهات في المعارضة يريد إخراج الإخوان من الحكم حتى ولو انهارت الدولة!! لكن شركاء أساسيين لهم رفضوا هذا التوجه وأصروا على الحفاظ على مؤسسات الدولة كافة. وعلى حضور الدولة ودورها”.

اليوم، انقلبت الرواية. “الإخوان” يريدون المواجهة حتى ولو انهارت الدولة!

والأحداث في الداخل لا يمكن فصلها عمّا يجري في سيناء وهو أمر بالغ الخطورة. هجمات متتالية على القوات الأمنية التي تخوض حرباً حقيقية ضد جماعات مهما أطلق عليها من تسميات هي في النهاية مسلحة، مدربة ، تعرف المنطقة جيداً، وتحولها إلى ساحة حرب، وسوق السلاح مفتوح!

والمعركة في سيناء لها خصوصيتها من النواحي الجغرافية والسياسية والأمنية. هناك إسرائيل تراقب كل شيء. تعتبر نفسها مستهدفة وكاد بعض الصواريخ يطالها. وبالتالي هي مضطرة للاستنفار والمتابعة وربما التدخل كما لوّح عدد من المسؤولين الإسرائيليين في حال تطوّرت الأمور إلى حد تهديد أمنها! وهناك “حماس” والفلسطينيون والأنفاق ودورهم وعلاقتهم مع “الإخوان”، وهناك البوابات على أفريقيا، والملاحة البحرية وغيرها!

نحن أمام مرحلة جديدة والتحذيرات في أكثر من عاصمة وعلى لسان أكثر من مسؤول في دول عربية وأجنبية، من الدخول في حرب أهلية حقيقية غير معروف مداها، تحذيرات جدية وواقعية. ولأنها مصر فإن أي تغيير في معادلتها سيكون له أثره في معادلة المنطقة كلها من إيران إلى الخليج وسوريا ولبنان وأفريقيا. والخوف الكبير، أنه وتحت ستار رفض منع “الإسلاميين” من الحكم، أن يتدفق “الجهاديون” في هذه الفترة التي يتنقلون فيها بحرية تامة ويصلون إلى سوريا وغيرها من عواصم ومواقع مختلفة. وأن تدخل مصر في دوامة عنف خطيرة تهدد وحدتها الوطنية ومصالحها وأمنها واستقرارها ومؤسسات الدولة كلها. ولا يمكن مواجهة هذه المخاطر إلا بمنطق الدولة والمصالحة.

الحقد والانتقام وشهوة السلطة لا يمكن أن يؤسسوا لاستقرار في أي مكان، ومنطق الإقصاء أو الإلغاء أو الاستبعاد القسّري، أو الاستبداد والاستعباد في المقابل لا يمكن أيضاً أن يفتح باب الحلول. بالعكس أي تصرف من هذا النوع سيؤدي إلى مزيد من العنف وإغراق مصر في دوامة لن تخرج منها قبل وقت طويل.

خسر “الإخوان” السلطة، وخسروا المنازلة الأولى، ولن يربحوا في الفوضى.

ربح العهد الجديد الجولة الأولى، لكن الفوضى تؤرقه. المهم أن تربح الدولة ويكون منطقها الأساس أن تربح مصر وحدتها واستقرارها.

هل للعقل والحكمة مكان هناك بعدما خسرناهما في ساحات عربية؟

الإتحاد الاماراتية

 

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً